إن حقبة الستينات و التي ذكرها الرئيس د/ محمد مرسي (و الستينات و ما أدراك ما الستينات) و كان يقصد هنا عن تلك الحقبة التي إشتهرت بتكثيف تعذيب جمال عبد الناصر لجماعة الإخوان المسلمين و التي توجت بإعدام سيد قطب مرشد الجماعة الفكري حينما قال في أو,ل خطاب له في التحرير قبل تسلم السلطة رسميًا بيوم واحد (إن ثورة يناير غرست بذورها من خلال الكفاح الوطني لمصر في العشرينات و الثلاثينات و الأربعينات و الخمسينات و الستينات و ما أدراك ما الستينات). تم إختزال تاريخ الحركة الوطنية المصرية في بوتقة جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1928 من خلال المرشد العام و مؤسسها حسن البنا بمدينة الإسماعيلية و تكرر هنا العيب الذي يرتكب إلى الآن منذ ثورة 23 يوليو من عام 1952 حينما قام جمال عبد الناصر بإلغاء إنجازات زعماء قبل ثورة يوليو على الرغم من مساهمة الثورة في دفن رفات مصطفى كامل بضريحه الجديد عام 1953 و إعادة رفات محمد فريد من ألمانيا إلى مصر عام 1954 و لكن كانت الإبادة تاريخية فكرية فتم ذلك بكتابة منهج التاريخ في الخمسينات بأن تاريخ مصر يبدأ من ثورة يوليو و ما يؤكد ذلك عند محاولة إغتيال جمال عبد الناصر عام 1954 بميدان المنشية بالأسكندرية من خلال جماعة الإخوان المسلمين قال (فليبقى كل في مكانه أيها الرجال فليبقى كل في مكانه أيها الأحرار دمي فداء لكم حياة فداء لمصر إذا مات عبد الناصر فكلكم جمال عبد الناصر) و في فقرة أخرى قال (أنا علمتكم العزة أنا علمتكم الكرامة) و تلك المقولة إنتقدها العقاد قائلاً (هل كنا في إنتظار عبد الناصر لكي نعلم العزة و الكرامة) و هو تصريح بأن من سبقوا الثورة و عبد الناصر ما هم إلا مجموعة محاولات فاشلة لنيل الإستقلال و لكن لولا تلك المحاولات ما كانت ثورة يوليو و ما كان الإستقلال. (حسن البنا في أحد رحلات الكشافة) تكرر هذا أيضًا في عهد أنور السادات الذي قال في خطاب توليه السلطة يوم 15 أكتوبر 1970 (سنسير على نهج عبد الناصر و سنظل على عهدنا بما قدمه للوطن) و لكن جاء السادات ليدخل مصر في مرحلة مختلفة عن المرحلة الناصرية و عند كتابته لكتابه (البحث عن الذات) قال في مقدمة الكتاب (إن قصتي هي قصة حياة مصر و التي تبدأ عام 1918 عام مولدي هكذا شاء القدر) و عند هذه الأحداث قام الناصريون باللعب بالتاريخ للرد على السادات بتأريخهم لحرب الإستنزاف بأنها الحرب الرابعة التي كانت تنقصها الإكتمال بعد وفاة ناصر و أن ما فعله السادات ماهو إلا بمجهودات ناصر و أخذت مصر تتأرجح بين الناصرية و الساداتية و ألفاظ التخوين تتبادل بين الفريقين إلى أن جاء عصر مبارك عام 1981 ليقول بأن تاريخ مصر يبدأ من عام 1981 و أنه جاء لينقذ سفينة الوطن من الإنهيار من خلال تهديد قدوم ثورة إسلامية لمصر على غرار ما حدث في إيران عام 1979 بعد مقتل السادات و بدأت لعبة (الضربة الجوية) كما كان يفعل السادات بلعبة (الرئيس الذي أذاع بيان ثورة 23 يوليو). (عبد الناصر و صلاح سالم يقرأن الفاتحتة أمام قبر احسن البنا مع شقيه عبد الرحمن البنا) إن مصر تعاني منذ قديم الأزل منذ العصر القديم بتبديل الأسماء و الأدوار و الأحداث حسب هوى الحاكم لنرى أجيالاً حائرة لا تعرف أين يبدأ تاريخها و ما هي صحة كل حدث إلى جانب تصنيف بعض الزعماء بصفات قد تصل للتخوين و التقصير كما حدث بإتهام (مصطفى كامل) بضعف الشخصية تجاه قضية الوطن و تبعيته لفرنسا و الخلافة العثمانية و هذا ما وضح في العمل الأدبي الذي يقع بين الرواية و المسرح لنجيب محفوظ عام 1983 بعنوان (أمام العرش) حينما وصف مصطفى كامل بتلك الصفات بشكل غير مباشر لوفديته الشديدة و إنحيازه لسعد زغلول و لكن للأمانة إن مصطفى كامل هو جذر ثورة 1919 و عند وقوع الإتفاق الودي عام 1904 بين فرنسا و إنجلترا قرر أن يكتفي بالإعتماد الذاتي و مصرنة الحركة الوطنية و التي صحت عام 1892 من خلاله بعد عشر سنوات من الموات الطويل بعد فشل الثورة العرابية. (طابع تذكاري لجمال عبد الناصر) هناك من هضم حق محمد فريد الذي علم مصر كيف تنظم المظاهرات كبروفة لثورة 1919 و التي حدثت و هو في المنفى و باركها في منفاه و أنشأ أول نقابة عمالية و أسس المدارس الليلية و وقف ضد مد إمتياز قناة السويس بجانب طلعت حرب و إتهامات عديدة للنحاس الذي أتهم بالخيانة لمعاهدة 1936 و لكن نسى المُتهِمون له بالخيانة أنه ختم حياته السياسية بخطابه الشهير يوم 8 أكتوبر 1951 (من أجل مصر وقعت على معاهدة 1936 و من أجل مصر أقوم الآن بإلغائها) و هي كانت بداية النهاية للعهد الملكي و بزوغ شمس 23 يوليو. (زائر أندونيسي أمام قبر حسن البنا) عند أقلمة أظافر الإخوان عام 1954 كمرحلة أولى و عام 1965 كمرحلة ثانية أخذ عبد الناصر يهاجم إعلاميًا جماعة الإخوان من خلال الجريدة السينمائية أثناء إلقاء القبض عليهم حتى إعدام سيد قطب و أخذ الناس يرددون أن الإخوان ما هم إلا جماعة إرهابية و مدمرة لمصر و لكن لننظر بعين الإنصاف أن تلك الجماعة التي تأسست على يد البنا عام 1928 في مارس كانت في الأصل تحمل الهدف الدعوي على أسس نظريات (محمد عبده) و (جمال الدين الأفغاني) و (محمد رشيد رضا) و لكن مع نمو الجماعة تدريجيًا بدأ البنا يشعر بشعبيته و جماهريته و طلب الناس منه بأن يتقدم للإنتخابات البرلمانية مع شعوره بالعداء الشديد من حزب الوفد مما دفعه للإنتقال من المرحلة الأولى المرحلة التأسيسية و هي مرحلة الطاعة ليست فيها واجبة فانتقل للمرحلة الثانية و هي مرحلة الطاعة واجبة ثم مرحلة إستخدام القوة و التي توجت بتأسيس التنظيم السري عام 1938 و بدأ تسليح هذا التنظيم الذي تولاه عبد الرحمن السندي الذي أراه بأنه هو شهادة وفاة البنا حياتيًا و سياسيًا بعد أن غير إتجاه التنظيم من مقاومة الإحتلال إلى قتل كل من يسب الإخوان في حوادث متكررة بين أحمد ماهر و أحمد الخازندار و محمود فهمي النقراشي. (الرئيس أنور السادات) إن ما يحسب للبنا أنه أحيا الحياة الروحية بمدن القناة المتأثرة بالفرنسة و الجلنزة و إضافته للحركة الوطنية البعد الروحاني في نيل الإستقلال و لكن ما يأخذ عليه أنه صعد الحركة لأهداف سياسية جعلته يصطدم بمختلف القوى السياسية و السراي الملكي فكانت النهاية المأساوية و في عام 1954 قام محمد نجيب و جمال عبد الناصر و أنور السادات بزيارة ضريح البنا و قال جمال عبد الناصر (إننا نستلهم روح الثورة من خلال قبر الإمام البنا الذي أرى أنه لو كان حاضرًا بيننا لكان أول من شارك في ثورة يوليو) و كان الإخوان على وفاق مع ثورة يوليو و لكن لتصادم الطرفين على الوزارات السيادية و أقلمة أظافرهم و إتهامهم بالعمالة للإنجليز تم شطب دور الإخوان من ثورة 23 يوليو فهم كانوا كلمة السر في نجاح الثورة. و هناك العديد من المشاركين بثورة يوليو كيوسف صديق الضابط الشيوعي الذي لولاه ما كانت ثورة يوليو و ما كان عبد الناصر و لا السادات و شطب اسم محمد نجيب الذي حمى وحدة مصر بالسودان عام 1954 و الواجهة القوية التي حمت الثورة لشخصيته الكاريزمية لدى السراي الملكية و تناسي المناهج بأنه أول رئيس للجمهورية و رفض الرقابة لأكثر من عمل سينمائي يتناول حياته خوفًا من السلطة القائمة أيًا كانت تلك السلطة. إننا الآن أمام أزمة خطيرة لا بد من التصدي لها بكتابة التاريخ بميزان العدل و قسطاس الحق دون المجاملة لشخص ما أو لحاكم على حساب الحقيقة لأن التاريخ أمانة و كتابته فريضة واجبة لنرى أجيالاً متزنة واعية تتسم بالمنطقية و المنهجية في كيفية تعاملها مع تاريخ الوطن لا لحساب جماعة أو فكر أو زعامة معينة لأن من لا يتقي الله في تاريخ وطنه فجزاؤه عند الله عسير و أكرر أحذروا نقش التاريخ حسب الهوى لأن أمة لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها.