الدين العام المحلى يعد من أهم المؤشرات الاقتصادية التي عادة ما تشغل أذهان كافة الاقتصاديين، وذلك في ضوء أهميته وإنعكاساته الإقتصادية والإجتماعية، ولذلك فقد ظل ذلك المؤشر الإقتصادي الهام يخضع للعديد من الدراسات والتحليلات الإقتصادية المتعمقة، ومن المعروف أن الدين العام المحلى هو عبارة عن مجموع الدين الحكومي مضافاً إلية صافى مديونية بنك الإستثمار القومي. وما يزيد من أهمية وخطورة ذلك المؤشر الإقتصادي الهام بالنسبة للإقتصاد المصري هو تضاعف حجم ذلك الدين منذ بداية عقد الثمانينات حيث بلغ في عام 1981 ما يقرب من 11 مليار جنية، ثم ارتفع مع بداية عقد التسعينات مع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر ليصل إلى 98.4 مليار جنية، ثم واصل الإرتفاع ليصل إلى ما يقارب 962 مليار جنية بنهاية عام 2010 وقبل الثورة مباشرة، ثم إرتفع ليصل الى 1132 مليار جنيه بنهاية عام 2011 وفقاً للأرقام الصادرة عن البنك المركزى المصرى. ويرجع السبب الأساسي لإرتفاع حجم الدين العام المحلى في مصر خلال تلك الفترات لإرتباطه بتغطية العجز الصافي للموازنة العامة للدولة من ناحية، بالإضافة إلى استخدامه في تمويل الموازنة الاستثمارية من ناحية أخرى، وقد إرتفعت نسب الزيادة خلال فترة ما بعد الثورة نظراً لإرتفاع معدلات الفائدة داخل السوق مما أدى لإرتفاع تكلفة التمويل على أدوات الدين العام و أدى الى زيادات متسارعة فى حجم الدين العام المحلى. وقد سعت وزارة المالية وكممثل للحكومة للإستحواذ على النصيب الأكبر من السيولة داخل الإقتصاد خلال الفترات الأخيرة لتمويل العجز المتزايد للموازنة العامة للدولة، وعلى الرغم من أن هذه السياسة تؤدى إلى تخفيض الضغوط التضخمية بالتحول من التمويل بالعجز عن طريق التوسع النقدي إلى التمويل من المدخرات الحقيقية، غير أنه قد أدت هذه السياسة إلى تفاقم حجم الدين العام المحلى، وزيادة الأعباء المستقبلية على الموازنة العامة للدولة وهو الأمر الذي سوف يؤدى إلى زيادة الإنفاق العام في ظل الإلتزام بتكلفة وأعباء خدمة هذا الدين وسوف يتحمل تبعيات ذلك الأجيال القادمة من خلال عدم قدرة الدولة على المساهمة فى الدور الإجتماعى من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية . يضاف إلى ذلك أن المستثمر الأول في تلك الأدوات هي البنوك، وما يستتبعه ذلك من استئثار الحكومة بمدخرات المجتمع ومزاحمتها لغيرها من المقترضين مما يؤدى إلى إضعاف فرص المستثمرين في تمويل الأنشطة الإنتاجية، وقد إنعكس ذلك الأمر على سياسات وخطط البنوك العاملة في مصر في هذا الشأن. حيث اتجهت البنوك خلال الفترات الماضية لتغليب جانب الاستثمار المالي على حساب الاستثمار العيني من خلال اتجاه البنوك للتركيز في استثماراتها في أدوات السياسة النقدية من أذون خزانة وسندات الخزانة والتي تعتبر أكثر ضماناً وذلك على حساب الاستثمارات الإنتاجية. وقد إنعكس ذلك على الجهاز المصرفي في مصر، حيث لم يتواكب معه لعب دور اكبر للبنوك في عملية التنمية الاقتصادية من خلال دعم البنوك للأنشطة الاقتصادية وزيادة حجم استثماراتها الإنتاجية وزيادة درجة ارتباطها بمجتمع الأعمال. ليس من شك في أن اتجاه البنوك لتغليب الاستثمار المالي على حساب الاستثمار العيني قد ساعد البنوك كثيراً خلال الأعوام القليلة الماضية في ظل فترة إعادة الهيكلة والتي كانت تعانى فيها البنوك الكثير من المشاكل مثل تزايد حجم الديون المتعثرة، غير أنه من شأن الإستمرار في ذلك الاتجاه أن يؤدى إلى عدم قدرة الاقتصاد المصري على الاستمرار في تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال الفترات القادمة. أنها احد القضايا المهمة التي تواجه صانعي السياسات المالية في مصر وتحتاج إلى إعادة التفكير.