في الوقت الذي تعاظم فيه الخلاف بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، والذي طفا على الساحة السياسية خلال الفترة الأخيرة بشكل واضح، تكهن البعض بإمكانية قيام المجلس العسكري ب "الإنقلاب الناعم" على السلطة في مصر، تزامنًا مع تكالب التيارات الإسلامية حول دعم المهندس خيرت الشاطر، والاتجاه المتوقع لحزب النور السلفي لدعمه أيضًا، بما يكشف تكثيف الجهود وحشدها ضد رغبة العسكر في وضع مميز له بالساحة السياسية. الورقة البحثية التي قدمها د.أحمد عبدربه، استاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، كشفت الحجاب حول إمكانية قيام العسكر بالإنقلاب على السلطة، بعد أن أكدت أن أي صدام بين القوى السياسية على الساحة في مصر، فيما بينها، أو كان المجلس العسكري طرفًا فيها، تصب في الأخير لصالح الجيش، بما يمتلك من أدوات تؤهله لذلك.. متوقعًا إمكانية حدوث إنقلاب عسكري ناعم من قبل القوات المسلحة على السلطة في مصر. ولتجنب هذا الإنقلاب أوصى عبدربه بوضع حدود فاصلة بين المجتمع المدنى وبين القوى السياسية، بحيث تظل قوى المجتمع المدنى بعيدة عن اللعبة السياسية الحالية الخطرة، فى مقابل دعم القوى السياسية للمجتمع المدنى فى مواجهة أى محاولات التشويه من قبل الحكومة والمجلس العسكرى، فضلا عن ضرورة وضع حد أدنى من التوافق بين القوى السياسية، ولعل موضوع تشكيل اللجنة التاسيسية لوضع الدستور يشكل مناسبة ملائمة لتأكيد هذا التوافق. وعلى القوى السياسية وأحزاب الأغلبية أن تعطل بداية عمل اللجنة التأسيسية لفترة زمنية معينة للبحث عن صيغة أخرى للتوافق بين التيارات السياسية والمدنية والأكادمين والمتخصصين ولانبالغ إذ قلنا أن هذه الخطوة هى السبيل الوحيد لتجنب السيناريو السابق. طالب كافة التيارات الإسلامية بالمزيد من التقارب مع القوى الليبرالية والمدنية وليس بمزيد من التفاهمات مع العسكرى، فالأخير لديه تخوفات وتحفظات حقيقية على طبيعة الجمهورية ويخشى عليها من مفهوم "الإمارة"، وتقاربه مع "الإسلامى" هو تكتيك مؤقت لا حل دائم، كما طالبها بضرورة دعم مرشح محسوب على "الوسط" وليس على أقصى اليمين- كما فى حالة المرشح حازم أبو اسماعيل- فمصر ليست جاهزة بعد لرئيس ملتحى، قد يتسبب فى تغير عقيدة مؤسسات سيادية كالجيش والشرطة وسيعجل بانقلاب عسكرى هادئ على السلطة، وهو أمر يجب أن يفطن إليه الإسلاميون دون أن تغبطهم غمرة سعادة "التمكين" فيخسر الجميع فى اللعبة. والأمر نفسه ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين والتى عليها أن تتوقف عن اجراءات الدفع بمرشح من داخلها كما وعدت لإعطاء فرصة حقيقية لتمثيل سياسى لجميع التيارات حتى يحرص الجميع على نجاح الدولة المدنية ويتوحدوا فى مواجهة الفاعل العسكرى بدلاً من التشرذم الراهن والاستقطاب الحاد والذى يصب فى نهاية المطاف لصالح الفاعل العسكرى. وأسهمت العلاقات المتوترة بين العسكر والإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة الأكثر تنظيمًا وتواجدًا بالشارع المصري، وتحظى بأقلية متقدمة بالبرلمان، وتشكل مع التيار الإسلامي أغلبية كبيرة، أسهمت تلك العلاقة في تغيير موقف العسكر الذي حمى الثورة، خاصة أن وقيقة د.علي السلمي، "وثيقة المبادئ فوق الدستورية" كشفت الحجب عن رغبة المجلس العسكري في وضع مميز له في الدستور، وقيل آنذاك أن هناك "صفقة بين الاخوان والعسكر"، خاصة أن الإخوان سربت أنباءً عن ما أطلقت عليه "خروجًا آمنا للمجلس العسكري من السلطة"، بما فتح باب التكهنات حول طبيعة العلاقة بين الطرفين، والتي ما إن خرجت عنها الإخوان –مثلما هو حادث الآن- سوف يقوم العسكري بإتخاذ إجراءاته المضادة، لحماية رغبته في بقاء إمبراطوريته الإقتصادية، ووضعه على الساحة السياسية. أسباب الانقلاب.. والصفقة التي لم تكتمل وصلت العلاقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شئون البلاد خلال المرحلة الحالية، وجماعة الإخوان المسلمين، الفصيل الأكثر شعبية بالشارع المصري، والأكثر تواجدًا بالبرلمان، إلى طريق مسدود، على الرغم مما تردد بشأن وجود صفقة بين الطرفين عقب تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، إلا أنه يبدو أن تلك الصفقة أو "شهر العسل" قد انتهى، بإقتراب المرحلة الإنتقالية من الإنتهاء فور إجراء الإنتخابات الرئاسية، بما لاح في الأفق تضارب كبير بين مصالح وآراء كل طرف على حدا، ليتطور الصراع الخفي بين الطرفين في شكل حرب تصريحات وبيانات، أشعلها بيان الجيش الأخير، ذات اللهجة الحادة. بدأت قصة الوفاق بين الإخوان المسلمين والمجلس الاعلى للقوات المسلحة، عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير 2011، فوجد كلا الطرفين مصلحتهما ومصلحة مصر في التعاون والتشارك، للمروق من المرحلة الإنتقالية بسلام، وعبورها بأمان تام، إلا أن هذا الوفاق قد أثار حفيظة عدد من القوى السياسية وشباب الثورة في مصر، خاصة بعدما أفرز رؤى مغايرة لمبادئ الثورة ومطالب الثوار، وهو الأمر الذى بدا واضحًا منذ مخالفة جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها الحرية والعدالة لرغبة الثوار وعدم مشاركتهم في التظاهر بميدان التحرير، فضلا عن عدم إدانتهم لأعمال العنف التي وقعت بين المتظاهرين وقوات الجيش، خاصة في أحداث محمد محمود وأحداث شارع ملجس الوزراء، والتي لم تشارك فيها الجماعة، تزامنًا مع دعمهما لما أطلقوا عليه "الخروج الآمن للمجلس العسكري من السلطة، دون محاسبة عن أخطائه في إدارة المرحلة الإنتقالية"، وهو الأمر الذي جعل قوى سياسية تطلق على العلاقة بين الجيش والاخوان على أنها "علاقة غير شرعية". نفت الإخوان المسلمين في أكثر من بادرة، وأكثر من بيان وتصريحا لها وجود أية صفقات معها ومع المجلس العسكري، كما أكد عبدالمنعم عبدالمقصود، محاميها الخاص، على أن الحديث عن وجود صفقة "لا أساس له من الصحة، وأن الأمر كله أن الإخوان تعمل لمصلحة مصر في الأساس، وأن التعاون مع المجلس العسكري يتم في إطار ما يأتي في الصالح العام، وأن أي قرارات أو أي تجاوزات للمجلس العسكري فإن الإخوان يتصدون لها تعظيمًأ لمصلحة الوطن". إلا أن تصريحات عبدالمقصود مردود عليها من قبل شباب الثورة وعدد من القوى السياسية التي رأت أن صمت الإخوات إيزاء تجاوزات المجلس العسكري في حق الثوار والانتهاكات التي تعرضوا لها بميدان التحرير، يعد دلالة على وجود تلك الصفقة بشكل عام، بما يخدم مصلحة الطرفين، فالإخوان يريدون أن يأمنوا شر العسكر، والمجلس العسكري يبحث عن دور له في الدستور الجديد، وفي الحياة السياسية في مصر الجديدة، بما يجعل رغبات الطرفين تتلاقي، خاصة أن الإخوان تمثل أغلبية بالشارع المصري، واقلية متقدمة بالبرلمان. صلاحيات للمجلس استمرت العلاقة بين الطرفين، وسط اعتراض تام من باقي القوى السياسية، ووسط حالة من الغضب والهجوم الشديد الذي شنه الثوار على الإخوان والمجلس العسكري، والذي تزامن أيضًا مع إعلان وثيقة المبادئ فوق الدستورية التي أعلن عنها د.علي السلمي، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، والتي أعطت للمجلس العسكري الحق في مناقشة ميزانيته دون أية رقابة من البرلمان، بما يجعل الجيش بمثابة (دولة داخل الدولة). وتتابعت حالة الوفاق بين الطرفين واستمرت مع تأييد الإخوان لمرشح توافقي، قيل أنه الدكتور منصور حسن، رئيس المجلس الاستشاري، ووزير الشباب الأسبق، على أن يدعمه الجيش وقوى سياسية أخرى بالاضافة للإخوان، وهو الأمر الذي جعل الإخوان تتعرض لهجوم شديد وقوي أيضًا، خاصة في ظل رفضها لدعم د.عبدالمنعم أبوالفتوح. وعقب جملة من الانتقادات التي وجهت للإخوان، والتي صممت أيضًا على إنكارها ونفي وجود صفقة من هذا النوع، راحت أولى ملامح الصدام تظهر بين الطرفين، خاصة مع اقتراب المرحلة الانتقالية من الانتهاء.. بدأت ملامح تلك الخلافات منذ تشكيل مجلسي الشعب والشورى، وتبني الاخوان سياسات رافضة لحكومة الدكتور كمال الجنزوري، وهجومها على المجلس العسكري الذي أصدر قانوني الانتخابات الرئاسية والاستثمار دون عرضه على البرلمان، وبتاريخ قديم قبل تشكيل البرلمان، بما أحدث نوع من التوتر في العلاقة بين الطرفين بشكل كبير، نما إلى الساحة السياسية. تحوّل العلاقة بدأت حدة التوتر والخلاف تشتعل بين الطرفين، فور أن قامت جماعة الإخوان المسلمين بالمطالبة بإسقاط حكومة الدكتور كمال الجنزوري، وتشكيل حكومة انقاذ وطني، ؛حكومة ائتلافية؛ يكون رئيسها من حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة أنهم الأكثر تواجدًا أسفل قبة البرلمان المصري، بما يخول له تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي رفضه المجلس العسكري، فراحت الجماعة تتمادى في مطالبها وتعلن من خلال البرلمان عن سحب الثقة من الحكومة، وشن هجومًا عنيفًا عليها بوسائل الإعلام المختلفة، والتنديد بها، والمطالبة بإسقاطها على الفور، بعد أن فشلت في إدارة المرحلة الحالية، وتزايد معها الضغوط والأعباء على المواطنين. راحت الاخوان تعلن عن ترشيحها لمرشح من داخلها، بما يعني أنها لن تدعم مرشحًا توافقيًا، بما دل على فساد العلاقة بين الطرفين، وانتهائها. استمرت العلاقة تشهد نوع من أنواع الشد والجذب طيلة تلك الفترة، إلى أن أصدرت الإخوان المسلمين بيانًا تتهم فيه المجلس العسكري بدعم بقاء الجنزوري، ودعم استمرار حكومته، بما يضر بالشارع المصري، وأن العسكري يرغب في استمرار الحالة القاتمة التي يشهدها الشارع المصري في ظل رفضه إسقاط حكومة الجنزوري، خاصة أن الإعلان الدستوري يخول له صلاحيات اسقاط الحكومة، ولا يخول للبرلمان ذلك مطلقًا، وهو الأمر الذي رفضه المجلس العسكري، ليخرج، أمس الأول، ببيان شديد اللهجة، يرد فيه على الإخوان المسلمين، رافضًا اتهامه والتشكيك في وطنيته، وملوحًا بتهديدات قوية، فيما أعطى دلالة واضحة على إنتهاء "شهر العسل" بين الطرفين، نهاية مأساوية، قد يدفع الشارع المصري ضريبتها غالية جدًا. كروت لعب الطرفين وفي هذه الحرب بين الطرفين (المجلس العسكري والاخوان) يمتلك كل منهما عدة كروت يجيد إدارة "اللعبة" أو الحرب بها، فجماعة الإخوان المسلمين، تلوح دائمًا وباستمرار بكارت أنها الفصيل القادر على تحريك الساحة السياسية في أي وقت، وعمل "ثورة ثانية جديدة" ضد أي تجاوز، تزامنًا مع قدرتها على تحريك الأمور عبر غطاء قانوني هو البرلمان، والذي تمتلك فيه النسبة الأكبر مقارنة بباقي التيارات، بما يعطي لها الحق والقدرة على تحريك الشارع المصري في أي وقت، واستخدام شعبيتها في نشر أي فكرة أو مطلب بصورة كبيرة في مواجهة المجلس العسكري. أما المجلس العسكري فيمتلك من أداوت ملاحقة الإخوان المسلمين الكثير والكثير، فيمتلك عصا "حل البرلمان" الذي يتباهى الإخوان بحصولهم على الأغلبية فيه، خاصة أن البرلمان مطعون في مدى صحته أو دستوريته، بما يعطي للجيش فرصة في دعم هذه الطعون ومباركة صدور الأحكام القضائية، ويكون بعيدًا عن الصورة تمامًا، كما يمتلك الجيش أدوات ردع قانونية، خاصة أن الإعلان الدستوري يخول له كافة صلاحيات رئيس الجمهورية، بما يعطي له الحق في اتخاذ قرارات قد لا ترضي الإخوان.. يأتي هذا في الوقت الذي تكهن فيه البعض بإمكانية قيام الجيش بتزويير الانتخابات الرئاسية، فيما يتعارض مع الاخوان، على الرغم من كون كثيرين شككوا في امكانية تورط الجيش في مثل تلك العملية، إلا أنه سيناريو مطروح، ويعد نقطة أو كارت من كروت لعب القوات المسلحة في حربها مع الاخوان. وفي السياق ذاته، تقف القوى السياسية مكتوفة الأيدي وسط هذه الأجواء، خاصة لما يتمتع به كل طرف من شرعية قانونية، إلا أن مراقبون أكدوا على ضرورة أن تسيطر تلك الأجواء على الساحة السياسية المصرية، خاصة أنها من شأنها إفساد الحياة السياسية، وتحول الساحة لما كانت عليه من قبل من صراع بين النظام وجماعة الاخوان المسلمين.