"إن لغريمك القوة فقط بالقدر الذي تمنحه أنت له"، كذلك قال الأديب البرازيلي الشهير باولو كويلهو، في واحدة من رواياته، مؤكدًا أن قوة المنافس ما هي إلا نتاج ضعف الطرف الآخر.. كذلك سار عدد من المثقفين على نفس منهاج "كويلهو"، عندما طرحت أمامهم قضية "التمويل الأجنبي للكتب والمجلات الثقافية في مصر"، حينما أكدوا على مبدأ من يملك يتحكم، فلو ساهمت منظمات أو مؤسسات أجنبية في تمويل أو دعم عد من دور النشر المصرية، لفرضت أجندتها أو رؤيتها التي هي نابعة من عادات وتقاليد مغايرة لعاداتنا.. وبذلك نعطي بأيدينا الفرصة لغريمنا أو منافسنا فرصة الصعود على أكتفانا وفرض أجندته الثقافية، تماما كما هو التخوف من فرض الأجندات السياسية و الاقتصادية الأخرى. اعتبر عدد من المثقفين في مصر أن التمويل الأجنبي للحياة الثقافية ما هو إلا "استثمار" مثله مثل أي قطاع آخر يحصل على تمويلا ودعمًا من الخارج سواء عن طريق المساهمات أو المنح التي تقدمها الهيئات والمؤسسات وخاصة الأمريكية منها لدول العالم النامي وفقًأ لبرنامج المساعدة "USAID"، مؤكدين أن هناك العديد من المبادرات من الدول المانحة لتعزيز دور الثقافة بعدد من الدول النامية ومنها مصر، وهي مبادرات "مثمرة" هدفها تنمية الوعي الثقافي لدى جميع المواطنين. فريق ثالث، رفض التعليق على إشكالية التمويل الأجنبي، وقال أن تنشيط الحياة الثقافية بمصر، هي مهمة تقع في الأول والأخير على كاهل الحكومة، ممثلة في وزارة الثقافة، مطالبين عودة الطبعات الشعبية مرة أخرى. في البداية، قالت الروائية سلوى بكر، أن الدول الأجنبية المانحة للتمويل أو الدعم تقدم تلك المعونات بهدف إحكام السيطرة على الأوضاع الثقافية بالدولة التي تقدم لها الدعم، مشيرة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي تقدم دعمًا لمصر في مختلف المجالات و القطاعات لم تكن تقدمه إلا لفرض أجندتها على الساحة المصرية، كي لا يكون القرار نابعا من النظام نفسه، بل تتحكم فيه أمريكا ومؤسساتها. أضافت أنها ترفض التمويل الأجنبي ولم تحصل على تمويل لأحد مجلاتها في الثمانينات "جاليري 68" و"هاجر" من أي جهة أجنبية ، بل كان تمويلا ذاتية، بحيث لا يتم فرض الأجندة الغربية على الثقافة المصرية، خاصة وأن العادات و التقاليد المصرية تختلف تماما ومثيلتها الغربية. يرى بعض المثقفين في مصر، أنه في الوقت الذي تدعم فيه أمريكا منظمات حقوق الإنسان في مصر المدافعة عن النشطاء المتضررين من الشرطة وغيرها، فهى تدعم رجال الأمن في الوقت ذاته بالأسلحة التي تقمع بها هؤلاء، نظرًا لأنها تعمل لدعم مصلحتها الخاصة، ولذا فإن التمويل الأجنبي للمجلات الثقافية خطر يهدد الحياة الثقافية في مصر بشكل عام، مؤكدين أن قوانين التمويل والدعم في الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتوي على عدة بنود تنص على أن أحد أهم أهداف الدعم أو المنح التي تقدمها أمريكا للدول النامية هي دعم الديمقراطية في تلك الدول بما يخدم المصالح الأمريكية"، مطالبين في الوقت ذاته بضرورة إعادة "الطبعات الشعبية" مرة أخرى، كي يكون الكتبا في متناول الجميع بدعم من وزارة الثقافة، بعيدًا عن برنامج القراءة للجميع، الذي تتهم فيه الآن سوزان مبارك، زوجة الرئيس السابق، بالاستيلاء على أموال الدعم الأجنبى لمشاريع تنموية وثقافية على رأسها مهرجان القراءة للجميع. "إلا أن ارتفاع أسعار الكتب فى الفترة الحالية حرمت نسبة بلغت نحو 80% من القراء - معظمهم من جيل الشباب - من متعة هذا القراءة , فأضحت الحالة الثقافية فى مصر متدهورة للغاية , ووقف القارئ فى مواجهة جشع الموزع , والذى يحصل على نسبة 50 % فى كثير من الأحيان من تكلفة الكتاب , و فى مواجهة دار النشر التي ترغب هي الأخرى فى الربح كحق مشروع لها نظير ما تقوم به من نشر تلك الأعمال , فضلا عن الكاتب الذى يريد أن يرى ثمرة عمله – المادية – و يربح هو الآخر مقابل نشر فكره للقراء "، بهذا السبب برر الروائى المصرى " إبراهيم عبد المجيد " تدهور الحالة الثقافية فى مصر ,مطالبًا شركات التوزيع بإعادة النظر فيما تتقاضاه مقابل توزيعها للكتب . وأضاف عبد المجيد، أن هناك فضيلة كانت فى خمسينات و ستينات القرن الماضي و خفت نجمها قليلا فى السبعينات , حتى لم تعد متواجدة الآن على نحو ما كانت عليه, وهى "الطبعات الشعبية للكتب " . ويحكى عبد المجيد – صاحب رواية فى كل أسبوع يوم جمعة – قصة الطبعات الشعبية للكتب قائلا " كانت فى خمسينات وستينات القرن الماضى فى أتم نضجها وازدهارها, ومع سياسة الانفتاح التى بدأت فى عهد الرئيس أنور السادات, بدأ نجم هذه الطبعات يندثر قليلا, حتى أضحت مهددة بالاندثار التام الآن, وكانت هذه الطبعات قد أتاحت الفرصة لوصول الكتاب إلى أكبر عدد ممكن من القراء, فالطبعة الشعبية للكتاب تكون رخيصة الثمن و بجودة أقل فى نوع الورق من الطبعات الفاخرة , مما أثرى الحالة الثقافية فى مصر بأن أصبح الكتاب – حقًا و ليس شعارًا مصطنعًا – فى يد الجميع , وخرج فى هذه الآونة من مصر العديد والعديد من أصحاب الفكر فى كافة المجالات, وتم إثراء المكتبة العربية بكم هائل من الكتب القيمة فى هذه الفترة من الزمن " . وأشار إبراهيم عبد المجيد – الحائز على جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 1996 عن روايته البلدة الأخرى – إلى دور الهيئة المصرية العامة للكتاب, ووصفها بأنها الوحيدة فى مصر حتى الآن التى تصدر مثل تلك الطبعات الشعبية من الكتب, وذلك بدعم من وزارة الثقافة. إلا أنه انتقد أداء الهيئة قائلا "كيف وهى الجهة الوحيدة المنتجة لمثل هذه الطبعات الشعبية, والتى حفظتها من الاندثار أن تتجاهل الكتب التى حققت شعبية واسعة فى المجتمع؟, فمن سمات الطبعات الشعبية التى كانت موجودة فى خمسينات و ستينات القرن الماضى أنها كانت للكتب التى أثبتت جدارة, و احتاجها و طلبها القارئ, إلا أن هذا لا يحدث الآن، ولا يتم تفعيله من قبل الهيئة ووزارة الثقافة, فهى إن طبعت البعض بطبعة شعبية أو مدعمة تركت الكثير و الكثير من الكتب للعديد من أصحاب الفكر والتى أثبتت جدارة و أحقيه, و بذلك تركت الهيئة و الوزارة القارئ ليواجه دور النشر الخاصة وموزعيها ويذهب لشراء الكتب التى أثبتت جدارة ويصل سعرها فى بعض الأحيان الى مائة جنيه ". من ناحيته، أشار الشاعر أحمد طه، إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أو أي دولة أجنبية تقوم بتقديم التمويل أو حتى الدعم والمنح، فالدولة نفسها لا تتدخل لأنها دولة مؤسسات وليست دولة حكومة أو أفراد بعينهم يتحكمون في كل شئ بالبلد. أوضح أن رفض التمويل الأجنبي يعد لغطًا كبيرًا، فمن أين يتم رفض هذا التمويل بحجة احتمالية فرض الأجندة الغربية أو الأمريكية وسيطرتها على الأوضاع في مصر، وكيف تحصل منظمات حقوق الإنسان جميعها في مصر والتي ساهمت في تشكيل ثورة 25 يناير ودعمها بشكل أو بآخر على تلك المعونات وفقا مثلا لبرنامج المساعدة الأمريكية " USAID". من ناحيته، قل الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، مازحًا "غدًا ستتحسن الأوضاع في مصر وتقوم هي نفسها بتقديم معونات للولايات المتحدةالأمريكية لدعم الحريات فيها ودعم الديمقرطية في جوانتنامو". كان الهدف الرئيسى من إنشاء الهيئة المصرية العامة للكتاب هو إنشاء هيئة ثقافية كبرى فى حجم هيئة الكتاب لتضييق الفجوة الثقافية بين مصر وبين شعوب العالم المتقدم, وذلك عبر اتاحة كافة التسهيلات للتعريف بالإنتاج الفكرى العربى والعالمى وإعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث حتى يكون فى متناول المهتمين بالثقافة , وكذلك تأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمى والعالمى وطبع ونشر وتسويق الكتاب المصرى على المستوى المحلى والعربى والدولى , وكل ذلك عبر طبعات شعبية رخيصة الثمن كى تكون فى متناول العامة. واستطاعت الهيئة برئاسة محمود أمين العالم ومن بعده سهير القلماوى تحقيق انجازات كبيرة, استكملها كلا من محمود الشنيطى وصلاح عبد الصبور . " إلا أن الهيئة بكل ما قامت وتقوم به الآن من مشروعات طبع لكبار المؤلفين, والمؤلفين الشبان, لم تعد قادرة على استيعاب طبع كل هذا الكم من الكتب الصادرة فى العام الواحد والتى أثبتت شعبية كبيرة لدى الجمهور, خاصة مع تزايد دور النشر الخاصة و الهادفة للربح فى المقام الأول, وعن إشكالية أسعار الورق، قال عمرو خضر، رئيس شعبة الورق، أنه حتى أواخر الثمانينات كانت نسبة تبلغ ما يفوق 70% من المطابع تستخدم الورق المحلى الناتج من شركات وطنية, و نسبة أقل من 30% تعتمد على الاستيراد, ومع سياسة الانفتاح وزيادة فرص الاستيراد و التصدير فى مصر, انعكس الآمر, ولجأت العديد من المطابع و دور النشر لاستيراد الورق من الخارج, مما يعنى أن تكاليف النقل أو تكاليف الاستيراد عمومًا قد أضيفت لتكلفة الكتاب الناتج عن هذه المطبعة, وهذا لم يحدث فى خمسينات و ستينات القرن الماضى, ولذا فإن الطبعات الشعبية للكتب قد ازدهرت فى هذه الفترة, و أصبحت الان مقتصرة على " الكتاب المدعم" الذى تنتجه الحكومة ممثلة فى برامج وزارة الثقافة ". "نساهم فى إثراء الحالة الثقافية فى مصر, ليس عن طريق إنتاج طبعات شعبية, لكننا نحاول بقدر الإمكان إنتاج طبعات رخيصة أو متوسطة الثمن كى تكون فى متناول يد الشباب"، أكد "يحى هاشم" صاحب دار نشر "اكتب" على هذا فور سؤالنا عن الطبعات الشعبية للكتاب. أضاف هاشم "الطبعة الشعبية للكتاب ليست مسئولية دور النشر الخاصة, لأن دور النشر الخاصة تهدف أولا و أخيرا للربح, إنما مسئولية إنتاج الطبعات الشعبية مرهونة بدور الحكومة ممثلة فى وزارة الثقافة, ودور الهيئة المصرية العامة للكتاب, لأنها الجهة الوحيدة التى لا تهدف إلى الربح فى المقام الأول, بل تهدف إلى إثراء الحالة الثقافية ". وعن دور النشر الخاصة، أشار أن دورها لابد أيضا أن تساهم فى إصلاح وتعديل الحالة الثقافية فى مصر, وأن تقف جنبا إلى جنب مع وزارة الثقافة وتنتج طبعاتها بأسعار رمزية, تضمن تحقيق مكسب للدار وفى نفس الوقت تكون بسعر فى متناول الجميع , وهذا أمر سهل, والدليل العملى أن "اكتب" يبدأ سعر الكتاب فيها من 8 إلى 10 جنيهات, لا يتجاوز هذا الحد سوى الكتب الأجنبية أو المطبوعة بمطابع أخرى " . "كى تطبع دور النشر الخاصة طبعات شعبية و طبعات أخرى فاخرة فى هذا الوقت يعد أمرًا صعبًا للغاية , نظرًا للأزمات المالية التى يعيشها العالم , الأمر الذى يعنى نفاذ الطبعة الشعبية بسرعة, وتظل الطبعة الفاخرة فى المخازن و يتحملها صاحب دور النشر. وكذلك فلا تعتقدوا أن سعر ورق الطبعة الشعبية رخيص, هو بالفعل أرخص من أى ورق آخر و لكنه مكلف أيضًا, فى ظل الارتفاع الجنونى لأسعار الورق, وما نستطيع فعله كدور نشر هو أن نخفض ثمن الكتاب بما يضمن رواجه و أن يكون فى متناول العامة , وفى نفس الوقت أن نحقق ربحًا"، هكذا اختتم يحى هاشم صاحب دور نشر "اكتب" التى اتخذت شعار "النشر للجميع" حديثه. الطبعات الشعبية للكتب منتشرة فى أوربا وأمريكا بصورة كبيرة, حيث أظهرت دراسة حديثة لمعهد الأدب التشيكى أن الطبعات الشعبية من الروايات والكتب التاريخية والسير والألغاز هي الأكثر قراءة فى فى التشيك خاصة, كما نوهت الدراسة إلى دور الطبعات الشعبية فى أوروبا وأمريكا فى إثراء الحالة الثقافية, وضمان وصول الكتاب إلى أكبر عدد ممكن من القراء. وبذلك تساهم الدولة نفسها في إثراء الحياة الثقافية بعيدًا عن إشكالية التمويل الأجنبي.. وأضاف فتحى " لو كنا نبحث عن حل لمشكلة ارتفاع أسعار الكتب, فالحل بسيط وفى متناول الجميع , فلو كان الكتاب غالى على مجموعة من القراء فببساطة عليهم أن يقرأوا تلك الكتب فى مكاتب القراءة المنتشرة فى مصر, والتى لا تجد من يقرأ فيها, فلو كانت الطبعات الشعبية للكتب المفضلة لنا غير موجودة و كانت موجودة فى أواخر القرن الماضى, فمن ناحية أخرى لم يكن فى هذه الفترة أية وجود لمكتبات القراءة بهذه الصورة " . fb:comments title="تحقيق : التمويل الأجنبى للثقافة.. ظاهره "دعم" وباطنه "احتلال"" href="http://www.amwalalghad.com/index.php?option=com_content&view=article&id=32414:تحقيق-التمويل-الأجنبى-للثقافة-ظاهره-دعم-وباطنه-احتلال&catid=1150:ملفات-خاصة&Itemid=276" num_posts="1" width="700" publish_feed="true" colorscheme="light"