فى الوقت الذى تشهد فيه الساحة اللبنانية توترات سياسية خطيرة على خلفية حصول محققين دوليين على أدلة تشير الى تورط حزب الله في اغتيال رفيق الحريري، تأتى زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان التى تحمل رسائل عديدة أبرزها أنها جاءت في سياق التحرك التركي الداعم لوحدة لبنان وأمنه واستقراره، نظرا للدور الفاعل والمؤثر الذي تلعبه أنقرة على صعيد قضايا المنطقة وتوازناتها. انقسم اللبنانيون أنفسهم على الزيارة ما بين مؤيد ومعارض خاصة بعد الوقفة الاحتاجية التى نظمها الأرمن على أساس أن "اللبنانيين لم ينسوا ماضي تركيا الدموي في المنطقة" في إشارة إلى الدولة العثمانية، شملت لقاءات مع الساسة اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء سعد الحريري. وهدفت اللقاءات إلى مناقشة الوضع السياسي الراهن في المنطقة، بالرغم من أن السبب الرئيسي للزيارة هو توقيع عدد من الإتفاقات بين البلدين أعدّها الوزراء المختصون إضافة إلى موضوع التعاون الاستراتيجي الرباعي بين تركيا وسوريا والأردن ولبنان. الإتفاقيات التجارية تجاوزت الخلافات الجيوسياسية كانت تركيا قد نجحت خلال نحو عام ونصف العام من إجتياز العوائق الجيوسياسية وتاريخ صراع طويل مع جيرانها لتمضى فى تفاهمات واتفاقات تجارية تخدم المصالح المشتركة لتتجاوز الفكرة التقليدية التى طرحت منذ عقدين من الزمان، وتحدثت عن معادلة "المياه التركية مقابل النفط العربى". وساعد على ذلك إتخاذ تركيا لإجراءات لدعم علاقاتها بالدول العربية مثل قرارها بإلغاء تأشيرات الدخول بين تركيا وخمس دول عربية أخرى (سوريا ولبنان والأردن والعراق وليبيا) وهو ما يشير إلى إنفتاح أنقرة على الشرق لأٌقصى مدى. وخلال افتتاح فعاليات المؤتمر المصرفي العربي السنوي للعام 2010 بعنوان "الدور الدولي الجديد للمصارف العربية"، والذى ينظمه إتحاد المصارف العربية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب وجمعية مصارف لبنان ومصرف لبنان ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية في جامعة الدول العربية، أكد رجب طيب أردوجان رئيس الوزراء التركي أن بلاده دائما تهتم بمصالح دول الجوار وبمصالحها، قائلا "نبذل أقصى جهدنا من أجل السلام، وسنستمر نقول غزةكابول بغداد بيروت والقدس، من أجل السلام، وما أقوله الآن سيقال من آلاف القلوب في المستقبل وهذا مهم جداً". أردوغان: تشاركنا الأحزان فى الماضي، وسنتشارك فى الرفاهية والإنسانية فى المستقبل وقال أردوجان أن الجغرافيا الواسعة تجعل الناس يتكلمون لغات مختلفة، إلا أن اللغة واحدة والثقافة واحدة ، وأضاف: "شكلنا التاريخ مع بعضنا في هذه الأرض وسنشكل المستقبل معاً، والمثل التركي يقول لا تأخذ بيتاً بل خذ جاراً، وهناك مثل عربي في هذا المعنى (الجار قبل الدار)، ونحن نأتي من ثقافة حولنا فيها الجار إلى علاقة أخوية، تشاركنا الأحزان والأقدار وسوف نتشارك في الرفاهية والانسانية أيضاً". وعن رفع تأشيرات الدخول الى تركيا مع بعض الدول العربية قال :"نحن رفعنا التأشيرات مع كل من سوريا ولبنان والاردن، ولم يقع علينا أي ضرر من ذلك، نحن لم نرفع التأشيرات بل رفعنا الحسرة بين شعبينا منذ مئات السنين، والآن يتعانق أخواننا في ما بينهم، وهناك تبادل للزيارات بالإضافة إلى ان رجال الاعمال يستطيعون الذهاب الى البلدين بكل سهولة وراحة". أردوغان: نخطط لإنشاء مجلس التعاون الإستراتيجي مع سوريا والعراق وأشار أردوجان إلى أن بلاده سوف تنشىء مجلس التعاون الاستراتيجي مع سوريا والعراق وستؤسس مجلس التعاون الرباعي، ولا شيء اكثر طبيعية من هذا، وبدأنا بآلية الحوار الاستراتيجي مع جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، إذا كان الاستقرار والامن والرفاهية موجودة فالكل يستفيد من ذلك". وعلق على الصراع الفلسطينى الإسرائيلي قائلا " أسرائيل تقتل الأطفال في لبنان وتهدم المدارس والمسشتفيات، وبعدها تطلب منا ان نسكت.. وتستخدم أحدث الاسلحة وتدخل غزة وتقتل الاطفال، وبعد ذلك تطلب منا ان نسكت.. تقوم بالقرصنة في البحر الابيض المتوسط وتقتل تسعة مواطنين من الاتراك كانوا في طريقهم الى غزة، وبعدها تطلب منا ان نسكت، فلن نسكت وسنقول الحق ونكون مع الحق". وبسؤاله حول طلب تركيا رعاية الاتحاد الأوروبى أجاب أردوجان بأن بلاده حريصة على إقامة علاقات التعاون مع جميع الدول بهدف تحقيق مصالحها الاستيراتيجية، مؤكداً أن تدعيم أواصر الصداقة مع الدول العربية لافتاً إلى هدف أنقرة الوحيد في المنطقة هو السلام والاستقرار والرفاهية، وقال "نحن كتركيا نقول لا مشاكل مع دول الجوار". أردوغان: غياب العدالة يتسبب فى تكرار الأزمات الإقتصادية وأضاف أردوجان"منذ بداية الأزمة العالمية نقول أن عالماً لا عدالة فيه لا يمكن الهروب فيه من الأزمات، إذ سيبقى يعاني العالم من الأزمات إذا لم نردم الهوات بين الشعوب". وأكد أنه "سيتم إجتياز الأزمة بنجاح، إلا أَّن الأزمة لم تنتج من لبنان أو تركيا وانما من أميركا وأنتشرت في العالم، فمن هم الذي أفلسوا في العالم؟ هي البنوك العالمية وشركات التأمين العالمية الكبيرة، فإذا لم نستخلص الدروس ونرى الواقع فان فاتورة الأزمة التالية ستكون كبيرة". ودعا رئيس الوزراء التركي أصحاب الرساميل العربية ورجال الأعمال إلى الإستثمار في تركيا التي اجتازت الأزمة العالمية، وازدادت جاذبيتها للاستثمار، ومن سيغتنم فرصة الإستثمار باكراً فسيكون رابحاً، ووعد بمتابعة أعمالهم الإستثمارية. وقال أردوجان أن تركيا نجحت فى تحقيق معدلات نمو جيدة سواء على صعيد الناتج المحلى الإجمالى الذى أرتفع إلى 7% متزامناً مع تراجع البطالة إلى 11.4% من خلال خطط الإصلاح الإقتصادى. وأكد على قوة القطاع المصرفى التركى بعد أن كان هناك 21 بنكاً على وشك الإفلاس منذ ثمانية سنوات مضت. الحريري يتمنى تطور إتحاد المصارف العربية أبعد من الحدود الجغرافية والسياسية ومن جانبه.. قال سعد الحريري ، رئيس الوزراء اللبنانى ، إن إجتماع إتحاد المصارف العربية هو من أوجه الرؤية الاقتصادية التكاملية العربية، معرباً عن أمله أن تتطور إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية والسياسية، ليتكون تكتل مصرفي إقليمي يكون في خدمة الدول العربية ودول الجوار، ذات الاهداف الاقتصادية والمصرفية المتكاملة معنا. وأضاف الحريرى أن المصارف العربية استطاعت أن تنأى عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية رغم الضغوطات المالية التي تعرض لها بعضها لكنها صمدت ونجحت. وأعتبر أن هذا خير دليل على حسن ادارة المصارف العربية، خصوصا خلال الأزمات العالمية، لأنها إعتمدت في سياساتها المحافظة على عدم المخاطرة والحذر في عملياتها التوسعية فضلاً عن استمرارها في مسيرة تطبيق المعايير المصرفية الدولية، ولا سيما معايير بازل، لافتاً إلى أن المصارف المركزية العربية تحرص دائما على اعتماد معايير الرقابة والجودة للعمليات المالية للمصارف العاملة في دولها. وأشار رئيس الوزراء اللبنانى إلى أن المنطقة العربية تتمتع بمقومات النمو الاقتصادي، مدعوما بالحوافز المالية والاستثمارية، ولكن دون شك، يبقى العنصر الاساسي في هذا النمو المتوقع القدرة العالية للمصارف العربية على تمويل المشروعات الاستثمارية، وبالتي المشاركة الفعالة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية. الحريري: معدلات النمو في لبنان وصلت إلى 8% وأوضح أن لبنان تشهد مرحلة من النمو الاقتصادي بنسبة 8%، خلال العامين الماضيتين وهي أعلى من معدل النمو الاقتصادي العالمي، ونتوقع إستمراره إلى عام 2010، لافتاً إلى أن هذه المرحلة المزدهرة بدأت إبان الأزمة المالية العالمية، حيث استقطبت المصارف اللبنانية التدفقات المالية الباحثة عن ملاذ آمن، وعن بيئة مشجعة للاستثمار في العديد من القطاعات الواعدة. كما أن سياسة الاستقرار النقدي والمالي التي يتبعها المصرف المركزي، بالتنسيق مع وزارة المالية، أثبتت كفاءتها خلال هذه الفترة. هذا فضلا عن الثقافة المصرفية العالية والممارسات السليمة التي توصي بها جمعية المصارف في لبنان". وأشار الى أن المصارف اللبنانية هي شريك أساسي في تمويل المشاريع التنموية والاقتصادية للدولة، من خلال الإكتتاب في سندات الخزينة. وقال الحريرى :" نتطلع اليوم إلى تعزيز قنوات التعاون بين لبنان وتركيا في الميادين الاقتصادية والتنموية والاستثمارية المختلفة وبيئة الأعمال في لبنان باتت مهيأة لإستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومنها التركية، الى القطاعات الاقتصادية الواعدة. ونسعى الى تطوير الشراكات بين القطاع الخاص اللبناني والتركي، ونطمح الى زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين". وأعلن الحريري عن التوقيع إتفاقية منطقة التجارة الحرة بين لبنان وتركيا. كما أعلنا ولادة اللجنة الإستراتيجية العليا للتعاون والتنسيق بين البلدين، مشيراً إلى أن هذه الخطوات تندرج في إطار إتفاقيات أوسع تقيم منطقة تجارة حرة بين لبنان وسوريا والأردن وتركيا. وأشاد الحريري بالدور الكبير لأردوجان في إرساء دعائم التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في تركيا - القرن الواحد والعشرين، مشيراً إلى أن تركيا اليوم أصبحت قوة اقليمية ذات ثقل عالمي في مختلف الميادين وهي تقف الى جانب القضايا المحقة في العالم العربي وفي العالم الاسلامي وكانت السند الوفي للبنان في كل الأوقات الصعبة وتعمل أيضا على الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان.