السياسيون مصممون على تعزيز النظام المالي لتجنب تكرار الأزمة الحالية التي أدت إلى تكاليف هائلة فيما يتعلق بالنمو، والتشغيل، والميزانيات العامة. ولن ترضيهم سوى زيادة عميقة في متطلبات رأس المال بصورتها الأوضح، كما تم اقتراحها من جانب لجنة بازل حول الرقابة المصرفية. وتعمل توصيات بازل، على الأقل، على مضاعفة مبلغ رأس المال الرئيسي الذي تحتفظ به البنوك أربع مرات، وهي متطلبات ما من شك في أنها ستزداد في الأسابيع المقبلة. لكن يمكن أن تكون لهذا ''التنظيم'' عواقب غير مقصودة. يمكن أن يشجع تحويل العمليات الخاضعة لضرائب كبرى فيما يتعلق بمتطلبات رأس المال، مثل التداول، إلى ما يطلق عليه نظام بنوك الظل الخارج عن مدى التنظيم والرقابة. ويمكن لمثل هذه التحولات أن تعرض الاستقرار المالي للخطر، ما لم ترافق التنظيم الحالي هياكل تنظيمية ورقابية جديدة خاصة ''بغير البنوك''. والجهود بهذا الخصوص مستمرة، لكنها ما زالت في مرحلة مبكرة وستستغرق وقتاً. السبب الثاني الكبير للمخاوف يتعلق بشكل خاص بالبنوك الأوروبية وأنموذجها العملي. ففي الأجل المتوسط تؤدي قواعد بازل الجديدة الخاصة برأس المال والسيولة إلى تقليص الأرباح وزيادة المنافسة بخصوص توليد الودائع. ولا بد من تعويض أثر هذه الزيادة المؤكدة في التكاليف من خلال إنتاجية أعلى، ودون شك من خلال زيادة التكاليف على عملاء البنوك. وبفعل ضغط المنافسة المتزايدة، ستتشجع بنوك معينة على العمل بطريقة أكثر ربحاً، لكنها أخطر في الوقت ذاته. ويظهر تحليل الأزمة أن نظامين مصرفيين رئيسيين كان رد فعلهما مختلفاً. وطور النظام الأنجلو ساكسوني القائم على أساس ''أنشئ ووزع'' نشاطات تداولية معتبرة وأدوات عمل خارج نظاق الميزانيات (معظمها غير مراقب) ذات منتجات مربحة، لكنها خطرة وغامضة. وأصيبت بنوك هذا الأنموذج بشدة بأزمة الرهون العقارية، الأمر الذي أدى إلى تدخلات شاملة من جانب الدول والبنوك المركزية، تم تصميمها لتجنب انتشار العدوى. وعلى النقيض من ذلك، كانت بنوك أوروبا القارية الشاملة أكثر تنويعاً، وكانت لديها عمليات إقراض تجزئة، وإقراض للشركات، وإدارة للأموال، ونشاطات أخرى ركزت بصفة أساسية على قاعدة العملاء. وكان مثل هؤلاء الدائنين على قناعة بقدرة المقترضين على السداد، بدلاً من الاقتناع بقيمة الموجودات المراد تمويلها. وأدت قواعد ودائعها القوية إلى نشر الاستقرار على مستوى النظام ككل. واستطاع الأنموذج الثاني الاستمرار بصورة كاملة تقريباً، دون عمليات إنقاذ بالأموال العامة. أما البنوك الأوروبية التي تطلبت أوضاعها المساعدة، فتبنت ممارسات ''بنوك الاستثمار'' الأكثر خطورة، أو اشترت دون حصافة، منتجات مسمومة. إن الخطر الذي تحمله القواعد الجديدة هو أن هذه المؤسسات المستقرة التي يطلب منها أن تزيد العوائد على استثماراتها، ستقلص نشاطاتها ذات الأرباح المتواضعة، مثل إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وكبديل لذلك، فإن تكاليف الائتمان سترتفع، أو أن البنوك ستركز على الأجزاء الأكثر ربحاً (ومخاطرة) في محافظ استثماراتها. وستكون لذلك آثار رئيسية مؤذية على الاقتصاد الكلي وعلى سلامة النظام المالي. والمفارقة القاسية هنا هي أن الأنموذج المصرفي الذي يفضل بشدة الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي يمكن أن يكون الضحية الرئيسية للإطار الجديد. والأنموذج الذي سبب لأزمة يمكن على الأقل أن يظل قائماً. وسنشهد سعياً مفروضاً لتحقيق العائد الأعلى على الموجودات – إحدى أكبر المشاكل في السنوات السابقة للأزمة، حين كانت الربحية الفورية تعتبر في أغلب الأحوال أكثر أهمية من التحليل السليم وتجنب المخاطر. إن اقتراح تطبيق نسبة ديون مطلقة، دون الأخذ في الاعتبار الخطر الفعلي للموجودات، هو أكثر العناصر إثارة للنقاش في إصلاحات بازل. ويمكن أن يدفع البنوك إلى التركيز على عملياتها الأخطر. وهذا كذلك شأن الخطط المتعلقة بالنسبة الإضافية لما يطلق عليها البنوك ''المؤثرة على النظام ككل'' – ويمكن القول إنها البنوك الأكبر التي لا تحظى بشعبية في الولاياتالمتحدة، لكنها تلعب دوراً رئيسياً في أوروبا، وقد أظهرت صلابتها. وبصورة عامة، الاقتصاد الأوروبي الذي يتلقى ثلاثة أرباع تمويله من البنوك، مقابل ربع تمويل الاقتصاد الأمريكي من هذا المصدر، هو الذي سيعاني أكثر. وإذا تحدثنا بصورة أعم، فإننا بحاجة إلى أن ندخل في الاعتبار أن التنظيم الفعال يتطلب رقابة متمكنة وكفؤة. وبدلاً من تعديل البنوك الأوروبية لتلائم عيوب الأنموذج الأنجلو ساكسوني، علينا السعي إلى الحصول على الإلهام من تلك الأنظمة الرقابية التي كانت أكثر نجاحاً خلال الأزمة .نقلا عن الفاينيشال تايمز