كان من غير المتوقع أن يعبُر القطاع المصرفى الثلاث سنوات التى تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير دون وقوع أضرار على القطاع الأكثر تماسكًا فى الدولة، بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التى مرت بها الدولة وتعطل العمل فى مرافق الدولة الحيوية لأكثر من مرة . وتظهر المؤشرات المالية بعد مرور سنوات الثورة أن القطاع البنكى خرج من الأزمة أكثر تماسُكًا بل تحسنت مؤشراته المالية مقارنة بعام 2010 السابق لثورة يناير . وأظهرت مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفى الصادرة عن البنك المركزى بنهاية ديسمبر 2014 أن نسبة الديون غير المنتظمة بالبنوك إلى إجمالى القروض بلغت 9.1% بقيمة 49.7 مليار جنيه، من إجمالى القروض البالغة 546.228 مليار جنيه، مقابل 13.6% خلال عام 2010 . وتُعتبر الأزمة التى مرت بها البنوك فى ثورة يناير اختبارًا حقيقيًا لخطة الإصلاح المصرفى التى قام بها البنك المركزى منذ عام 2004 لإصلاح القطاع والتغلب على أزمة الديون المتعثرة التى تجاوزت ال100 مليار جنيه قبل عام الإصلاح، كما كانت الأزمة المالية العالمية اختبارًا آخر لمدى كفاءة الملاءة المالية للبنوك العاملة بالقطاع . واعتمد البنك المركزى سياسة مرنة تجاه الضوابط المفروضة على البنوك بخصوص التعامل مع الديون المتعثرة والقطاعات المتضررة من أحداث الثورة، لعدم التسبب فى زيادة حجم الديون المتعثرة ومحاولة الخروج من الازمة بأقل الخسائر . وصدرت أولى قرارات المركزى فى فبراير 2011 بتحديد الحد الأقصى لتحويلات إلى الخارج بقيمة 100 ألف دولار خلال العام الواحد حفاظًا على النقد الأجنبى، وهو القرار الذى تعمل بمقتضاه البنوك إلى الآن . وأصدر البنك قرارًا بتاريخ 14 أبريل 2011 حول قروض التجزئة المصرفية والتى تسببت أحداث الثورة فى تأخر سداد أقساط ديون العديد من العملاء المنتظمين فى السداد لدى البنوك بسبب سوء الأحوال الأمنية، وهو ما دفع البنك المركزى لتوجيه تعليماته للبنوك بضرورة تأجيل تلك الاستحقاقات على اعتبار أن التأخر فى السداد خلال تلك الفترة جاء نتيجة ظروف طارئة خارجة عن إرادة العملاء، كما أعفى البنوك من تكوين المخصصات على تلك الديون المتأخرة لتخفيف الأعباء على البنوك . وتضمن القرار الصادر عن المركزى مُطالبة البنوك بوضع خطة لمراجعة التسهيلات الائتمانية القائمة لكافة عملاء الشركات، ودراسة موقف كل عميل على حدة أخذًا فى الاعتبار الأزمة التى تمر بها الدولة وتأثيرها على السداد . وبسبب الأضرار التى لحقت بالقطاع السياحى والذى يُعتبر من أكثر القطاعات المتضررة من أحداث ثورة يناير وتسبب فى توقف العديد من شركات السياحة وتعثرها فى سداد مديونياتها للبنوك وجه البنوك بتأجيل أقساط عملاء السياحة المتعثرين فى البداية لمدة ستة أشهر منذ يناير وحتى يونيو 2011 لتخفيف الآثار المترتبة على شركات السياحة، ثم قام بإصدار مبادرة فى مارس 2013 بخصوص تأجيل وإعادة جدولة عملاء السياحة المتعثرين ومدها لنهاية 2014 . ونظرًا للأزمة التى شهدتها أسواق الصرف وانخفاض السيولة الدولارية بالدولة نتيجة توقف حركة السياحة وانخفاض الاستثمارات، ولتيسير عمليات استيراد السلع الأساسية أصدر البنك المركزى قرارًا فى ديسمبر 2012 باستثناء عمليات استيراد اللحوم والدواجن بجميع أنواعها والسكر من نسبة التأمين النقدى البالغ 50%مع ترك الحرية للبنوك بتحديد نسبة الغطاء النقدى وبدون حد أدنى وذلك لمدة 6 أشهر ثم تقرر مدها لستة أشهر أخرى حرصًا على دعم الاقتصاد وتوفير احتياجات السوق المحلى، ومد تلك المبادرة أيضًا لنهاية 2014 . وكان البنك المركزى قد أصدر قرارًا فى فبراير 2013 بعدم تقديم البنوك أية تسهيلات ائتمانية لعملائها بالنقد الأجنبى ما لم يتم التأكد تمامًا من توافر موارد بالنقد الأجنبى للعميل لاستخدامها فى السداد، إلا أنه ومع الأزمة التى مرت بها الدولة فقد سمح للبنوك فى يناير 2013 بصفة مؤقتة بتمويل العمليات الاستيرادية لعملائها، مع وضع آلية لتحديد أولوية لطلبات عملائها لشراء العملة الأجنبية من خلال تمويل السلع الأساسية والتى يحتاجتها المواطنون . ومع إرتفاع الاضطرابات المناهضة لحكم الرئيس الأسبق محمد مرسى وارتفاع حدة التمرد فى الدولة وظهور بوادر أزمة سياسية جديدة أصدر المركزى فى يونيو 2013 توجيهاته للبنوك بضرورة وضع خطة طوارئ للاحتفاظ بأرصدة نقدية تمكن البنك من الاستمرار فى عمليات الصرف والإيداع لمدة لا تقل عن خمسة أيام، بالإضافة إلى توفير الحد الأدنى للمبالغ الاحتياطية التى يجب أن تتوفر فى كل فرع من فروع البنك، ومراكز النقد الرئيسية لمقابلة احتياجات المحافظات . وللعمل على زيادة موارد النقد الأجنبى بعد التراجع الحاد الذى شهده الاحتياطى النقدى الأجنبى منذ ثورة يناير أصدر المركزى قرارًا فى فبراير 2014 بالسماح للأفراد الطبيعيين المصريين الذين يقومون بتحويل مدخراتهم من حساباتهم بالخارج إلى أحد البنوك بإعادة تحويلها بنفس القيمة إلى الخارج عن تصفية الاستثمارات فى مصر، ليضاف إلى القرار الصادر فى يوليو 2013 الخاص بطرح مبادرة لتنازل العملاء عن النقد الأجنبى الذى يمتلكونه للبنوك مقابل تحويله بالعملة المحلية وإعطائهم أولوية فى الحصول على العملة الأجنبية من نفس البنك فى حالة الاحتياج إليها . وحرصًا على دعم الاقتصاد القومى وتوفير مسكن ملائم لمحدودى ومتوسطى الدخل أعلن البنك المركزى عن مبادرة للتمويل العقارى تقوم على توجيه قروض بقيمة 10 مليارات جنيه بفائدة ميسرة على مدار عشرين عامًا لتمويل وحدات محدودى ومتوسطى الدخل، وهى المبادرة التى تعمل بها البنوك الآن . وخلال الأعوام الثلاثة الماضية انخفضت حجم تمويلات البنوك وهو ما دفع البنك المركزى لإقرار آلية الودائع المربوطة فى أبريل 2013 فى محاولة لاستغلال السيولة الفائضة لدى البنوك، وقام البنك المركزى وفق الآلية بربط ما يقارب ال2 تريليون جنيه . وتصل إجمالى ودائع البنوك إلى 1.383 مليار جنيه، بينما سجلت حجم القروض 565.9 مليار جنيه بنهاية أبريل الماضى وفق أحدث تقارير البنك المركزى، وتصل نسبة التوظيف إلى 40.9% تسعى البنوك لزيادتها خلال الفترة المقبلة من خلال زيادة حجم الائتمان الممنوح للمستثمرين والمساهمة فى تنمية الدولة .