لكِ الله ياقدس؛ فقد مات رجالُكِ وشُيِّعَت جنازاتُ رؤسائك، لم يبقَ للعرب كرامة ولا قيمة؛ فقد داست أمريكا وابنتها إسرائيل على رقاب العرب، وطالما داست من قبل، لكنَّها هذه المرة ضغطَت بقوةٍ؛ فلم يتبقَّ من العرب سوى اسمهم فقط.. لم يتبق من تاريخ العرب سوى ذكريات.. لم يتبق سوى صلاح الدين وأمثاله الذين لم يَقبلوا يومًا ما على كرامتِهم وكرامة مقدساتهم أنْ تُهَان! ماذا تريدُ أمريكا وإسرائيل من العربِ عامة وفلسطين خاصة؟! قالَها ترامب مدويةً، ونَفَّذَ كلَّ ما قاله، ونقلَ سفارتَهُ إلى القدس التي تمثِّلُ لنا الكثيرَ والكثير، وبرغم أنفِ العربِ جميعًا قامَ بكلِّ ما يريد! منذ متى وأمريكا تحذر العرب، وتعمل لهم حسابا؟! فعلوا الكثير والكثير بالقدس وأهل فلسطين، ولم يصدهم أحد، أو يمنعهم من ذلك الفساد والفُجرِ مَانعٌ.. فلماذا يحذروننا؟! قامُوا بقتلِ إخوانِنا وَسَكَتْنَا.. ألبسُونا ثيابَ العارِ وما اعترضْنَا بل اعترَفْنا بأنَّهَا تُنَاسِبُ قاماتنا.. نعم؛ فقاماتنا نختزنُها في أصواتِنَا الصارخةِ في ظلماتِ الليلِ، ليسَ لنا مقامٌ سوى في علوِّ أصواتِنَا وحسب، نحن العرب نندهشُ ثم نتأثرُ بقتلِ إخوانِنَا ثمَّ ندعو على هؤلاء القتلةِ والسفاحين.. وانتهى الموضوع. هذا حالُ الشعوبِ العربيةِ، أمَّا عن حالِ رؤسائِنَا، فلا يزيدون عنَّا إلا بتصريحِهم المُعتَاد: "أنَّ هذه القرارات تقفُ حائلا دون عمليةِ السلامِ الفلسطيني الإسرائيلي"! منذ متى والقاتل والمقتول يتفقان؟! منذ متى والمغتصب يرفق بفريستِه؟! هل عرفتم قَتَلةً قبل ذلك أو مغتصبين وقفوا بجانب أصحاب الحقِّ؟! هل رأيتم يومًا ما ثعلبًا تنازَلَ عن فريستِهِ خاصة وهي في فرصةٍ ثمينةٍ كهذه؛ فقد تركَها إخوانها الخرافُ وضلوا الطريق! أيُّها الحُكَّام لستم إلا وجوه الخزي والعار والخذلان والتهاون في حقِّ كلِّ غالٍ لديكم.. لستم إلا مجرد نفوس ضعيفة تلهث على كراسيها، وتخشى حتى من أصواتِ أنفاسِها أنْ تضايقَ سيدتها أمريكا!! تبًّا لكم ياحُكَّامنا.. أضَعْتُم كرامَتَنا وعزَّتنا التي ضحَّى مِنْ أجلِها كثيرون، وبِعْتُم شرَفَنا بأبخسِ الأثْمَانِ. ماذا فعلتم بعد قرار ترامب؟! تحدَّثتم بلغتِكم المعهودةِ لغةِ الاعتراضِ التي يصاحبها الخجلُ الشديدُ.. لغة مَنْ لا يعتبرُ أرضَ فلسطين وقدسها ممثلةً له أي شيء، تحدثم باللغةِ التي يهواها أعداؤُكم"لغة الانكسار"! أين شهامتكم وعزَّتكم؟! أينَ رجولتكم التي تدَّعونها في وجهِ الظلمِ أمْ أنَّ قوتكم لا تظهرُ إلا على ضعفاءِ بلادِكم وحسب؟! اخرجُوا عن النصِّ ولو مرة واحدة.. اذبحُوا الروتين المريضَ الجبانَ الذي يتملككم، اعترفُوا أنَّكم عربٌ وتلك الأرض قطعة منكم، أبيدوا تطاولَهم علينا بقوةِ شعوبِكم.. كل ما صدر منكم الدعوة إلى اجتماع طارئ بعدَ الحدثِ بأكثر من يومين. وانتظرتُ بفارغِ الصبرِ هذا الاجتماع الطارئ لعلَّني أسمعُ وأرى ما يُشفي غليلي مِن تجمُّعِ كلِّ الدولِ العربيةِ ككتلةٍ واحدةٍ في وجهِ العدو الصهيوني والإسرائيليين الذين يفعلون كلَّ ما يحلو لهم بإخوانِنا العربِ الفلسطينيين.. انتظرتُ أنْ أرى رجالا يثأرون لأنفسِهم وكرامتِهم؛ ولكنَّي ما رأيتُ إلا مجرد مناقشة لم تكُن على قدرِ الموقفِ والمسئوليةِ!! لم أرَ قرارًا سوى الشجب والاعتراض.. عفوًا أعزائي العرب؛ لقد قبلتُم المهانةَ والذل، ورضيتم بالعار.. وفي النهاية سكتم واستسلتم للأمر .. ماذا جرى بعد قرار ترامب وبعد اجتماعكم الطارئ سوى أنْ تحدَّثَ ممثلُ كلِّ دولةٍ بما يتمنَّى أنْ يقولَ ويفصح عمَّا في ضميرِهِ، كانَ من الممكن أن يكونَ هذا الاجتماعُ لمجموعةٍ من العربِ عامة، كانَ من الممكنِ أن يكونَ مجرد اجتماع لمجموعةِ ممثلين يستعرضون مشاعرَهم البسيطةَ، ولكن أين الموقف المحترم الذي اتخذه العرب تجاه القدس وإخواننا الفلسطينيين؟! لن تجد عروبة ولا مقدسات ولا غيرها، لن تجد سوى الصمت والحسرة والحزن على بعض الناس الذين لا يزال بقلوبهم نوع من الوفاء والضمير لمشاعرهم المحترمة، أما الكثيرون غيرهم فلم يحملوا في قلوبهم إلا كل سخرية واستهزاء لتلك المشاعر، لم يكلفوا أنفسهم عناء البكاء من أجل أطفال يموتون يوما بعد يوم، لم يتحملوا حتى عناء الدعاء لهؤلاء الذين يقتلون بفعل استقواء هؤلاء الذين لم يجدوا من يقف أمامهم.. يارؤساء العرب .. كفاكم شعارات زائفة لا داعي لها، فأرض فلسطين الآن لا تحتاج إلا للأفعال الجادة، والمواقف القوية المحترمة الصادقة والتي تؤكد للعالم كله أنَّنا لا نزال إخوةً بصدق.. ليس أمامكم الآن إلا أحد أمرين؛ إمَّا أنْ تكونوا على قدر كلامكم إنْ كان لكم كلام مهم بالفعل، أو تصمتوا وتنعموا بعاركم الذي وضعتم أنفسكم ووضعتم شعوبكم فيه. ** أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي وعلى صفحتي على الفيس بوك بنفس العنوان : [email protected]