بعد ماتمّ ذكره من نتيجة البحث والتّحرى لعدة أحاديثٍ موضوعة ومكذوبة على رسول "ص" في فضل يوم عاشوراء وأنّ اللّه فضّله على سائر الأيام !! ولقد ذكرت الأسباب السياسية والحقبة الزمنية التي ابتدعت وزّورت هذه الأحاديث المفترية على رسول اللّه " ص" في الحلقة الأولى فحبذا أن يطّلع القارئُ الكريم على الحلقة الأولى للضرورة التّسلسلية للبحث .. وسأورد اليوم بقية الأحاديث المدسوسة والمفترية في فضل يوم عاشوراء ومن ثمّ سأعرج على نتيجة البحث والتّقصي بالأدلة القاطعة على تزوير تلك الأحاديث : 1-(( عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحيى ليلة عاشوراء فكأنما عبدالله تعالى بمثل عبادة أهل السموات، ومن صلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وخمسة مرة قل هو الله أحد، غفر الله له ذنوب خمسين عاما ماض، وخمسين عاما مستقبل، وبنى له في المثل الاعلى ألف ألف منبر من نور ". قال ابن الجوزي :هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أدخل على بعض المتأخرين من أهل الغفلة، على أن عبدالرحمن بن أبى الزناد مجروح. قال أحمد: هو مضطرب الحديث، وقال يحيى: لا يحتج به. انتهى 2- ثم ساق ابن الجوزي رواية اخرى بسنده :عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي عشر مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، والمعوذتين خمس مرات، فإذا سلم استغفر سبعين مرة، أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء فيها بيت من زمردة خضراء، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وفى ذلك البيت سرير من نور، قوائم السرير من العنبر الاشهب، على ذلك السرير ألفا فراش من الزعفران ". ثم قال عقب إيراده لهذا الحديث :هذا حديث موضوع.وكلمات الرسول عليه السلام منزهة عن مثل هذا التخليط.والرواة مجاهيل.والمتهم به الحسين. انتهى 3-قلت : يقصد الحسين بن إبراهيم و هو شيخ شيخ ابن الجوزي إبراهيم بن محمد الطيبى و من الأحاديث الواهية كذلك ما أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 144/2 و 163/1 ) من طريق أبي يعلى و غيره عن سلام الطويل عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء " . وهذا الحديث تعاقب فيه ثلاثة ضعفاء : سلام الطويل و زيد العمي و يزيد الرقاشي . قال الحافظ ابن عدي في الكامل في ترجمة زيد العمي :" و لعل البلاء فيه من سلام أو منهما جميعا ، فإنهما ضعيفان " . وقال في ترجمة سلام الطويل " عامة ما يرويه لا يتابعه أحد عليه " 4- و في فيض القدير للمناوي :" قال ابن القطان : فيه ضعيفان ، و قال الهيثمي : فيه يزيد الرقاشي و فيه كلامكثير " . قال الألباني رحمه الله : و معنى هذا الحديث ثابت في " الصحيحين " أنه من كلام اليهود ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :" قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم " . زاد مسلم : " و غرق فرعون و قومه " . الحديث و فيه قوله : " فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه ، و أمر بصيامه " . 5- عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل افترض على بنى إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم، فصوموه ووسعوا على أهليكم فيه، فإنه من وسع على أهله من ماله يوم عاشوراء وسع عليه سائر سنته، فصوموه فإنه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذى رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذى نجى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذى أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذى أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذى أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذى رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذى كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذى أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذى فلق الله فيه البحر لبنى إسرائيل، وهو اليوم الذى غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفى هذا اليوم عبر موسى البحر، وفى هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس، فمن صام هذا اليوم كانت له كفارة أربعين سنة، وأول يوم خلق الله من الدنيا يوم عاشوراء، وأول مطر نزل من السماء يوم عاشوراء، وأول رحمة نزلت يوم عاشوراء، فمن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله، وهو صوم الانبياء، ومن أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبدالله تعالى مثل عبادة أهل السموات السبع، ومن صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة قل هو الله أحد غفر الله خمسين عاما ماض وخمسين عاما مستقبل وبنى له في الملا الاعلى ألف ألف منبر من نور، ومن سقى شربة من ماء فكأنما لم يعص الله طرفة عين، ومن أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء، مر على الصراط كالبرق الخاطف. ومن تصدق بصدقة يوم عاشوراء فكأنما لم يرد سائلا قط، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضا إلا مرض الموت، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينيه تلك السنة كلها، ومن أمر يده على رأس يتيم فكأنما بر يتامى ولد آدم كلهم، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة ألف ملك، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب ألف حاج ومعتمر، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب ألف شهيد، ومن صام يوم عاشوراء كتب له أجر سبع سموات وفين خلق الله السموات و الارضين والجبال والبحار، وخلق العرش يوم عاشوراء، وخلق القلم يوم عاشوراء، وخلق اللوج يوم عاشوراء، وخلق جبريل يوم عاشوراء، ورفع عيسى يوم عاشوراء، وأعطى سليمان الملك يوم عاشوراء، ويوم القيامة يوم عاشوراء، ومن عاد مريضا يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى ولد آدم كلهم ". رواه بن الجوزي في كتاب الموضوعات و قال عقب إيراده له :هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحيى وأتى فيه المستحيل وهو قوله: وأول يوم خلق الله يوم عاشوراء، وهذا تغفيل من واضعه لانه إنما يسمى يوم عاشوراء إذا سبقه تسعة. انتهى 6 – عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب ألف حاج ومعتمر، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف شهيد، ومن صام يوم عاشوراء كتب الله له أجر سبع سموات، ومن أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد، ومن أشبع جائعا في يوم عاشوراء فكأنما أطعم جميع فقراء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأشبع بطونهم ومن مسح على رأس يتيم رفعت له بكل شعرة على رأسه في الجنة درجة، قال فقال عمر يا رسول الله لقد فضلنا الله عزوجل بيوم عاشوراء ؟ قال: نعم خلق الله عز وجل يوم عاشوراء والارض كمثله، وخلق الجبال يوم عاشوراء والنجوم كمثله وخلق القلم يوم عاشوراء واللوح كمثله، وخلق جبريل يوم عاشوراء وملائكته يوم عاشوراء، وخلق آدم يوم عاشوراء وولد إبراهيم يوم عاشوراء، ونجاه الله من النار يوم عاشوراء، وفداه الله يوم عاشوراء، وغرق فرعون يوم عاشوراء ورفع إدريس يوم عاشوراء، وولد في يوم عاشوراء، وتاب الله على آدم في يوم عاشوراء، وغفر ذنب داود في يوم عاشوراء، وأعطى الله الملك لسليمان يوم عاشوراء، وولد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، واستوى الرب عز وجل على العرش يوم عاشوراء، ويوم القيامة يوم عاشوراء ". هذا الحديث موضوع :ففي إسناده حبيب بن أبى حبيب و هو معروف بالكذب بل قال فيه الإمام أحمد رحمه الله :كان حبيب بن أبى حبيب يكذب. وقال ابن عدى: كان يضع الحديث. وقال أبو حاتم أبو حبان: هذا حديث باطل لا أصل له.قال وكان حبيب من أهل مرو يضع الحديث على الثقاة لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل القدح فيه. وقال بن الجوزي بعد ذكره لهذا الحديث هذا حديث موضوع بلا شك. 7- عن أبي سعيد مرفوعا: " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ". رواه الطبراني في الأوسط قال الحافظ ابن حجر في أماليه : الجعفري ضعفه أبو حاتم وشيخه ضعفه أبو زرعة ورواه بن الجوزي بسنده عن بن مسعود مرفوعا و هو حديث ضعيف كذلك لأن في إسناده هيضم بن شداخ قال العقيلي :مجهول والحديث غير محفوظ وقال الحافظ ابن حجر في أماليه اتفقوا على ضعف الهيضم ورواه بن عدي بإسناده مرفوعا من حديث أبي هريرة لكن فيه سليمان بن أبي عبد الله راويه عن أبي هريرة وهو مجهول . قال العقيلي سليمان مجهول والحديث غير محفوظ .انتهى كلامه )) إنتهى وكما يرى القارئ الكريم أنّ تلك الأحاديث أنكرها ورفضها عدّةٌ من كبار العلماء كالإمام أحمد والحافظ ابن حجر وابن الجوزي وأبو حاتم وابن عدي والألباني والهيثمي وابن القطان وغيرهم وقالوا بعدم صدقها وللأسف مازال الكثيرون من الخطباء يروجونها دون التأكد من صحتها ممّا سيتسبب في اعتلالٍ عقائديٍ خطيرٍ على الأمّة الإسلامية ويُساعد في تفككها . المنابر عندنا تحتاج لمحاضرٍ باحثٍ دينيٍ واعٍ .. وليس لناقل رواياتٍ يكررها أينما كان . نتيجة البحث والتّقصي بالدّليل القاطع على تزوير تلك الأحاديث : أوّلّا : وكما قالوا بأنّ رسول اللّه وصل المدينة فوجد اليهود تصوم يوم عاشوراء من المحرم فحّثّ على صيامه وللرّدّ على هذا تأتي نتيجة البحث والدراسة بالآتي : 1 / خرج رسول اللّه " ص" من الغار في الأول من ربيع الأول فكان وصول رسول اللّه إلى المدينة في الثاني عشر من ربيع الأول وليس في محرم . 2 / على إفتراض أنه خرج من مكّة في أوّل يومٍ من المحرم سيصل للمدينة في الخامس عشر منه .. حيث أنّ رسول اللّه " ص" ظلّ في الغار ثلاثة أيّام ٍ ! .. فكيف وصل في العاشر من شهر مُحرّم !! ورأى اليهود تصومه احتفالًا بنجاة النّبي موسى عليه السلام رغم أنّ الرحلة تستغرق إثني عشرة يوما ! . 3/ للإسلام الحنيف شريعته المسقلة في المنهج والسّنة النبوية الشريفة .. وإن توحدت جميع الرّسالات في توحيد اللّه .. ويُعتبر تقليد سنّة اليهود اتباعًا من النّبي " ص" لهم والعكس هو المطلوب في اتباعه وتصديقه . 4/ اليوم الذي تصومه اليهود تمجيدًا واحتفالًا بنجاة النّبي موسى عليه السّلام وقومه من فرعون وإهلاك فرعون وقومه هو يوم الطوفان وتسميه اليهود بيوم الغفران وهو أحد أعيادهم العظيمة وهو عيد الفصح اليهودي يصومونه ويعيّدون فيه فهل يأمر رسول اللّه بصوم عيد الفصح اليهودي والإحتفال فيه ! . 5- التقويم العبري لليهود يختلف عن التقويم العربي أيّام الجاهلية وهو الأقدم واليهود تعتدُّ بتقويمهم العبري للأحداث والأعياد الدّينية عندهم ولا تعتدّ بسواه.. وهنا أبرز برهانٍ على دجل تلك الأحاديث المزعومة والمكذوبة على رسول اللّه " ص " في فضل يوم العاشر من شهر محرم . 6- لو كانت اليهود تعتد بالأشهر العربية لما فات اليهود الإحتفال بهذا اليوم العظيم عندهم في عاشوراء المحرم ! ويوم عيد كيپبور هذا هو يوم هاكيپبوريم أي عيد الغفران عندهم واسمه بالعبرية ( יוֹם כִּפּוּר أو יוֹם הַכִּפּוּרִים) هو اليوم العاشر من شهر "تشريه" الشهر الأول في التقويم العبري اليهودي .. وهو يوم مقدّسٌ عند اليهود يصومونه ويتعبدون فيه ويوم كيبور هذا هو اليوم المتمم لأيام التوبة العشرة والتي تبدأ بيومي رأس السنة، أو كما يطلق عليه بالعبرية روش هاشناه، وحسب التراث اليهودي وكما نرى أنّ اسم عاشوراء يعني عشرة أيام التوبة والإستغفار وتُختتم في العاشر من شهر تشريه وفق التقويم العبري اليهودي . 7- تصوم اليهود عيد الغفران هذا في العاشر من " شهر تشريه " عندهم وفق تقويمهم العبري المعتمد لديهم وليس في عاشوراء محرّم من الأشهر العربية والباحث حول الحسابات الزّمنية للسّنوات والتّقويم يجد بأنّه لا يمكن أن يوافق العاشر من شهر تشريه العبري العاشر من محرّم سنويا . 8/ لم يتوافق التأريخان العاشر من تشريه العبري والعاشر من محرّم العربي إلاّ في السّنة 27 من الهجرة النبوية الشريفة أي بعد وفاة النّبي " ص " ب 18 سنة .. فكيف زعموا أنّه في مُحرّم . وهذه الحسابات التقويمية لهي الدّليل الأقوى على بطلان تلك الأحاديث المزعومةو المكذوبة على رسول اللّه " ص " وبه أختتم خلاصة هذا البحث وأسالُ اللّه تعالى لنا جميعًا نور البصر والبصيرة .