وزير الإسكان ومحافظ أسيوط يتفقدان مشروع الصرف بمحطة معالجة مركز أبوتيج    جهاز تنمية المشروعات يضخ 2.1 مليار جنيه بالإسكندرية خلال 11 عام    الرئيس السيسى يوجه الدعوة للمستشار الألماني لإجراء زيارة رسمية إلى مصر    محافظ كفر الشيخ يهنئ أبطال المحافظة لفوز منتخب مصر على الهند في البارالمبية بأمريكا    تعديل على طاقم حكام مباراة الزمالك وديكيداها فى الكونفدرالية    26 أكتوبر أولى جلسات محاكمة التيك توكر قمر الوكالة بتهمة بث فيديوهات خادشة    مصطفى كامل: واجهت فسادا داخل نقابة الموسيقيين وسأظل أدافع عن حقوق الأعضاء    المجلس الإعلامي الأوروبي يدين مقتل الصحفيين في غزة    بعد طرده خلال كلمة ترامب.. أبرز المعلومات عن النائب العربي بالكنيست أيمن عودة    قمة شرم الشيخ.. الآثار الإيجابية المحتملة على الاقتصاد المصري بعد اتفاق وقف الحرب في غزة    بالصور.. تطوير شامل بمنطقتي "السلام الجديد والتصنيع" في بورسعيد    رونالدو أحدهم.. مبابي يكشف لأول مرة أسباب رفضه ريال مدريد في الصغر    حسن الدفراوي: منافسات المياه المفتوحة في بطولك العالم صعبة    محافظ الشرقية: العمل والكفاح مهم لتأمين "حياة كريمة" للمواطن وعائلته    رئيس جامعة بني سويف التكنولوجية يستقبل وفد المعهد الكوري للاقتصاد الصناعي والتجارة    طارق الشناوي عن عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة: «دليل على انحياز الرقيب الجديد لحرية التعبير»    آداب القاهرة تحتفل بمرور 100 عام على تأسيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي للطبيبات    إحالة العاملين المتغيبين في مركز الرعاية الأولية بالعريش للتحقيق بعد زيارة مفاجئة    فحص 1256 مواطنًا وإحالة 10 مرضى لاستكمال العلاج ضمن القافلة الطبية بكفر الشيخ    وزير الري: مصر كانت وما زالت منبرًا للتعاون والعمل العربي والإسلامي المشترك    ترامب: السلام لا يتحقق إلا بالقوة.. وإسرائيل اختبرت أسلحتنا    المشدد 15 سنة وغرامة 100 ألف جنيه لمتهم بالاتجار فى المواد المخدرة بسوهاج    ضبط صانع محتوى في الإسكندرية نشر فيديوهات بألفاظ خادشة لتحقيق أرباح    5 سيارات إطفاء للسيطرة علي حريق مصنع قطن بالقليوبية    حسام زكى: نهاية الحرب على غزة تلوح فى الأفق واتفاق شرم الشيخ خطوة حاسمة للسلام    موهوبون ومحبوبون ولديهم مهارات تفاوض.. ترامب يتغنى ب جاريد كوشنر وستيف ويتكوف    نتنياهو أمام الكنيست: ترامب أعظم صديق عرفته دولة إسرائيل في البيت الأبيض    ضوابط جديدة من المهن الموسيقية لمطربي المهرجانات، وعقوبات صارمة ل2 من المطربين الشعبيين    ترامب: ويتكوف شخص عظيم الكل يحبه وهو مفاوض جيد جلب السلام للشرق الأوسط    دار الإفتاء توضح حكم التدخين بعد الوضوء وهل يبطل الصلاة؟    محافظ الوادي الجديد يشارك فى مؤتمر الابتكار العالمى للأغذية الزراعية بالصين    جامعة بنها تتلقى 4705 شكوى خلال 9 أشهر    جامعة عين شمس تستقبل وفدا من أبوجا النيجيرية لبحث التعاون    «المالية»: فرص اقتصادية متميزة للاستثمار السياحي بأسيوط    تموين الفيوم تلاحق المخالفين وتضبط عشرات القضايا التموينية.. صور    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    فحص 1256 مواطنا وإحالة 10 مرضى لاستكمال الفحوصات بقافلة طبية فى مطوبس    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 13 أكتوبر والقنوات الناقلة    مصطفى شوبير: لا خلاف مع الشناوي.. ومباريات التصفيات ليست سهلة كما يظن البعض    عفت السادات: مصر تستقبل زعماء العالم لإرسال رسالة سلام من أرضها للعالم    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    10 آلاف سائح و20 مليون دولار.. حفل Anyma أمام الأهرامات ينعش السياحة المصرية    إليسا تشارك وائل كفوري إحياء حفل غنائي في موسم الرياض أكتوبر الجاري    جامعة عين شمس تفتح باب الترشح لجوائزها السنوية لعام 2025    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    بالفيديو.. الأرصاد: فصل الخريف بدأ رسميا والأجواء مازالت حارة    لحضور أولى جلسات الاستئناف.. وصول أسرة المتهم الثاني في قضية الدارك ويب لمحكمة جنايات شبرا    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    تحرك عاجل من نقابة المعلمين بعد واقعة تعدي ولي أمر على مدرسين في أسيوط    تصفيات كأس العالم – بوركينا فاسو تنتصر وتنتظر نتائج المنافسين لحسم مقعد الملحق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاسترو..تاريخ حافل بالنضال!
نشر في الزمان المصري يوم 28 - 11 - 2016


وكالات: ناصر البدراوى
"بإمكانك إدانتي. ليس لهذا أهمية على الإطلاق، فالتاريخ سينصفني ويغفر لي".
هكذا ردد فيدل كاسترو عام 1953 عندما كان يدافع عن نفسه في محاكمة بتهمة شنه هجوم شبه انتحاري على أحد حواجز مونكادا العسكرية في سانتياغو دي كوبا، كان يعرف أن التاريخ سيخلده، سواء اتفقت أو اختلفت معه فهو رئيس يتمتع بكاريزما طاغية وصفه البعض بالطاغية، لكن شعب أحبه وخلّده.
تمرد منذ الصغر
وُلد ثرياولد فيدل كاسترو عام 1926 لعائلة ثرية، لكنه تمرد منذ صغره على حالة الترف التي كان يعيشها بعد ما صُدم بالتناقض الكبير بين رغد الحياة في أحضان عائلته وبين شظف العيش والفقر في مجتمعه.
في عام 1953 حمل كاسترو السلاح ضد الرئيس فالغنسيو باتيستا على رأس مجموعة مكوَّنة من حوالي 100 من أتباعه. إلا أن محاولته أُحبطت، وسجن مع شقيقه راؤول.
وبعد عامين صدر عفو عن كاسترو الذي شكل قوة مقاتلة عرفت بحركة 26 يوليو وواصل حملته لإنهاء حكم باتيستا من المنفى في المكسيك.
وقد اجتذبت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا واسعا في كوبا، وتمكنت قواته في عام 1959 من الإطاحة بنظام باتيستا الذي أصبح يرمز إلى "الفساد والتعفن وعدم المساواة"، كان يقول دوماً: "ليست الثورة طريقا مفروشا بالورود، بل هي صراع بين المستقبل والماضي".
بعد إطاحته بنظام باتيستا وتسلمه سدة الحكم في البلاد، سرعان ما حوَّل كاسترو كوبا إلى النظام الشيوعي لتصبح أول بلد تعتنق الشيوعية في العالم الغربي.
يقول كاسترو في مذكراته إنه بعد اندحار جيش باتيستا في معركة لاس مرسيدس التي دارت رحاها في الاسبوع الاول من شهر اغسطس 1958 "حسم مصير الطغيان، إذ اصبح انهياره العسكري الكامل قاب قوسين او ادنى."
ويقول الرئيس الكوبي السابق إن جيش الثوار تكبد 31 قتيلا في تلك المعركة، بينما قتل من جيش باتيستا 300 جنديا اضافة الى مئات الاسرى، كما غنم الثوار كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات.
ويضيف بأن هذا الانتصار مكن جيش الثوار من شن هجومه النهائي الحاسم. وفعلا عمت المعارك كافة ارجاء البلاد، وتمكن جيش كاسترو من الاستيلاء على العاصمة هافانا في الاول من يناير 1959.
اما باتيستا، فقد فر من كوبا في ذلك اليوم.
ويحتوي الجزء الاول من مذكرات كاسترو صورا وخرائط وخطط الحرب التي خاضها الثوار ضد قوات الديكتاتور الكوبي فولجنسيو باتيستا، كما يحتوي سردا مفصلا للهجوم الاخير الذي يقول كاسترو إنه دام 74 يوما.
كاسترو وجيفارا
رافق فيدل كاسترو القائد الثوري الارجنتيني ارنستو تشي جيفارا، حيث كشفت أرملة ارنستو "تشي" جيفارا في مذكراتها بعنوان "الرفيق إرنستو تشي جيفارا" التي تسرد أكثر من نصف قرن على الحقيقة، الكفاح المسلح الذي خاضه زوجها الراحل برفقة فيدل كاسترو في المرحلة ما بين 1959 إلى 1965 من سلسلة جبال سييرا مايسترا إلى افريقيا.
وقالت أليدا مارش التي أصدرت المذكرات في العام 2008 حينها كانت تبلغ 71 عاما إنها "مدينة لزوجها الراحل والرئيس الكوبي فيدل كاسترو بكل شيء".
وكان اللقاء الأول بين كاسترو وجيفارا في المكسيك، ولاقت أفكار كاسترو الإعجاب الشديد من جانب جيفار، الذي وجد فيها تطابقا كبيرا مع أفكاره، وبالفعل انضم جيفارا إلى قوات كاسترو، الذي أعلن تشكيل حركة 26 يوليو في 1955.
كاسترو لم ينس مساندة جيفارا له خلال رحلة نضاله، فبعد تنصيبه رئيسا للبلاد، كرم صديقه ومنحه الجنسية الكوبية، وأعطاه رتبة "ميجور"، ثم عينه سفيرا متجولا وممثل لشخصه، للترويج للثورة الكوبية في العالم، وكسب تأييد عالميا لها، وتحرك خلال ذلك جيفارا في جولة التقى فيها بالرئيس جمال عبد الناصر في مصر، ونهرو في الهند، وتيتو في يوغوسلافيا، وسوكارنو في إندونيسيا.
وفي رواية طرحها الكاتب الصحفي الكوبي ألبرتو مولر في كتابه "بلا اتصال مع مانيلا"، أكد خلالها أن كاسترو خان رفيقه في الكفاح جيفارا، بعدما أرسله إلى بوليفيا لتكون نقطة انطلاق لحرب ثورية مناهضة للتوسع الأمريكي، ولكن أمريكا بمجرد علمها بوصوله إلى هناك، أرسلت فريقا من «سي آي إيه»، لتساعد قوات الجيش في القضاء على مجموعة جيفار، وبالفعل هاجم 1500 من قوات بوليفيا مجموعة جيفارا التي لم تتعد 15 فردا، في أحد الوديان الضيقة، وبرغم ذلك استمر القتال لمدة 6 ساعات كاملة، دون تدخل من كاسترو، الذي ترك صديقه يواجه الموت منفردا.
صدامات دولية
لم تكد الولايات المتحدة تعترف بالحكومة الكوبية الجديدة حتى بدأت العلاقات بين واشنطن وهافانا بالتدهور، لاسيما عندما قام كاسترو بتأميم الشركات الأمريكية العاملة في كوبا.
وفي أبريل عام 1961 حاولت الولايات المتحدة إسقاط الحكومة الكوبية من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح جزيرة كوبا. إلا أن القوات الكوبية المتمركزة في خليج الخنازير تمكنت من صد المهاجمين وقتلت العديد منهم واعتقلت حوالي ألف شخص آخر.
وهكذا أصبح كاسترو العدو الأول بالنسبة للولايات المتحدة، مما حدا بحليفه الاتحاد السوفياتي حينذاك بأن يقرر نشر صواريخ بالستية في الجزيرة الكوبية
لردع أي محاولة أمريكية لغزوها، وذلك وفقا لمذكرات الزعيم السوفياتي حينذاك نيكيتا خروشوف.
وبعد ذلك بعام واحد، بدأت أزمة الصواريخ السوفياتية الشهيرة التي كادت أن تجر العالم إلى حرب كونية ثالثة. وفي أكتوبر عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية بالفعل منصات الصواريخ السوفياتية في كوبا، مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر.
إلا أن الأزمة لم تطل كثيرا، فقد توصلت موسكو وواشنطن إلى تسوية أزال الاتحاد السوفياتي بموجبها صواريخه من كوبا مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا، والتخلص من الصواريخ الأمريكية في تركيا.
فيدل كاسترو يتقدم رفاقه خلال رحلة صيد برومانيا
وقد أربك تحالف كاسترو مع خروشوف الولايات المتحدة التي قطعت هافانا علاقاتها الدبلوماسية معها عام 1961 بعد عملية خليج الخنازير الفاشلة، كما أمم عددا من الشركات الأمريكية التي بلغ مجموع أرصدتها ما يقرب من مليار دولار في ذلك الوقت.
وفي التاسع عشر من شهر فبراير2008 استقال فيدل كاسترو من منصبي رئاسة الدولة والقيادة العامة للقوات المسلحة الكوبية، وأعلن عن خطوته تلك ذلك في رسالة نشرتها صحيفة غرانما الرسمية في موقعها على الإنترنت.
وقال كاستروا في رسالته تلك: "سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة والتفرغ والتفاني بشكل كامل، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء".
ورغم خلافة شقيقه راؤول له في رئاسة البلاد والقوات المسلحة وزعامة الحزب الشيوعي الحاكم، إلا أن فيدل كاسترو لم يغب عن الأخبار خلال السنوات الأخيرة، سواء بمقالاته التي دأب على نشرها أو بتعليقاته على التطورات المحلية والدولية.
وفي الخامس من شهر فبراير 2011 حضر فيدل كاسترو حفل توقيع مذكراته التي صدرت في كتاب من نحو 1000 صفحة، وتضمن محطات أساسية في حياته منذ الطفولة إلى تصدره الثورة الكوبية، والفترة الطويلة التي أمضاها في رئاسة البلاد وزعامة الحزب الحاكم، بالإضافة إلى فترة مرضه وما بعد تنحيه عن الحكم، ويُعرف كاسترو بين أفراد شعبه باسم "فيدل" أو "القائد".
تزوج عام 1948 من ميرتا دياز- بالارت، التي أنجبت له ابنه الأول فيديليتو، ثم تم الطلاق بينهما فيما بعد. وفي عام 1952 التقى كاسترو بناتي ريفلتا، التي كانت على ذمة طبيب، وأقامت معه علاقة وأنجبت له عام 1956 ابنة هي ألينا.
وفي عام 1957 التقى كاسترو بسيليا سانشيز التي قيل إنها رفيقة حياته الأساسية، وقد ظلت معه إلى أن توفيت عام 1980.
وفي ثمانينيات القرن الماضي تزوج كاسترو من داليا سوتو ديل فال التي أنجبت له 5 أبناء.
600 مؤامرة!
ذكرت عدة تقارير استخبارية أن الولايات المتحدة حاكت أكثر من 600 مؤامرة لاغتيال كاسترو الذي نجا منها جميعها ليظل في حكم بلاده طوال قرابة خمسة عقود تعاقب خلالها تسعة رؤساء على حكم الولايات المتحدة، بالإضافة إلى محاولات الكوبيين المعارضين في الخارج، أو "مافيا ميامي" كما اعتاد كاسترو أن يصفهم.
أول محاولة لاغتياله جرت حين لم يكن مر إلا عام و8 أشهر على حكم ثورته الشيوعية بكوبا، بحسب تقرير تسلمته في 1975 لجنة الأمن القومي بالكونجرس الأمريكي بعنوان "مخططات اغتيال استهدفت زعماء أجانب" ونشر ملخصه صحفيان أمريكيان في كتاب شهير اسمه "أهم 50 مؤامرة اغتيال بتاريخ أمريكا" وفيه أن قسم "الخدمات الطبية" في CIA أرسل عميلاً تسلل في 1960 إلى جناح كاسترو في فندق بنيويورك، حين زارها ذلك العام، وقام "بتفخيخ" لفائف سيجار حملها معه الزعيم الكوبي، ثم راح ينتظر في ردهة الفندق، حالماً بسماع صوت الانفجار الموعود.
انتظر العميل الاستخباراتي أكثر من ساعتين، ولا شيء حدث، إلى أن اكتشف بأن المحاولة باءت بالفشل، لأن كاسترو قدم العلبة هدية لأحدهم زاره، فيما راح يدخن مع ضيفه لفائف من علبة ثانية كانت لديه. وتم إنقاذ الدبلوماسي.
ثم جرت عملية ثانية في منتصف الستينات، بحشو لفائف سيجار بمواد متفجرة في مشغل تم إنتاجها فيه قرب العاصمة الكوبية هافانا، وملخص تفاصيلها أن المخابرات الكوبية اكتشفت المحاولة بعد أقل من ساعة.
وحاولوا مرة "حشو" حذاء كاسترو بملوحات مادة كيميائية يسمونها Thallium المسببة بتساقط سريع للشعر عند انتشارها من القدمين إلى بقية الأعضاء، لتسخيفه أيضا أمام المسؤولين الكوبيين بشكل، وتعطيل عمله، بعد أن يسقط شعر جفنيه وحاجبيه ولحيته ورأسه بشكل سريع، بحيث لا يعود للنمو إلا بعد وقت طويل، وباءت هذه المحاولة أيضاً بفشل مجهول الأسباب منذ حدوثها في 1964 للآن.
بعدها بعامين، علموا أن كاسترو بدأ يمارس هواية الغطس، فأعدوا سترة تنفجر عبوة فيها عند الغطس بها إلى عمق مترين، ليقوم قنصل أجنبي، كان سيزوره بمكتبه في "قصر الشعب" بهافانا، بتقديمها هدية لمناسبة عيد ميلاده الأربعين. إلا أن قدم كاسترو انزلقت قبل ساعة من اللقاء، فألغى مواعيده مع كثيرين ذلك اليوم، ومنهم هذا الدبلوماسي.
وفي كتاب "محارب في الظل" ذكر عميل للاستخبارات الأميركية، اسمه فيليكس رودريغز، في مذكراته بسبعينات القرن الماضي في نيويورك، أنه حاول اغتيال كاسترو مراراً، ولم يفلح.
وفي إحدى المرات دعته لجنة الأمن القومي بالكونجرس الأميركي، مع زملاء له في الاستخبارات إلى جلسة، سأله أحدهم خلالها عما إذا هو من "فخخ" لفائف سيجار لكاسترو قبل أعوام، فأجاب رودريغز: "لا يا أيها السيد، لم أكن أنا فعلا. إنما حاولت بدءا من 1961 وطوال 10 سنوات تصفية من تدعوه كاسترو، ببندقية مزودة بمنظار، ولم أفلح 6 مرات. ثم فخخت حذاءه بالمتفجرات، ولم أفلح أيضا" كما قال.
ثورة فكرية
على مدار 50 عاما، ظل فيدل كاسترو شوكة في حلق الولايات المتحدة، حتى صورته واشنطن وحلفاؤها "شيطانا"، لكنه استطاع كسب قلوب فقراء كوبا، بعد أن جعل التعليم والعلاج في متناولهم، مما مهد له الطريق لشعبية غير مسبوقة امتدت إلى دول أخرى.
كما اشتهر بخطاباته الطويلة المفعمة بالوعيد، والخطابة النارية التي توجه سهامها في الغالب إلى الولايات المتحدة، ومعظم الكوبيين المنفيين في ميامي الأميركية المواجهة لكوبا، والفارين من حكمه، كانوا يرونه "طاغية ظالما".
كانت خطبه طويلة تمتد إلى الفجر، مما دعاه أن يقول بعد ذلك: "وصلت لاستنتاج؛ ربما متأخر قليلا، وهو أن الخُطَب يجب أن تكون قصيرة".
حكم كاسترو لأطول فترة في العالم ولم يضارعه أو يتفوق عليه إلا الملكة إليزابيث الثانية، وقد سلطت الأضواء عليه حيث ظل يلقي خطابه إلى الفجر قبل أن يطلق مجموعة من حمائم السلام البيضاء ليعلن عن مرحلة جديدة في كوبا، وعندما جثمت واحدة منها على كتفه فقد صاحت الجماهير: "فيدل.. فيدل". وكانت بالنسبة للكوبيين إشارة بأن كاسترو سيكون منقذهم.
واشتهر الزعيم الكوبي السابق بارتداء الزي العسكري وتدخين السيجار لسنوات طويلة من وجوده في السلطة.
حققت الثورة الكوبية إنجازات مهمة على الصعيد الاجتماعي ، فقد عمدت إلى مكافحة الأمية وقامت بإنشاء مدارس وجامعات وفرضت إلزامية التعليم ، كذلك قامت بتقديم الخدمات الطبية ، ولم يعد هناك تمييز بين مختلف فئات الشعب ، وانتشرت حرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، كذلك قامت ببناء المساكن الشعبية ، وكانت الدولة تقدم هذه الخدمات كلها دون أي مقابل .
الثورة الكوبية منذ انطلاقتها كانت ثورة فكرية شملت كل الميادين، ثورة فيدل كاسترو اعتمدت على العلم و القلم، فبنت المدارس و شيدت الجامعات، وكونت الأساتذة و المعلمين و كونت الإطارات في كل التخصصات.
أقوال وآراء
كان دائما ما يصف نفسه في المقابلات الصحفية بأنه "دون كيشوت"، وقد اشتهر كاسترو بعدة أقوال منها:
لا يتحكم الناس في قدرهم، بل يقوم القدر بإنتاج من يصلحون للساعة، ويضيف: بدأت الثورة ب 82 رجلا. وإن قدر لي أن أقوم بها من جديد، سأقوم بها ب10 أو 15 رجلا وبإيمان مطلق. لايهم مدى حجم قوتك إن كنت تملك الإيمان وخطة عمل".
وفي لقاء عام 1959 مع إدوارد مورو من شبكة سي بي إس، بعد 30 يوما من الثورة، قال " لا أفكر في أن أحلق لحيتي، لأنني اعتدت عليها، وهي تعني أشياء كثيرة لبلادي. عندما نحقق وعودنا بحكومة جيدة، سأحلقها ساعتئذ".
وقال كاسترو في ديسمبر عام 1985 لدى إعلانه عن توقفه عن تدخين السيجار "توصلت إلى قرار منذ عهد بعيد أن آخر تضحية يجب أن أقوم بها للصحة العامة الكوبية هي أن أتوقف عن التدخين. وفي الواقع لم أفتقد السجائر كثيرا".
في عام 1985 سئل في مقابلة مع مجلة "بلاي بوي" كيف يرد على ريجان الذي يصفه بأنه ديكتاتورا عسكريا لا يرحم، فأجاب: "دعنا نفكر في السؤال. فأن تكون ديكتاتورا هذا يعني أنك تحكم بواسطة مراسيم، كما يفعل بابا الفاتيكان".
وعكس السؤال على ريجان بقوله: "سلطته تتضمن ما هو غير ديمقراطي بشكل مخيف من التآمر لإعلان حرب نووية مثلا، وهنا أسأل من هو الأكثر ديكتاتورية، رئيس الولايات المتحدة أم أنا؟!".
كاسترو وماركيز
يتذكر كاسترو علاقته بماركيز، ويكتب عنها في إحدى الصحف قائلا: تعاقدت الوكالة الاخبارية الكوبية التي كانت قد أنشأت في حينه باقتراح من تشي جيفارا , مع عدد من الصحفيين , كان من بينهم صحفي كولومبي ما يزال في أول الطريق هو غابرييل غارسيا ماركيز , ولم تكن لدى مسؤولي الوكالة أو لدى غابرييل نفسه أية فكرة عن جائزة نوبل , ولم يخطر في باله وهو أبن عامل التلغراف في المركز البريدي لقرية كولومبية صغيرة , ضائعة بين أحراش غابات الموز الشاسعة التي تديرها احدى شركات ( اليانكي ) , أن يحصل يوما على ما يساويها , ومع أن له حزمة من أشقائه , الا أن والده أن يحظى بامتياز الحصول على عمل , وبفضل ذلك ضمن لأبنائه قدرا من التعليم .
يقول كاسترو : " لقد خضت أنا تجربة معاكسة تماما فقد كان المركز البريدي ومفاتيح التلغراف وكذلك المدرسة العامة الصغيرة في قرية ( بيراين ) هي الاشياء الوحيدة في تلك القرية التي لم تكن مملوكة من قبل أبي".
وقد تطورت العلاقة بين كاسترو وماركيز عبر سنوات طويلة أجريا خلالها مئات المحادثات التي يصفها بأنها " كانت مهمة وشيقة ".
ويروي كاسترو حكاية تعرضه للاغتيال أثناء جولة بالعربات التي تجرها الخيول نظمت لضيوف القمة الايبرو-أميركية السادسة في مدينة كارتاغينا الكولومبية الأثرية والمحاطة بالأسوار ,والشبيهة بهافانا القديمة فيقول " أبلغني الرفاق مسؤولو الامن الكوبيون أنهم لا ينصحون بمشاركتي في جولة كهذه , ولكنني فكرت أن ذلك يعكس قلقا مبالغا فيه , اذ أنهم قد لا يكونون قد اطلعوا على طبيعة الاحتياطات الأمنية الدقبقة التي وضعها المضيفون , وقد كنت دائما أحترم وجهات نظر رجال الامن وحرفيتهم , ولذلك كنت دائما أتعاون معهم .
ناديت على ( الغابو ) الذي كان قريبا مني , وقلت له وأنا أمزح : " اركب معنا في هذه العربة حتى لا يفكر أحد باطلاق النار علينا ! " , والتفت الى مرسيدس التي كانت تجلس خلفنا لأقول لها بنفس النبرة " لعلك ستكونين الأرملة الأكثر شبابا ! " , ولا أعتقد أنها نسيت ذلك الى اليوم .
وحين انطلقت بنا الخيل وهي تكاد تعرج جراء حمولتها الثقيلة كانت حوافرها تتزحلق بين الأرصفة حيث بدأت الجولة .
وقد عرفت فيما بعد أنه حصل نفس الشيء الذي حدث معنا أثناء زيارتي لمدينة سانتياغو في تشيلي , حيث كانت الكاميرا التلفزيونية قد حملت بسلاح أوتوماتيكي وجه نحوي طيلة المؤتمر الصحفي الذي عقدته , لكن المرتزقة لم يمتلكوا الجرأة على الضغط على الزناد , وفي كارتاغينا كانت لديهم بنادق مزودة بعدسات مقربة , وكذلك أسلحة أوتوماتيكية أخفيت في مواضع لا تقع عليها العين , ومرة أخرى ارتجفت الأصابع المكلفة بالضغط على الزناد , ولم تتم العملية كما خطط لها , وكانت الحجة أن رأس ( الغابو )أعاق نظرهم الى الهدف المطلوب . "
يقول كاسترو " لقد كان لي قبل ذلك حكم غير منصف على هذا الرجل المثقف اذ تصورته ينطلق من احساس طاغ بالخيال والوهم , ولم أكن أدرك كم من الواقعية يكمن في عقله!".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.