رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    عاجل- الحكومة تقر التسجيل التلقائي لمستفيدي برامج الدعم ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    النيل للصناعات النسجية تواصل قفزاتها الإنتاجية والتصديرية في 2025 وتعلن خطط توسع واستثمارات جديدة في 2026    البورصة المصرية تربح 17.5 مليار جنيه بختام تعاملات الأحد 28 ديسمبر 2025    حسن شيخ محمود: خطوة إسرائيل بشأن «أرض الصومال» عدوان صريح على وحدة الدولة    عاجل- هزة أرضية عنيفة تهز تايوان وتؤدي لانقطاع الكهرباء دون خسائر بشرية    أمم إفريقيا – محمود عاشور حكما للفيديو لمباراة مالي وجزر القمر    طقس مضطرب وتحذيرات بحرية عاجلة.. الأرصاد تعلن تجاوز الأمواج 3 أمتار على سواحل المتوسط    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    بابا لعمرو دياب تضرب رقما قياسيا وتتخطى ال 200 مليون مشاهدة    بتكلفة 17 مليون جنيه.. محافظ المنيا يفتتح أعمال تطوير مدرسة "النور للمكفوفين"    أسقف نجع حمادي يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    وليد الركراكي: أشرف حكيمي مثل محمد صلاح لا أحد يمكنه الاستغناء عنهما    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارين بموسكو على الإغلاق لساعات    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد اللجان الامتحانية بالمعهد الفني للتمريض    مباشر أمم إفريقيا - الجابون (0)-(0) موزمبيق.. صاروخ مبكر    الزمالك يصل ملعب مباراته أمام بلدية المحلة    مواعيد وجدول مباريات اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    محمود حميدة: طارق النبراوي يفهم معنى العمل العربي المشترك وقادر على رسم المستقبل    محافظ أسوان يترجم شكاوى المواطنين إلى حلول فورية بتدخلات عاجلة    الداخلية تضبط شخص يوزع أموالا بمحيط لجان جرجا    وزارة الصحة: غلق مصحة غير مرخصة بالمريوطية وإحالة القائمين عليها للنيابة    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه فى البنوك المصرية الآن    وصول جثمان المخرج داود عبد السيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    رحيل أسطورة الشاشة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر 91 عامًا    الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية تحتفل بيوبيلها الفضي.. 25 عامًا من العطاء الثقافي وصون التراث    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حينما نزل الغيث ؟!    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    وصول جثمان المخرج داوود عبدالسيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    مي كساب تبدأ تصوير مسلسل «نون النسوة» استعدادًا لرمضان 2026    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر تجدد اتفاق تمويل مع بنك البركة بقيمة 90 مليون جنيه    محافظ الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    ولادة عسيرة للاستحقاقات الدستورية العراقية قبيل عقد أولى جلسات البرلمان الجديد    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الصحة: الشيخ زايد التخصصي يجري قساطر قلبية معقدة تتجاوز تكلفتها مليون جنيه على نفقة الدولة    وزير الصناعة يزور مقر سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي ويشهد توقيع عدد من الاتفاقيات    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    مد غزة ب7400 طن مساعدات و42 ألف بطانية ضمن قافلة زاد العزة ال103    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    العراق يتسلم 6 مروحيات "كاراكال" فرنسية لتعزيز الدفاع الجوي    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    إصابة شخصان إثر تصادم ميكروباص مع توك توك بقنا    شريف الشربيني يشارك في اجتماع لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ اليوم    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : بمناسبة وفاة شيمعون بيريس
نشر في الزمان المصري يوم 02 - 10 - 2016

هو مقالٌ قديمٌ بعنوان "شيمعون بيريس يطل برأسه"، أجددُه اليوم بمناسبة وفاته وغيابه عن الساحة السياسية الإسرائيلية والدولية التي كان فيهما فاعلاً نشطاً، سواء كان على رأس السلطة رئيساً للكيان أو الحكومة أو وزيراً فيها، أو كان في صفوف المعارضة خاسراً خائباً، إلا أنه كان في كل المواقع منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى يوم وفاته يخدم كيانه بخبثٍ ومكرٍ وصدقٍ وإخلاصٍ، ومن المؤكد أن كيانه سيفتقد حكمته، وسيعوزه دوره، وأن مكانته المرموقة التي شغلها لسنين طويلة لن يعوضها أحد، ولن يقوَ أحدٌ على القيام بما كان يقوم به ويضلع.
كالأفعى يطل برأسه كلما دخلت بلاده في مأزقٍ حرج، أو واجهت صعاباً سياسية، وأزماتٍ خارجية، واضطراباتٍ داخلية، تحير الحكومة ورئيسها، وتقلق الشعب ومؤسساته، وتخيف الدولة والجيش، وتحرج دبلوماسييهم ومبعوثيهم لدى دول العالم، وتضيق الخناق عليهم، وتفقدهم الحجة والمبرر، والذريعة القديمة الدائمة بفقدان الأمن، واستهداف العرب لهم.
يخرج من مكمنه كما الأفعى التي تخرج من جحرها عندما يجد أن كيانه يواجه تحدياتٍ خطرة، واستحقاقاتٍ مصيرية، ويتعرض لرياحٍ سياسية وأمنية خطرة تكاد أن تعصف به، وتمزق أشرعته التي مضى بها سنين طويلة، وتعرض المركب الذي حملهم لخطر الغرق، فيرى أن من الواجب عليه أن يقدم النصح لرئيس حكومته، وأن يأخذ بيده إلى بر الأمان، فيبعده عن المخاطر التي تهدده، ويذلل له الصعاب التي تعترضه، ويفكك الألغام المزروعة تحت أقدامه وتوشك أن تنفجر به وببلاده، خاصةً عندما يرى أن حلفاء بلاده التاريخيين يكادون ينفضون عن بلاده، ويتوقفون عن تأييد حكومة كيانه، ويهددون بالتخلي عن دعمها، والتوقف عن مساندتها، أو الشروع في مساندة خصومها، وتأييد الدعوات التي تطالبهم بتقديم تنازلات، أو التخلي عن مواقف، والنزول عند رغبات المجتمع الدولي.
ذلك هو الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس الذي لا يتردد لحظةً واحدة في أن يعمل وزيرَ خارجيةٍ لحكومة بلاده أياً كان رئيسها، وبغض النظر عن الحزب الذي يسيطر عليها، ويسير شؤونها، وأياً كان موقعه، رئيساً للكيان أو وزيراً للخارجية أو المالية أو الدفاع، أو كان في أوساط المعارضة خارج الإطار الحكومي الرسمي، طالما أن بلاده يتهددها الخطر، وتتعرض لأزماتٍ وتحدياتٍ تتطلب منه المساهمة في حلها.
فهو لا يستطيع أن يرى بلاده تغرق ومستقبلها يتهدد، وإن كان بفعل رئيس حكومته، وبأخطاء رجال دولته، نتيجة السياسات التي يتبعونها، والأخطاء التي يرتكبونها، والمزالق التي يقعون فيها، والمواقف الحرجة التي يقحمون بلاده فيها، ويتسببون في خلق أزماتٍ دبلوماسية لها مع الحلفاء والأصدقاء والجيران، فيهب لنجدتهم، ويسرع لانتشالهم من حمأتهم، ويسعى لستر عورتهم، والتخفيف من أثر أخطائهم، والتقليل من نتائجها، والتخذيل عن الحكومة، وتبرير سياساتها والدفاع عن تصريحاتها، ومحاولة تفسيرها بما يخفف من وطأتها، ويقلل من انعكاساتها السلبية، وآثارها الضارة على أمن ومستقبل كيانه.
العجوز شيمعون بيريس الذي يكاد يكون أكثر من خدم بلاده من قادتها التاريخيين، وأكثر من عمل لها ومن أجلها في العلن والخفاء، وفي الخارجية والدفاع، فهو الذي حقق لها السبق في مجال التسلح النووي، فمكنها بالتعاون مع فرنسا من بناء ترسانتها النووية، وامتلاك قنبلتها الذرية، وتشغيل مفاعلها النووي الأشهر "ديمونا"، لتكون الدولة النووية الأولى في منطقة الشرق الأوسط.
إلا أنه أدرك أن القوة وحدها لا تكفي لحماية بلاده، وتطمين شعبه، وترسيخ قواعد كيانه في المنطقة، فالسلاح الذي يملكون قد يرتد عليهم سلباً ويقتلهم، وقد يكون ضرره عليهم أكثر من نفعه، والدول العربية المحيطة التي مكنت حكومات كيانه لسنواتٍ طويلة من تنفيذ سياساتها، وتطبيق برامجها، والتصدي لخصومها والتغلب على أعدائها لن تبقى خادمةً لكيانه إلى الأبد، ولن تقوى على مساعدته بعد اليوم، فرياح الثورات العربية ستعصف بخدم إسرائيل ورجالاتها الذين يعملون لها بجدٍ وإخلاص، ويقدمون لها أكثر مما يقدم اليهود أنفسهم لكيانهم، ويخلصون لها أكثر ما يخلص الصهاينة أنفسهم، ويضحون بمستقبلهم من أجلها، ويفرطون بحاضرهم ومستقبل أولادهم من أجل أن تبقى هي، ولا تتعرض للخطر أو يلحق بها ضرر.
لكن شمعون بيريس الذي أقلقه تصرفات حكومة كيانه، وتصريحات وزير خارجيتها، وصمت رئيس الحكومة أمام وزير الخارجية، الذي أدخل بلاده في أزماتٍ لا تحصى، وأقحمها في مواجهاتٍ يصعب الخروج منها، أو الانتصار فيها، أدرك أن العالم من حولهم بدأ يتغير، وأن السلوك الدولي تجاه كيانه بدأ يتبدل، وظهرت مواقف وتصريحات تنتقد الحكومات الإسرائيلية، وتدين تصرفاتها، وتستنكر ممارساتها، وتتحرج من تأييد مواقفها، والوقوف إلى جانبها، والدفاع عنها في مجلس الأمن أو في ردهات الأمم المتحدة، فنادى رئيس حكومته وزعيمة المعارضة في كيانه إلى ضرورة التلاقي والاتفاق، ووجوب الوحدة والائتلاف.
وقد رأى أن الظرف السياسي الدولي والعربي يتطلب من الحكومة الإسرائيلية خطاباً آخر، وسياسة مختلفة، فما كان يصلح بالأمس فقد لا يصلح اليوم، وأصدقاء الأمس لم يعودوا في موقفٍ يمكنهم من الدفاع عنهم اليوم، إن لم يكن كثيرٌ منهم قد وجد نفسه مضطراً أن يقف على الجبهة الأخرى، ويغير أفكاره ومفاهيمه، اقتناعاً أو خوفاً، فالزمن قد تغير، والعصر الإسرائيلي أو الأمريكي لم يعد هو المسيطر والمهيمن، والاعتماد على نفوذ الآخرين قد لا يجدي، لأجل هذا علا صوت شيمعون بيريس وارتفعت عقيرته بالصراخ منادياً بيبي وتسيفي ليجلسا معاً تحت خيمةٍ واحدة، ليرفعا عماد الخيمة، ويرسيا قواعدها من جديد.
وكما أسرع بيريس لمناداة أقطاب السياسية الإسرائيلية الحكومية والمعارضة، فقد أرسل مجموعةً من الرسائل الودودة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يدعوه فيها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، والتخلي عن مصالحة حركة حماس، واعداً إياه بتذليل العقبات، وتجاوز الصعوبات، ومنحه بعض المكتسبات، وتشجيعه بأن طريق المفاوضات هي أقصر الطرق إلى الدولة الفلسطينية، وأسرعها لنيل حقوق الشعب الفلسطيني، وحذره من مغبة الإصغاء إلى صوت ربيع الثورات العربية، ودعوات شعوبها الثائرة، فهي لن تخدم القضية الفلسطينية، ولن تخفف من معاناة الفلسطينيين، ولكن حواراً فلسطينياً إسرائيلياً سيؤدي إلى رفع الحواجز العسكرية، وعودة المعتقلين إلى بيوتهم، وزيادة عدد العمال الفلسطينيين، وسيحقق رفاهية اقتصادية فلسطينية مفقودة.
لا يعني إحساس بيريس بالخطر المحدق بكيانه، وبضرورة تغيير سياسة بلاده، وتهذيب خطاب حكومته، أنه يعارض سياسة حكومته، ويرفض ممارساتها، ويدعوها للتخلي عنها أو تبديلها، وأنه قد تحول إلى حمامة سلام وداعية وئام، وأنه يرفض الحرب، ويندد بالظلم، ويستنكر الاعتداء على الأرواح والمقدسات والممتلكات، فشيمعون بيريس قاتل الأطفال في قانا، وممول السلاح الإسرائيلي هو ذاته لم يتغير ولم يتبدل، ولكنها ضروريات الأفعى التي تبدل جلدها، وتغير شكلها، وتتخلص أحياناً من أثوابها لتنجو وتتجاوز المخاطر، ولكنها أبداً لا تنسها طبيعتها الخيانية، وفطرتها الغادرة، وسلوكياتها العدائية، فهو كالثعلب الماكر الخداع، لا يفكر إلا في مصلحته، ولا يخضع إلا إذا وجد خطراً يتهدده، وعدواً أقوى منه، أو ظرفاً لا يقوى على مواجهته والتغلب عليه، ولكنه يتحين الفرص للانقضاض، ويبحث عن حيلةٍ مناسبة تخرجه من مأزقه، وتعيده إلى طبيعته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.