تشهد منطقة الشرق الأوسط الآن حالة غير مسبوقة من التصاعد السياسي الذي كانت بدايته مع اندلاع الثورة في تونس ديسمبر الماضي وأخذ طريقه إلى مصر ومن بعدها اليمن والبحرين وليبيا وسوريا. حيث انتفضت الشعوب العربية ضد حكامها الذين بقوا في مناصبهم لعقود طويلة ومنهم من هرب خارج البلاد مثل زين العابدين بن علي رئيس تونس السابق ومنهم من يحاكمه الشعب جزاءً لما ارتكبه مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. ومنهم أيضاً من رفض مطالب شعبه ولجأ لأساليب القتل والاستخدام الغاشم للقوة العسكرية للدولة ضد أبناء شعبه مثل بشار الأسد في سوريا ومعمر القذافي في ليبيا. وفى ظل كل هذه التطورات, تجد إسرائيل نفسها أمام تهديد حقيقي لم يشعر به اليهود منذ الحرب العالمية الأولى على حد تعبير رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أمس. ويتمثل هذا التهديد في اشتعال الموقف على مختلف محاور الحدود الإسرائيلية, ففي سوريا هناك مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط الرئيس الأسد الذي يستخدم قوات الأمن من أجل إخماد هذه المظاهرات. وكذلك التهديدات التي يتم توجيهها بالتدخل العسكري الغربي هناك مثلما حدث فى ليبيا وهو الأمر الذي تجده إسرائيل تهديداً لها حيث أن الأسد قد يقوم بالهجوم على إسرائيل انتقاماً من التدخل الغربي. وعلى الحدود اللبنانية يظل تهديد "حزب الله" لإسرائيل أمراً واقعاً تتعامل معه الدولة اليهودية يومياً فى ظل الدعم المادي والعسكري الكبير الذي تقدمه إيران لحزب الله. أما الحدود المصرية الإسرائيلية فالأمر أصبح أكثر اشتعالاً أثر من أي وقت مضي فبالرغم من أن الاستفزازات الإسرائيلية لمصر كثيرة ومستمرة إلا أن قتل إسرائيل لستة جنود تابعين للشرطة المصرية كان له تأثيراً كبيراً في مضاعفة كراهية الشعب المصري لإسرائيل أكثر مما كانت عليه. حيث طالب المصريون بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة وضرورة اعتذار إسرائيل عما ارتكبته ووصل الأمر إلى المطالبة بإلغاء اتفاقية "كامب ديفيد". ووصلت ذروة هذه الكراهية يوم الجمعة الماضية عندما تجمعت عدة مئات من المتظاهرين المصريين أمام السفارة الإسرائيلية فى الجيزة وقاموا بهدم السور الذي بنته السلطات المصرية. وتصاعدت الأحداث إلى أن حاول المتظاهرون اقتحام السفارة نفسها ولكنهم فشلوا فى هذا ومن ثم اقتحموا احدي الشقق التابعة لها وقاموا برمي أوراق ووثائق تمتلكها السفارة فى الشارع. ولكن بالرغم من سحب إسرائيل لسفيرها من القاهرة إلي حين هدوء الأجواء فقد جاءت تصريحات المسئولين الإسرائيليين هادئة إلى حداً كبيراً حيث قال نتنياهو أن إسرائيل ملتزمة باتفاقية السلام الموقعة مع مصر ولكنها مصرة على الحصول على ضمانات أمنية فى أية اتفاقات قادمة. ومن الملاحظ أن الاهتمام الدولي بالعلاقات المصرية الإسرائيلية كبيراً للغاية حيث تحدثت معظم الصحف الغربية عن هذه القضية ومن ضمن أكثر المهتمين بدراسة العلاقة بين الدولتين يأتي "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط" فى الولاياتالمتحدة. حيث قال رئيسه روبرت ساتلوف أن المصريين يفكرون بشكل أساسي الآن في إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل وهو ليس مطلباً شعبياً فقط فقد تعدى الأمر مطالب الشعب. بل أصبح الآن كلاً من السياسيين والناشطين وحتى المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة فى مصر يريدون إلغاء الاتفاقية وعقد اتفاقية جديدة تتلاءم مع الوضع الحالي للبلدين. حيث قال عمرو موسي أحد هذه الشخصيات التي تنوي ترشيح نفسها في الانتخابات "أن عهد كامب ديفيد قد انتهى". وأشار إلى أن الحديث عن الحرب بين مصر وإسرائيل أصبح أمراً عادياً بين جموع شعب مصر وسياسييها فبالنسبة للجيش فهو يحاول جاهداً الحفاظ على الأمور كما هي وألا يتورط فى أي عمل عسكري ولكنه لن يتراجع عن قرار الحرب إذا أصبحت الحاجة ملحة للدخول فيها. وأوضح الكاتب أن الأمر كان مختلفاً تماماً وقت كان الرئيس المخلوع حسنى مبارك على رأس السلطة فى مصر فقد كان المسئولون الإسرائيليون يجتمعون معه في قصر الرئاسة وكانت العلاقات لمصلحة إسرائيل على طول الخط. ولكن الأكثر من هذا أن إسرائيل ترى أن تدهور العلاقات الإسرائيلية المصرية لا يجب أن يستمر كثيراً لأن العلاقة مع مصر هى أمراً حيوياً بالنسبة لإسرائيل لأنها تخشى العداوة المصرية في ظل عداوة الجميع لها. وأضاف أن إسرائيل فى حاجة ماسة لمساعدة مصر للسيطرة على الجهاديين فى شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة, لكن مصر تحتاج أيضاً إلى زيادة عدد جنودها على حدودها فى سيناء وبالتالي أصبح الوقت حاسماً لتعديل البنود الأمنية في اتفاقية "كامب ديفيد". ومن جهة أخري, تشعر إسرائيل بالسعادة لأن الموقف المصري بشأن ما حدث على الحدود ومقتل ستة من جنود الشرطة المصرية هناك لا يقارن بالموقف التركي المتزمت بشأن مقتل تسعة نشطاء سياسيين على متن العبارة "مرمرة" العام الماضي والذي ترتب عليه انتهاء العلاقات التركية الإسرائيلية. ويشير الكاتب إلى أن هناك أطراف أخري تلعب أدواراً كبيرة فى المنطقة مثل المملكة العربية السعودية التي لا تشعر بالسعادة بشأن العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. ولكنها تري أن محاولات إيران للسيطرة على المنطقة أكثر خطورة وبالتالي سيكون على المملكة دوراً كبيراً فى منع التمويل المادي الكبير الذي تقدمه للجماعات السلفية والتي تؤثر بشكل كبير فى السياسة من خلال هذه الأموال. وفى النهاية, يوضح ستالوف أن الجهود المبذولة في منطقة الشرق الأوسط لن تنجح بدون الولاياتالمتحدة, وسيطرة "البيت الأبيض" على منطقة الشرق الأوسط تأتي فقط من خلال علاقاتها بدول المنطقة التي تعتبر مصر والمملكة العربية السعودية وإسرائيل محاورها الأساسية. فالعلاقة الأمريكية السعودية تتمثل بشكل رئيسي في النفط السعودي, أما بالنسبة لمصر فإن "كامب ديفيد" هي الرابط الرئيسي بين مصر والولاياتالمتحدة. وإذا انهارت الاتفاقية ستنهار سيطرة الولاياتالمتحدة وبالتالي يري البيت الأبيض أن هناك ضرورة حيوية فى التدخل فى مصر قبل وبعد الانتخابات المتوقعة هناك لتذكير المصريين أن عليهم اختيار قادتهم بعناية, ولتذكير هؤلاء القادة بأن اختياراتهم لها عواقب.