موعد إعلان نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 لطلبة الثانوية العامة    وزيرة الخارجية الفلسطينية: تعنت نتنياهو وحكومته المتطرفة يعطل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة    إيران ترحب بتوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق سلام    ياسين مرعي "رجل" مباراة الأهلي ومودرن سبورت    مترو الأنفاق : توقف تشغيل حركة القطارات بمحطة شبرا الخيمة فقط    مركز الثقافة السينمائية يحتفي ب'وفاء النيل' بندوة وعرض فيلم يوثق بناء السد العالي    نجوم الفن يؤدون واجب العزاء في سيد صادق.. شاهد    محمود سعد يكشف أخر تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    قطاع الخدمات المالية غير المصرفية يتصدر نشاط البورصة المصرية الأسبوع الماضي    الإعدام شنقا ل3 عاطلين والسجن المشدد ل4 آخرين قتلوا شخصا وشرعوا في قتل شقيقه ببنها    بلاغ للنائب العام ضد التيك توكر "مانجو" بتهمة الفسق والفجور    مرموش وهالاند يقودان هجوم مانشستر سيتي أمام باليرمو وديا    الهيئة الوطنية للانتخابات: 14 أغسطس آخر موعد ل الطعن على نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ    قائمة منتخب مصر لخوض بطولة الأفروباسكت 2025    مراسل الحياة: زوار مهرجان العلمين سعداء بجمال الأجواء وحلاوة حفل تامر عاشور    اللواء أيمن عبد المحسن: نتنياهو يعمل على إبعاد نفسه عن المسائلة    «وداعا سليمان العبيد».. محمد صلاح يشارك تعزية يويفا في وفاة «بيليه فلسطين»    احتلال غزة!    شراكة جديدة بين محافظة المنيا والهيئة القبطية الإنجيلية لدعم الأسر الأولى بالرعاية    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    البلوجر حسناء شعبان في قبضة الداخلية بتهمة التعدي على قيم المجتمع    فضل صلاة قيام الليل.. تعرف عليه    يسري جبر: «الباءة» ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    أمين الفتوى يوضح حكم قراءة القرآن والتسبيح دون حجاب    تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. توقعات كليات ومعاهد تقبل من 55% وحتى 50% أدبي    ضبط تشكيل «بياضة وطوبسية» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    259 كرسيًا و6 أدوار.. مستشفى أسنان جامعة سوهاج يستعد للافتتاح قريبًا -صور    ينظم الضغط ويحمي القلب.. 6 فوائد ل عصير البطيخ    ترخيص 817 مركبة كهربائية خلال يوليو الماضي ..المركز الأول ل بى واى دى    "إنستاباي" ينهي تحديثاته الدورية بنجاح وعودة جميع الخدمات للعمل بكفاءة كاملة    الموز والتمر- أيهما أفضل لسكري الدم؟    رئيس لبنان: دماء شهدائنا الأبرار لن تذهب هدرا وستبقى منارة تضيء طريق النضال    ناصر القصبي يشارك في موسم الرياض.. وتركي آل الشيخ يعلق: مسرحية مهمة    ب"فستان أنيق".. أحدث ظهور ل نرمين الفقي والجمهور يغازلها (صور)    شيخ الأزهر يلتقى عدد من الطلاب ويستذكر معهم تجربته فى حفظ القرآن الكريم فى "كُتَّاب القرية"    «اتفق مع صديقه لإلصاق التهمة بزوج خالته».. كشف ملابسات مقتل شاب بطلق ناري في قنا    حبس مزارع وشقيقته تسببا في وفاة زوجته بالشرقية    «المستلزمات الطبية» تبحث الاثنين المقبل أزمة مديونية هيئة الشراء الموحد    وزير المالية: حريصون على الاستغلال الأمثل للموارد والأصول المملوكة للدولة    نائب رئيس هيئة الكتاب: الاحتفال باليوم العالمي لمحبي القراءة دعوة للثقافة    محافظ الإسماعيلية يستقبل سفير دولة الهند ويتفقدان مصانع EMBEE    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي    تتبقى 3 أيام.. «الضرائب» تعلن موعد انتهاء مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة    رغم الغضب الدولى ضد إسرائيل.. قوات الاحتلال تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة.. عدد الضحايا يقترب من 62 ألف شخصا والمصابين نحو 153 ألف آخرين.. سوء التغذية والمجاعة تحاصر أطفال القطاع وتحصد أرواح 212 شهيدا    أخبار الطقس في الإمارات.. صحو إلى غائم جزئي مع أمطار محتملة شرقًا وجنوبًا    ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به؟.. يسري جبر يجيب    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بالشكاوى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    برلماني: موقف مصر ضد احتلال غزة رفض تام وحاسم لسياسات الإبادة والتجويع    محافظة الجيزة: أنشطة وبرامج مراكز الشباب من 10 إلى 15 أغسطس 2025    موعد قرعة دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية والقنوات الناقلة    تعرف على موعد فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة    خلال استقباله وزير خارجية تركيا.. الرئيس السيسى يؤكد أهمية مواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.. التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكرى لغزة وضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين    «100 يوم صحة» قدمت 37 مليون خدمة طبية مجانية خلال 24 يوما    مكتب التنسيق الإلكتروني بجامعة العريش يستقبل طلاب المرحلة الثانية    الكوكي: فوز مهم أمام الاتحاد وشخصية المصري كانت كلمة السر في حصد النقاط الثلاث    علي معلول: جاءتني عروض من أوروبا قبل الأهلي ولم أنقطع عن متابعة الصفاقسي    «قعدتوا تتريقوا ولسة».. رسالة نارية من خالد الغندور بعد فوز الزمالك على سيراميكا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يعود الريف والقرية المصرية إلى منتجه كسابق عهدها
نشر في الزمان المصري يوم 11 - 07 - 2015

يمثل المجتمع الريفي في مصر أهمية بالغة سواء من حيث عدد السكان حيث يعيش فيه حوالي 55% من إجمالي سكان مصر، وهو مصدر إنتاج الغذاء والمواد الخام التي تقوم عليها معظم الصناعات، كما أنه مصدر للقوى العاملة لكافة القطاعات، ولهذا كان من الضروري الإهتمام بالريف وتنميته، ولعل أحد مجالات ومداخل تنمية الريف الجهود التي يقوم بها مركز الأرض لحقوق الإنسان والذي يهتم بدراسة الريف ومشاكله من خلال عقد الندوات وورش العمل لتسليط الضوء على المشكلات المختلفة التي يعاني منها الريف المصري، وفي هذا الإطار تأتي هذه الورقة والتي تتناول "التركيبة الإجتماعية والأوضاع الراهنة في الريف" وذلك من حيث تشخيص الواقع المعاصر الذي تعيشه القرية المصرية خاصة بعد ثورة 25 يناير سواء من حيث: الأوضاع الإقتصادية بالريف الفقر والجريمة، الصحة والتلوث البيئي، البذخ والإسراف، العلاقات الاجتماعية، الشباب ومشاكله، السياسية الزراعية وإنعكاساتها على الريف.
ولقد ساهمت كل هذه الأوضاع الراهنة بالقرية في تغيير التركيبية الإجتماعية فيها لأن التركيبة الإجتماعية تتشكل وتتكون في إطار الأوضاع القائمة، إن حال القرية المصرية اليوم يدعوا إلى مزيد من الدراسة والتشخيص والتحليل لرصد الظواهر الجديدة والغريبة عن القرية المصرية والتي عرفت بأصالتها وهويتها الثقافية المميزة لها على مر العصور، وفي ظل موجات التغير المتلاحقة التي أصابت القرية غيرت كثيراً من هذه الهوية، وأصبحت في شكل ماسخ لا طعم له ولا لون، فلاهي بقيت قرية كما هي، ولا هي أصبحت حضرية من كافة الجوانب والمظاهر، ولا يجب أن يقتصر الأمر على البحث والدراسة والتشخيص بل يجب أن توضع في بؤرة إهتمام السلطات بالدولة خاصة التنفيذية والتشريعية، من أجل وضع القوانين والتشريعات التي تعيد للقرية مكانتها وتضمن حقوق ومصالح الريفيين، والعمل على استكمال كل مقومات تنمية القرية المصرية لتعود إلى سابق عصرها قرية منتجة يسودها الحب والتعاون والسلام ليعم الخير على المجتمع المصري أجمع.
انقلب حال القرية المصرية رأسا على عقب خلال السنوات الماضية حيث أصبحت شبحا للمدينة تعتمد عليها اعتمادا شبه كلي، وبحيث أصبحت عبئا على المدينة بعد أن كانت أداة مهمة من أدوات الإنتاج في الاقتصاد المصري وكان الفلاح المصري مثالا يحتذي به في العمل والإنتاج.
أما اليوم فقد تبدل الحال لتزحف الكتل الخراسانية على الأراضي الزراعية في القرى, وانتقل الفلاح من امتلاك الأرض أو العمل فيها إلى امتلاك السوبر ماركت والمقاهي ومحلات الدش والأجهزة الكهربائية ليستيقظ متثائب في الظهيرة بعد أن كان يستيقظ مع ضوء الفجر بهمة ونشاط ليذهب إلى أرضه وهجر الكثير من الفلاحين الأرض للعمل كعمال باليومية وبدأ المتعلم من أبناء القرية يستحي أن يقول أنه من الريف أو يسكن فيه وانقطعت صلته بالأرض الزراعية وأصبحت القرى مكدسة بالسكان وبالبطالة.
وحدثت ثورة25 يناير لتجعلنا نحلم من جديد بعودة القرية المصرية إلى سابق عهدها كقرية منتجة، حيث تنتظر4702 قرية مزيدا من الاهتمام والتطوير والتوعية ليعود الفلاح إلى ما كان عليه من عمل وجهد وتعود لتسهم القرية المصرية كشريك في الاقتصاد وليس عبئا على الاقتصاد و الدولة.إن، سبب تقزم المساحة الزراعية نتيجة للإرث والتجارة في الأ، وأن مما يستلزم الآن عملية تطوير الزراعة المصرية كمصدر رئيسي في القرى والتفكير في إدارة منظومة التنمية الزراعية وزراعة محاصيل بالتعاون المشترك بين الحائزين والملاك.
لابد من تجريم الاعتداء على الأراضي الزراعية واعتبار الأراضي في الوادي والدلتا كمحمية زراعية لا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداء عليها. كما يجب إعادة تخطيط القرية المصرية لتستوعب الزيادات السكانية القادمة وفي نفس الوقت وضع منظومة جديدة لقري جديدة بالظهير الصحراوي المجاور للقرى القديمة لاستيعاب الزيادة السكانية وإقامة أنشطة اقتصادية وتخفيف تيار الهجرة من الريف للمدن.
لإحداث تنمية اقتصادية داخل القرية الاعتماد على المقومات الاقتصادية والإنتاجية الموجودة في القرية وتعظيم الاستفادة من المنتجات من خلال تمويل مشروعات صغيرة مولدة للدخل تعتمد على خامات موجودة داخل القرية مما يستلزم زيادة موارد صندوق التنمية المحلية لتمويل الكثير من المشروعات في القرى حيث لا تزال القدرة محدودة.
أنه من الصعب أن تعود القرية المصرية إلى ما كانت عليه من قبل نتيجة لتغيرات عديدة فقد كان الفلاح- علي سبيل المثال- يعتمد على نفسه في توفير خبزه, حيث كان يزرع القمح والذرة, أما اليوم فهو يعتمد على الأفران التي أصبحت منتشرة في كل قرية مصرية فهل سيتخلي الفلاح عن هذه الأفران أم هل سننزع هذه الأفران من القرى إننا نحتاج إلى إعادة إحداث تنظيم. قليل من الفلاحين يقوم بزراعة البرسيم الذي كان كل فلاح في السابق يقوم بزراعته لإطعام الحيوانات والطيور في المنزل, أما اليوم فالفلاح يفضل زراعة الخضروات بدلا من هذه المحاصيل فكيف للفلاح أن يقوم بتربية الطيور والحيوانات كما كان جميع الفلاحين يفعلون من قبل, النادر اليوم من الفلاحين من يفعل ذلك ولم تعد الفلاحة كما كانت من قبل تهتم بتربية الطيور والحيوانات فغالبية الريفيات متعلمات اليوم, كذلك فإن الفلاح يشجع أبناءه علي الهجرة للمدينة. بإعادة العمل بالدورة الشتوية الخاصة بالمحاصيل التقليدية،وأن يكون هناك توعية للفلاح وإرشاد للمرأة الريفية بأن تعود منتجة من جديد إذا أردنا أن نغير الوضع القائم.
أن السياسة الزراعية السلبية التي اتبعت في السنوات الأخيرة أثرت على الفلاح وعلى القرية المصرية من إلغاء التسويق التعاوني واختفاء الصناعات في المجالات الزراعية كتصنيع الخضروات والفواكه وحفظها.. - في خطة تدرس لزيادة إنتاج مصر من الزيوت لتقليل الفجوة الغذائية منها والبالغة %90 والحد من استيراده، من خلال آليات جديدة للتوسع في زراعة الزيتون في مناطق الاستصلاح الجديدة بسيناء والساحل الشمالي، أو من خلال زيادة مساحات زراعة محاصيل الزيوت مثل عباد الشمس في مناطق الاستصلاح الأخرى. ومن خلال النقابة المزمع إنشاؤها نحاول تنظيم صفوف الفلاحين والنهوض بالزراعة ويكفي أن نعرف أن هناك مليونا و43 ألف فدان تم تبويرها وأن ما لا يقل عن904 آلاف فلاح تم طردهم من أراضيهم نتيجة هذا القانون ولا يجدون عملا الآن.- عندنا ثروة حيوانية ممتازة ومن الممكن أن نكتفى ذاتيا ولكن الأمراض الوبائية تستنزفنا، ولابد من إنشاء صندوق تأمين على الماشية من خلال التحصين الإجباري، لأن ميزانية الهيئة 29 مليون جينه ولا تكفى لتحصين الماشية ونحن نطالب الدولة ب101 مليون جنيه للتحصين، ولتطبيقه لابد من توفير الموارد المالية اللازمة، على أن تتحمل وزارة المالية فارق التكلفة، أو أن يسدد المربى 70 جنيهاً سنوياً عن كل رأس. - لابد من إنشاء صندوق موازنة للأسعار لدعم المحاصيل الإستراتيجية، لدعم المُزارعين، حتى يشعر الفلاح أنه زرع ثم حصد، فضلاً عن تطبيق منهج الزراعة التعاقدية للذرة الصفراء بين الاتحاد التعاوني وكيلاً عن المُزارعين واتحاد منتجي الدواجن لتدعيم صناعة الأعلاف الخاصة بالإنتاج الحيواني والداجنى. الطريق إلى قرية منتجة يبدأ بإنشاء مؤسسات ومصانع تكون قائمة على الإنتاج الزراعي، فما المانع من أن تنشأ مصانع لعصير الفواكه وصنع المربات وغيرها وتقوم علي إنتاج القرية بدلا من بيع هذه الأشياء في المدينة؛ بالإضافة إلى هذا يجب ألا يكون التركيز على العاصمة حتى لو سألنا شخصا يريد السفر إلى العاصمة إلى أين أنت مسافر يقول مسافر مصر في حين أن العاصمة هي جزء من مصر.المملكة المتحدة الذي يظل فيها الريف الانجليزي ثابتا على خصائصه ومن هنا لابد من تخصيص جزء أكبر من ميزانية الدولة للنهوض بالقرية المصرية في مجالات التعليم والصحة فليس من المعقول أن ينقل المريض من وحدة صحية ضعيفة المستوي في القرية للعلاج في المدينة فقد يفقد حياته. وطالب بأن تعود مصر دولة زراعية بالدرجة الأولي وليس من الضروري أن الدولة الصناعية أقوى وأغني من الدولة الزراعية وهناك مثل كهولندا الدولة الزراعية الأغنى من كثير من الدول الصناعية.
يعاني الريف المصري دوماً من ارتفاع معدلات الفقر فيه أكثر من الحضر وذلك لأسباب عدة لا يتسع المجال لذكرها، وجاءت ثورة 25 يناير وتنفس الناس الصعداء وظنوا أن شعارات الثورة عيش حرية عدالة اجتماعية كفيلة بإخراجهم من دائرة الفقر والقهر الذي عاشوه وعانوا منه لسنوات طويلة، لكن حدث العكس حيث زادت دائرة الفقر واشتد طوق القهر، وتضاعفت معدلات الفقر وفقاً لأحدث الإحصائيات حتى وصلت في بعض محافظات الصعيد إلى حوالي 70%، ولاشك أن الفقر هو الباب الواسع للجريمة، وهذا ما حدث، فما تشهده القرية المصرية اليوم من شتى ألوان الجريمة، حتى أصبح القتل والتمثيل بالجثث أمر هين ومألوف بين الناس. وما أكثر مثل هذه الحوادث التي تناقلتها الأخبار وتبثها شاشات التليفزيون.
ناهيك عن جرائم السرقة بالأكراه والسطو المسلح الذي يقوم به بعض الشباب وخطف الأطفال والنساء وطلب الفدية، وجرائم الإتجار بالمخدرات والتعاطي، حيث تباع المخدرات عيانا جهاراً نهاراً بكافة أنواعها في القرى وعلى الطرق السريعة دون رادع من ضمير أو عرف أو قانون. ويضاف إلى رصيد الجرائم جريمة التعدي على الأرض الزراعية بالبناء، وسرقة التيار الكهربائي ومياه الشرب، والتعدي على أملاك الدولة، وكلها جرائم تتم على مسمع ومرأى من الجميع، وذلك بسبب ضعف الدولة بل غيابها تماماً، وأصبح الأمر مستباح لكل شخص يفعل ما يشاء حيثما يشاء.
وقد كان الساسة والمحللون يحذرون قبل ثورة 25 يناير من ثورة الجياع، غير أن الثورة قامت ولم تكن ثورة جياع بل كانت ثورة على الظلم والاستبداد، واستبشر الجميع خيراً بالقضاء على الجوع والفقر والمرض ثالوث التخلف الذي يحاصر الريف المصري، لكن هذا لم يحدث، بل حدث العكس حيث بدأت بشائر ثورة الجياع في الظهور بسبب غياب الرؤية والقيادة الرشيدة والارتفاع الجنوني للأسعار، وغياب الأمن والرقابة على الأسواق، ولازال المناخ ملائم لظهور أشكال جديدة من العنف والجريمة كلما زادت حدة الفقر والجوع.
ولعل من أخطر ما يواجهه الريفيون ويزداد خطره النقص الشديد في مياه الري والذي أصبح يهدد زراعات كثيرة بالموت والجفاف، وقد كان رد فعل المزارعين شديد في بعض المناطق منها قطع الطرق والتعدي على المصالح الحكومية، وإذا كنا لا نؤيد مثل هذه التصرفات بأي حال من الأحوال، لكن يجب على المسئولين سرعة التحرك بوعى لمواجهة هذه المشكلة، أما سياسة الهروب والتهرب بين المسئولين فسوف يزيد الأمر تعقيداً، ولا ندري ما سوف تصل إليه الأمور مستقبلاً بعد الإنتهاء من بناء سد النهضة الأثيوبي حيث على ما يبدو أن نهضة مصر إتسع نطاقها حتى وصلت إلى أثيوبيا. أن الوضع الأمنى في القرية اليوم أصبح في غاية السوء وبعد أن كان الريفيون يتركون ماكينات الري ومواشيهم في الحقول، لم يعد هذا الأمر قائما في ظل السرقات المتكررة بسبب الجوع والفقر والغياب الأمني، وأصبح على كل أسرة أن توفر الأمن والحماية لها ولممتلكاتها، وبالتالي ظهرت تجارة السلاح وأصبح الكثير من الريفيين لديهم أسلحة نارية على اختلاف أنواعها. وهو ما ساعد على كسر حاجز الخوف وشجع على الاستخدام المفرط للقوة، وخرجت الأمور حتى عن سيطرة المجالس واللجان العرفية التي كانت كافية لحل المشكلات والصراعات التي كانت سائدة في القرية المصرية.
من المفترض أنه مع التقدم الصحي تنخفض معدلات الإصابة بالأمراض خاصة في الريف، لكن ذلك لم يحدث (على الرغم من إرتفاع العمر المتوقع عند الميلاد لكل من الذكور والإناث) حيث زادت الأمراض خاصة أمراض إلتهاب الكبد الوبائي (فيروس C)، والفشل الكلوي، وأمراض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي، والضعف الجنسي وغيرها من الأمراض حيث سجلت مصر المرتبة الأولى على مستوى العالم في الإصابة بها، وترتفع نسب الإصابة بهذه الأمراض بالريف أعلى من الحضر، ولعل أحد أسباب إرتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض ناتج عن التلوث البيئي بكافة صوره وأشكاله في الريف المصري، خاصة المجاري المائية من الترع والمصارف والتي أصبحت المكان المفضل للتخلص من الحيوانات والطيور النافقة، وصرف مجاري البيوت فيها، وإلقاء علب المبيدات الفارغة وغيرها من المخلفات، حتى أصبحت مصدر للإصابة بالعديد من الأمراض، ولعل المسئولية في ذلك مشتركة بين الريفيين والمسئولين سواء من حيث انخفاض الوعي البيئي لدى الريفيين بخطورة مثل هذه الممارسات، وعدم توفر البدائل لديهم للتخلص من المخلفات، ثم غياب الرقابة الحكومية بل إنتهاء دور الدولة خاصة بعد ثورة 25 يناير والغياب الكامل للدولة في كافة مناحي الحياة. ثم التلوث الناتج عن الإفراط في إستخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية والمخصبات ومنظمات النمو والهرمونات حيث أصبحت الزراعة المصرية حقل تجارب ومستباحة لاستخدام العديد من المبيدات المحرمة دولياً، وقد تزايد ذلك أيضا في ظل الغياب الكامل لدور الدولة بعد ثورة 25 يناير من الرقابة على أسواق الاتجار في مستلزمات الإنتاج الزراعي، ونتيجة لذلك زادت الأمراض الخطيرة وأصبحت تهدد صحة المصريين، إضافة إلى التأثير السلبي على الصادرات المصرية من الخضر والفاكهة بسبب تجاوز الحدود المسموح بها في نسب المتبقيات من المبيدات والأسمدة الكيماوية، ولو أفرطنا في الحديث عن التلوث وصوره ومصادره في القرية المصرية والآثار المترتبة عليه لاحتاج الأمر إلى جلسات وجلسات، ولكن تلك لمحة سريعة عن التلوث البيئي في القرية المصرية وأثره على صحة الريفيين.
إن جزء من مصادر تلوث البيئة الريفية يرجع إلى أساليب التخلص من المخلفات الزراعية والتي تكون إما بالحرق أو الرمى في المجاري المائية أو غيرها، على الرغم أن هذه المخلفات ثروة قومية لو أحسن استخدامها وتدويرها، لإنتاج أسمدة عضوية (الكمبوست) بدلا من الإفراط في إستخدام الأسمدة الكيماوية مرتفعة الثمن وتسبب أضرار صحية كبيرة، كذلك إنتاج أعلاف غير تقليدية مثل السيلاج وغيره، وكل ذلك من السهل أن يقوم به المزارع المصري وبأقل التكاليف ولكن غياب الرؤية وضعف الإرادة، وسوء الإدارة هما السبب في ذلك، على الرغم من توفر كل مقومات الإستفادة من المخلفات وتدويرها، بما يقلل من مصادر تلوث البيئة، ويحقق عائد مادي عالي للمزارع. منذ ثمانينات القرن الماضي وتخرج علينا وزارة الزراعة المصرية بما يسمى باستراتيجية وزارة الزراعة أولها كان في الثمانينات، ثم في التسعينات، ثم حتى عام 2017، وأخيراً استراتيجية الوزارة حتى 2030، والحقيقة أن خيرة علماء مصر في الزراعة شاركوا في وضع هذه الاستراتيجيات ولكن للاسف جميعها لا تعدو حبراً على ورق، ولم تحقق أي من هذه الاستراتيجيات أكثر من 20% من المستهدف منها، وكانت النكبة الكبري على الزراعة المصرية مع سياسات التحرر الاقتصادي والتكيف الهيكلي والتي أضرت بالزراعة المصرية أكثر من إفادتها. ويكفي دليلا على ذلك تدهور المساحة المنزرعة والإنتاجية من أهم محصول زراعي هو القطن الذي كان يسمى بالذهب الأبيض.
إن الزراعة والتي كانت عمل أصيل يفتخر به كل من كان يعمل بها، والأرض الزراعية التي كانت تحتل سلم القيم الاجتماعية لدى الريفيين حتى شبهوها بالعرض "الأرض زي العرض" اللي يفرط في أرضه يفرط في عرضه" تغير كل ذلك وأصبحت الزراعة اليوم طاردة حتى للمزارعين الأصليين، وذلك لأسباب عديدة يأتى في مقدمتها فشل السياسات الزراعية على مدى عقود طويلة في أن تجعل المزارع الصغير بؤرة إهتمامها وهم القاعدة العريضة، بل عانى المزارع في ظل هذه السياسات والتي جاءت كلها لتعمل ضده وفي غير مصلحته وأصبح العمل بالزراعة غير مربح بالمرة في ظل زيادة تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي ودون أن يقابلها زيادة في سعر بيع المنتجات الزراعية وإن حدث يستفاد منه بالدرجة الأولى التجار والسماسرة وما أكثرهم بسبب تدمير التعاونيات الزراعية والتي كانت بيت الأمن والأمان للمزارع المصري على مدى عقود طويلة.
لقد أصبح المزارع في ظل هذه الأوضاع والسياسات مهدد بالسجن نتيجة الديون لبنوك التنمية، أو الجوع هو وأسرته لتدني العائد من الإنتاج الزراعي، ولهذا أصبح من السهل عليه ترك العمل بالزراعة لأي عمل آخر، بل والتفريط بالأرض الزراعية وبيعها وإستثمار سعرها في أي مشروع آخر يدر عليه دخل أكبر. لقد كان المزارع المصري في الماضي حريص كل الحرص أن يزرع أرضه بمحاصيل الحبوب حتى يحقق الأمن الغذائي لأسرته على مدار العام ولكن في ظل سياسة التحرر الاقتصادي أصبح المزارع حر في زراعة المحصول الذي يحقق له أعلى عائد من الربح، ولماذا يزرع القمح وتقوم زوجته بالخبيز في البيت والأفران التي تبيع الرغيف المدعوم موجودة الآن في كل القرى المصرية، وبالتالي يرى انه من الأفضل أن يزرع أي محصول آخر، وقد وصل الأمر في ظل هذه الحرية إلى حيرة المزارعين في إختيار المحاصيل التي يزرعونها.
وإذا كنا بصدد الحديث عن الزراعة ومشاكلها فللا يمكن إغفال الكارثة الكبري المنتظرة والتي تهدد الزراعة المصرية، وهي كارثة مياه الري والتي بدأت بشائرها في الظهور مع زراعة الموسم الصيفي لهذا العام حيث النقص الشديد في مياه الري فكيف يكون الحال؟ وكيف يمكن التعامل مع هذه الكارثة والتي تشير بعض تقديرات الخبراء إلى تهديد حوالي نصف المساحة المنزرعة في مصر بالتصحر والجفاف، إن الكارثة كبيرة، والآثار السلبية المتوقع أن تنجم عنها فادحة، ومع ذلك يتسم التعامل الوطني معها حتى على مستوى رئاسة الجمهورية بالسذاجة حتى أن أول تصريح صدر عن رئاسة الجمهورية أن سد النهضة الأثيوبي لن يؤثر على مصر وأمنها المائي وذلك بناء على تصريحات وتطمينات من الحكومة الأثيوبية للحكومة المصرية إن هذا الأمر خطير ويهدد أمن واستقرار المجتمع المصري كله ويجب التحرك وبسرعة لوقف هذا الخطر. لكل مجتمع تركيبته الإجتماعية الخاصة به والتي تميزه عن غيره من المجتمعات وهي نتاج لأوضاع كثيرة إجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ودينية تمتزج مع بعضها البعض لتشكل تركيبة المجتمع ومن هذا تشكلت التركيبة الاجتماعية للقرية المصرية متضمنة عدد من الطبقات الاجتماعية كان المحدد الرئيسي في تشكيلها عاملين أساسيين هما ملكية الأرض الزراعية والانتساب إلى عائلة، ورغم ذلك كانت الفوارق بسيطة بين الطبقات الاجتماعية في الريف، وكانت شبه جامدة حيث يصعب الانتقال من طبقة إجتماعية إلى طبقة إجتماعية أخرى بسبب المحددين الرئيسيين للوضع الطبقي (الأرض الزراعية والعائلة) وفي ظل هذا الوضع الطبقي يعرف كل شخص في المجتمع الريفي وضعه ودوره ولا يستطيع أن يتعدى حدوده، وعاشت القرية في سلام وأمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.