لأول مرة.. خريجو المدارس الفنية والتكنولوجيا مؤهلون للالتحاق بكليات الحاسبات    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    وزير العمل يزور عمالًا مصريين في صربيا    تعرف على أسعار الخضراوات والفواكه مساء اليوم السبت 31 مايو 2025    رويترز: إيران تعتبر تقرير وكالة الطاقة الذرية حول برنامجها النووي له دوافع سياسية    سياسي عماني: متفائل بمستقبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي    وفاة الرئيس الأسبق لإنتر ميلان الإيطالي    سيف الجزيري يقود هجوم الزمالك أمام فاركو    بالصور.. طقس الإسكندرية العاصف يخلّف دمارا على الكورنيش وتجمعا لمياه الأمطار داخل نفق للمشاة    تعرف على تفاصيل ألبوم تامر حسني الجديد "لينا معاد"    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    فضل صيام يوم عرفه وكيفية الاستعداد    بعد 9 مواسم.. الأهلي يعلن رحيل السولية    إنتر ميلان يطارد النجمة الرابعة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2025    تخفيضات على تذاكر مصر للطيران تزامنا مع إجازات عيد الأضحى المبارك    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان أعمال تطهير الترع    على باب الوزير!    تجربته الأولى.. جون هيتينجا مدربا ل أياكس    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    وزير التعليم العالي ومحافظ المنوفية ورئيس جامعة المنوفية يفتتحون مركز الاختبارات الإلكترونية بكلية الحقوق بجامعة المنوفية    وزير الخارجية ل"صوت الأمة": السياسة الخارجية المصرية تستند لمبدأ "الاتزان الاستراتيجي"    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    شبكة المنظمات الأهلية: الاحتلال دمّر بنى اقتصادية ويستهدف المؤسسات الإغاثية    غدا على المسرح الكبير بدار الأوبرا .. مي فاروق تحيي حفلا غنائيا بقيادة المايسترو مصطفي حلمي    وزارة الصحة تعلن خطة التأمين الطبي لعيد الأضحى المبارك وموسم الاجازات الصيفية بجميع المحافظات    أيمن أبو عمر يوضح أعظم العبادات والطاعات في عشر ذي الحجة    من أول ساعة.. كيف يستفيد جسمك من الإقلاع عن التدخين؟    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    سقوط طالبة من سلم الدور الأول بكلية البنات عين شمس والجامعة تنقلها لمستشفي الطوارئ    البحيرة: الانتهاء من أعمال رصف شارع الروضة بدمنهور لتحقيق السيولة المرورية    بعد انتهاء أزمتها.. آية سماحة توجه الشكر لنقابة المهن التمثيلية    إصابة طالب ومراقب باعياء وتشنج خلال امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالمنيا    محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضي    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    خبير شؤون روسية: أوروبا فوجئت بطول أمد النزاع بين موسكو وكييف    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في حفل تنصيب ريموند سمعان راعيًا للكنيسة بطهنشا    كيف تعامل مستشفى قنا العام مع حالة الولادة لمصابة بفيروس HIV؟ .. مصدر طبي يكشف ل«الشروق»    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    أوبك + تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في يوليو    برأة راندا البحيري من تهمة سب وقذف طليقها    ماذا يأكل الحجاج؟ بعثات الحج السياحية تشارك في جلسة «تذوّق الوجبات»    250 مليون نحلة طليقة في الهواء بعد انقلاب شاحنة.. ماذا حدث في واشنطن؟    توريد 483 ألف طن قمح لصوامع المنيا منذ بدء موسم 2025    معالم سانت كاترين السياحية استقبلت 4 آلاف سائح خلال أسبوع    أبطال فيلم المشروع X يحتفلون بعرضه في الكويت.. اليوم وغدًا    جنايات القاهرة تقضي بالسجن المشدد 7 سنوات لرجل أعمال أنهى حياة زوجته بالتجمع الخامس    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    اليوم.. البابا تواضروس يترأس عشية رشامة 8 أساقفة جدد    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    الإفتاء تكشف كفارات الحج التي وضعها الشرع    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالات التنفيذ العيني الجبري دراسة مقارنة بين الأنظمة القانونية العربية
نشر في الزمان المصري يوم 25 - 05 - 2015


تقرير:الدكتور عادل عامر
يلزم المدين كقاعدة عامة بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً اختياراً أو جبراً عند عدم وجود مانع مادي أو قانوني. ولا يخرج عن هذا التصرفات الواردة على عقار ، إذ لا تزال العقود بشأنها في غالبية البلدان رضائية.
إلا أن بعض القوانين العربية لا تجيز إجبار بائع العقار على تنفيذ التزامه عند امتناعه عن نقل الملكية إلى المشتري، وتعدّ هذا النوع من العقود شكلياً لا ينعقد إلا بعد تسجيله في دوائر التسجيل. وبهذا أحيط البائع بحصانة قانونية وقضائية لا مسوغ لها.
المقدمة:
من المعروف أن الأصل في العقود أنها رضائية؛ أي أنها تنعقد بمجرد ارتباط القبول بالإيجاب سواء تم ذلك كتابة أو مشافهة أو حتى بالإشارة المألوفة من الأخرس أو غير الأخرس. ويصدق هذا الكلام كأصل عام على الأشياء كافة المنقولة وغير المنقولة كالعقارات.
وعلى هذا الأساس فإن الأصل في التبادل التعاقدي هو الابتعاد عن الشكل الذي يتجلى في ضرورة صب العقد في قالب معين لا يجوز الخروج عليه كما كان الحال لدى الرومان، لأن اشتراط الشكل سيؤدي إلى وضع قيود على حركة التعاقد، قد يأباها العصر الذي يجنح نحو سهولة التعاقد وسرعته خدمته لحركة الإنسان الاقتصادية والحضارية.
ومع ذلك نظر المشرع إلى بعض الأشياء الهامة، أو ذات الأثمان العالية نظرة اهتمام وعناية؛ ولم يشأ تركها دون تنظيم، وسجلات دقيقة تحول دون حصول المنازعات بشأنها، ومن ذلك العقارات وما يرد عليها من تصرفات قانونية، إذ أخضعها القانون لإجراءات شهرية معينة، ولا يتم أي من هذه التصرفات إلا بإتمام هذه الإجراءات.
والغاية الأساسية من وجود هذه القيود التي تختص بالعقارات وما يترتب عليها من حقوق عينية أصلية أو تبعية؛ هي وضع التنظيم القانوني والميداني الدقيق لأهم عنصر من عناصر الثروة الوطنية، ومعرفة عائدية هذه العقارات بسجلات تتمتع بحجية قاطعة في مواجهة الكافة. ويستطيع مشتري العقار أو أي شخص ذو مصلحة العلم بكل ما يتعلق بالعقار مساحة وموقعاً، والعلم بصاحبه، وبالحقوق المترتبة عليه عند إجراء أي معاملة على هذا العقار. وتكاد الدول تجمع على ضرورة وجود نظام يبصّر الناس بما لهم وما عليهم، ولكن بعض هذه الدول أعطت نظام الشهر العقاري أكثر مما يستحق ، وربما خرجت على الغاية الأساسية التي جاء من أجلها وهي التنظيم إلى اعتبار هذه الإجراءات ركناً لانعقاد البيع، بحيث يعد العقد باطلاً عند عدم توافر هذا الركن، بل والأكثر من ذلك حرمان المشتري من حق مطالبة البائع بالتنفيذ العيني الجبري إذا كان محل العقد عقاراً حتى ولو كان هذا التنفيذ ممكناً وغير مرهق للبائع. وما يستطيع المشتري فعله هو المطالبة بالتعويض ليس إلا. وكل ذلك كما سيلاحظ القارئ الكريم يأتي بخلاف الأصل العام الذي يخول المشتري حق المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري، بل وخلاف المنطق القانوني فلا يوجد أي مسوغ لحرمان مشتري العقار من هذا الحق، في الوقت الذي باع فيه المالك عقاره باختياره وبكامل قواه. والمشرع كما نعلم منزه من أن يجعل أحد طرفي العقد يلعب بمقدرات الطرف الآخر بحصانة قانونية لا تجد ما يبررها على الإطلاق.
وعلى كل حال فأن النظم القانونية محل دراستنا ستنقسم إلى أربعة:
أولها من جسد الغاية التنظيمية من التسجيل وأبقى على القاعدة الأساسية وهي أن العقود التي ترد على العقارات تنعقد بذات العقد، مما يؤدي إلى انتقال الملكية بمجرد التعاقد،
وثاني هذه النظم من أبقى على مبدأ الرضائية في العقود التي ترد على عقار، فلم يغير التسجيل من طبيعتها الرضائية مع تراخي أثر واحد من آثار العقد لحين التسجيل ؛ وهو انتقال الملكية، وبموجب هذين النظامين يتيسر للمشتري طريق المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري عند نكول البائع عن تنفيذ التزامه.
وثالث هذه الأنظمة ما ذهب إلى أن التسجيل في دائرة التسجيل العقاري يأتي للانعقاد بحيث يعتبر العقد باطلاً دون استيفاء هذا الشكل . ونظراً لكثرة الانتقادات لهذا النظام وعقمه وخلقه الكثير من المتاعب، والحيف بالنسبة لطائفة كبيرة من مشتري العقارات، حاولت الدول التي أخذت به تزويقه وتجميله دون أن تجرؤ على تغييره، ففتحت أبواباً للتنفيذ العيني الجبري دون أن تفتح باب التنفيذ العيني الجبري على مصراعيه.
أما النظام الرابع وهو ما يمثله القانون الأردني فهو نظام حائر لم يأخذ بأي من هذه الأنظمة بشكل واضح، وجاء التنظيم القانوني لهذه المسألة الحساسة والهامة مشوشاً بسبب عدم اتساق النصوص القانونية وتناقضها.
، موقف القضاء الأردني الذي حسم الموقف باعتبار التسجيل ركناً للانعقاد وأوصد الباب أمام المشتري الذي لا يستطيع المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري عند نقول البائع عن الصفقة. وبهذا الاتجاه القضائي يكون الموقف في مبرر. قد أخذ بالجزء العقيم من النظام الثالث أي بالجزء المنتقد دون تلطيفه، حتى بما أخذ به النظام الثالث. وفي ذلك خروج واضح على الشريعة الإسلامية والاتجاه العام في أغلب النظم القانونية المعاصرة.
وفي هذه الدراسة سنحاول تحليل الوضع القانوني في الأردن من الناحيتين النظرية والعملية لملاحظة ومتابعة النصوص القانونية ووضعها أمام القارئ لمعاينة دقة تفسيرها وصحته وتطبيقها ومعرفة النظام القانوني الأصلح لمثل هذا الموضوع الخطير. وسندلل على كل ما يرد بما لدينا من حجج تعيننا على الإقناع، من أجل إنصاًف طرفي العقد ووضع البائع والمشتري على وجه الخصوص والدائن والمدين على وجه العموم على جادة المساواة دون محاباة أحدهما على حساب الآخر بلا مبرر .
المبحث القاعدة:بيعة العقد وحق الدائن في المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري كأصل عام
قبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بد لنا أن نعرف الأصل العام لانعقاد العقود سواء في الشريعة الإسلامية وفقهها أو في القوانين الوضعية المعاصرة، وهل أن هذا الأصل يميل نحو تيسير الانعقاد من باب تسهيل التعامل والتداول بين الناس، ويجعله القاعدة الأساسية، التي لا يحق التوسع في الاستثناءات الواردة عليها إلا في حالات الضرورة، أم العكس هو المعول عليه، أي اعتماد الشكل كلما سنحت الفرصة لذلك، لضبط التعامل والتداول بين الناس بسبب تشابك العلاقات التعاقدية، وحاجتها إلى مزيد من الإجراءات التي لا ينعقد العقد دون استيفائها؟ومن أجل ذلك سنلاحظ الموقف المعمول به في الشريعة والفقه الإسلاميين ثم في النظم القانونية المختلفة لكي نحدد وجهتنا القانونية السليمة بهذا الشأن.
أولاً: القاعدة :الأصل أن ينفذ المدين التزامه عيناً
الأصل في تنفيذ الالتزامات هو التنفيذ العيني. أي وفاء المدين بعين ما التزم به. فالتنفيذ العيني هو حق للدائن فلا يستطيع المدين أن يعدل عنه إذا كان ممكناً وينفذ التزامه بطريق التعويض. كما أنه حق للمدين فليس للدائن أن يرفض التنفيذ العيني ويطالب المدين بالتنفيذ بمقابل (التعويض). إلا أنه وإذا كان التنفيذ العيني هو الأصل. فإن للدائن أن يلجأ إلى التنفيذ بمقابل كطريق احتياطي للتنفيذ. وذلك في الحالات التي لا تتوفر فيها شروط التنفيذ العيني الآتي ذكرها.
ثانياً: شروط التنفيذ العيني ( م 203 مدني)
الشرط الأول: أن يكون التنفيذ العيني ممكناً:
يجب لإمكان إجبار المدين على التنفيذ العيني للالتزام أن يكون هذا التنفيذ ممكناً. فإذا كان تنفيذ الالتزام مستحيلاً فلا يمكن جبر المدين على القيام به. إذ لا جدوى من المطالبة بالمستحيل. فإذا كانت استحالة التنفيذ ناجمة عن سبب أجنبي عن المدين فإن الالتزام ينقضي ولا يلتزم المدين حتى بالتعويض. أما إذا كانت الاستحالة ناجمة عن فعل المدين وخطئه فإنه يكون مسئولاً عن تعويض الدائن. على أنه يجب أن نلاحظ أن الالتزام بدفع مبلغ نقدي حتى وإن تعذر تنفيذه في حالة إفلاس أو إعسار المدين فإنه لا يعتبر مستحيلاً. ودليل ذلك أنه إذا أعقب الإفلاس يسار يسمح بالتنفيذ في أي وقت. فإن التنفيذ يتم عيناً مع حفظ حق الدائن في المطالبة بالتعويض عن التأخير.
ويعتبر من قبيل الاستحالة التي تمنع من تنفيذ الالتزام عيناً تلك الحالات التي يرتبط فيها تنفيذ الالتزام بشخص المدين الممتنع عن التنفيذ. فمثلاً. إذا كان الملتزم طبيباً شهيراً لا يقوم غيره بإجراء نوع معين من العمليات الجراحية أو كان وحده محل ثقة المريض ثم امتنع عن إجرائها. فإن الامتناع يعد من قبيل الاستحالة التي تحرم الدائن من التمسك بالتنفيذ العيني لما في التنفيذ من مساس بشخص المدين وما يؤدي إليه من مصادرة لحرية المدين. لكن يمكن إجبار المدين الممتنع في هذا الفرض بطرق أخرى مثل الغرامة التهديدية. فإن لم يفلح هذا الطريق فليس أمام الدائن سوى الاكتفاء بالتعويض.
الشرط الثاني: ألا يكون التنفيذ العيني مرهقاً للمدين:
أجاز المشرع للقاضي بناءً على طلب المدين أن يرفض التنفيذ العيني إذا كان مرهقاً للمدين. لكن المشرع ألزم القاضي في هذه الحالة أن يتوثق من أن ذلك لا يسبب ضرر جسيم للدائن.
والمقصود بالتنفيذ العيني المرهق تلك الفروض التي يكون فيها تنفيذ الالتزام ممكناً في حد ذاته ولكنه يلحق بالمدين ضرراً جسيماً يتعلق تقدير خطورته بما لقاضي الموضوع من سلطة وقدرة على التحق من الضرر ومدى جسامته في كل حالة على حدة. ونحن نعتقد أن المشرع كان يهدف من وراء هذا المبدأ الالتزام بحسن النية في تنفيذ الالتزامات والمطالبة بها؛ ذلك أن إصرار الدائن على التنفيذ العيني بالرغم من كونه مصدر جسيم للمدين يعتبر تعسفاً في استعمال حقه مما يتعارض مع مبدأ حسن النية الذي يحكم تنفيذ الالتزامات.
واستكمالاً لهذا المنطق فإن المشرع اشترط للعدول عن التنفيذ العيني إلى التنفيذ بمقابل ألا يترتب على هذا العدول إلحاق ضرر جسيم بالدائن؛ ذلك أن الدائن لا يمكن أن يوصف بالتعسف في هذا الفرض لأن مصلحته في هذه الحال هي الأولى بالرعاية لأنه يطالب بالأصل في تنفيذ الالتزامات.
الشرط الثالث: أعذار المدين:
أعذار المدين شرط ضروري لإجبار المدين على تنفيذ التزامه إذا امتنع عن التنفيذ اختياراً. ويعتقد البعض أن الأعذار ليس شرطاً للتنفيذ العيني. ويدلل أصحاب هذا الرأي على صحة ما يقولونه بأن التنفيذ العيني يتم باختيار المدين بالإضافة إلى أن التنفيذ العيني قد يقع بقوة القانون كما هو الحال في نقل الحقوق العينية الواردة على منقولات معينة بالذات. وفي كلتا الحالتين فلا حاجة للأعذار. ونحن نعتقد على خلاف الرأي السابق بصحة شرط الأعذار؛ ذلك أن الأعذار أمر ضروري ومقدمة لازمة قبل اللجوء إلى إجباره على التنفيذ لسببين:
فمن ناحية أولى. لا يتصور أن يقضي القاضي بالتنفيذ العيني إلا بعد مطالبة الدائن للمدين بتنفيذ التزامه عيناً. ويعتبر الأعذار شكلاً رسمياً لهذه المطالبة. ومن ناحية ثانية. فإن النص التشريعي واضح في اعتبار الأعذار شرطاً لازماً لإمكان إجبار المدين على التنفيذ العيني.
أما عن إجراءات الأعذار فإن المشرع بين هذه الإجراءات ونص في المادة219 مدني على أن أعذار المدين يكون بإنذاره أو بما يقوم مقام الإنذار. ويجوز أن يتم الأعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في قانون المرافعات. كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل ودون حاجة إلى أي إجراء آخر. والإنذار المقصود هنا هو الذي يتم على يد محضر أو الذي يقوم الدائن بتسليمه للمدين مباشرةً مادام أنه تضمن البيانات التي يجب أن يتضمنها الإنذار. أما ما يقوم مقام الإنذار هو أي ورقة رسمية يوجهها الدائن إلى المدين يطالبه فيها بتنفيذ التزامه مثل إعلان السند التنفيذي أو صحيفة التكليف بالحضور. أما الأوراق غير الرسمية فإنها لا تقوم مقام الأعذار.
على أن يلاحظ أن القاعدة السابقة المتعلقة بوجوب الأعذار لا تتعلق بالنظام العام. أي يجوز للمتعاقدين الاتفاق على أن يكون الأعذار بأي طريق من الطرق حتى وإن كان ذلك باعتبار المدين معذراً لمجرد حلول أجل الوفاء. كذلك يجوز الاتفاق ومن باب أولى أن يتم الأعذار ولو بورقة غير رسمية أو حتى بالإخطار الشفوي. على أنه يصعب على الدائن في الحالة السابقة إثبات إتمام الأعذار.
وإذا كان جائزاً للمتعاقدين الاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار كما سبق وذكرنا. فإن المشرع نفسه قد أورد أربعة حالات استثنائية لم يتطلب فيها إعذاراً ( م 220 مدني ) وهي: إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين. إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب عن عمل غير مشروع. إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق أو شيء تسلمه دون وجه حق وهو عالم بذلك. إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه.
المبحث الثاني الغرامة التهديدية
أولاً:تعريف الغرامة التهديدية وأصلها القانوني
الغرامة التهديدية أو التهديد المالي هو وسيلة لجبر المدين على تنفيذ التزامه بعمل إذا كان هذا التنفيذ يستلزم تدخله الشخصي. وذلك عن طريق صدور حكم قضائي بإلزام المدين بالتنفيذ مع حكم آخر تهديدي بإلزامه بمبلغ من النقود يتزايد مع استمرار إصراره على الامتناع عن تنفيذ التزامه ( م 213 مدني). وهذا النظام نظام مستحدث في القانون المصري وليس له نظير في القانون المدني الفرنسي. وإنما أخذه المشرع المصري مما كان القضاء يسير عليه في مصر وفرنسا.
ثانياً:شروط الحكم بالغرامة التهديدية
الشرط الأول:أن يكون تنفيذ الالتزام ممكناً
لأن الغرامة التهديدية تهدف إلى حمل المدين على تنفيذ التزامه فيجب أن يكون هذا التنفيذ ممكناً. فإذا أصبح التنفيذ مستحيلاً فلا جدوى من الحكم بالغرامة التهديدية.
الشرط الثاني:أن يكون التنفيذ غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين بنفسه
مجال الغرامة التهديدية هو مجال التزام المدين بعمل. فيجب أن يكون التنفيذ غير ممكن إلا إذا قام به المدين بنفسه. ومثاله إذا التزم مهندس بالقيام بعمل فني معين لا يتقنه غيره أو لا يمكن الوثوق في إتمامه على النحو الأمثل إلا بقيامه به شخصياً. كما يجوز الحكم بالغرامة التهديدية حينما يكون محل الالتزام هو الامتناع عن عمل. وفي هذا الفرض يمكن الحكم على المدين بمبلغ من المال عن كل مرة يقوم فيها بالعمل الذي التزم بالامتناع عنه.
ثالثاً:طبيعة الحكم بالغرامة التهديدية
الحكم بالغرامة هو حكم تهديدي وقتي ولا يحوز حجية الأمر المقضي به فهو ليس حكماً قطعياً. لذلك لا يراعى في تقدير الغرامة أن تكون متناسبة مع مقدار الضرر لأنها ليست تعويضاً عن عدم التنفيذ. ولكن يغلب أن يكون مقدار الغرامة مبالغاً فيه حتى يتحقق الغرض منه في حمل المدين على الوفاء بالتزامه. وتقدر الغرامة عن كل فترة زمنية يتأخر فيها المدين عن التنفيذ كأسبوع أو شهر. ويجوز للقاضي أن يعدل عن الحكم بالغرامة أو يقلل من مقدارها أو يزيد فيه إذا رأي ضرورة لذلك. وإذا نفذ المدين التزامه فإنه سيطلب من القاضي أن يخفض مقدار الغرامة ولا يحكم عليه إلا بتعويض عن التأخير في تنفيذ التزامه.
رابعاً:أثر الحكم بالغرامة التهديدية
بما أن الحكم بالغرامة حكم وقتي. فإن مصيره إلى إعادة النظر فيه ولا يكون واجب النفاذ. كما أن المبلغ المحكوم به لا يعتبر دينا ًمحققا ًفي ذمة المدين وبالتالي فلا يجوز للدائن أن ينفذ به على أموال المدين. بل يجب عليه أن ينتظر حتى يعاد النظر في قيمة الغرامة ويحكم له بالتعويض النهائي. وعلى ذلك فأثر الحكم بالغرامة يجب أن نميز فيه بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا نفذ المدين التزامه. فإنه يعاد في هذه الحال النظر في مقدار الغرامة ويحكم عليه بتعويض عن التأخير في تنفيذ التزامه.
الحالة الثانية: إذا استمر المدين في عناده ولم ينفذ التزامه. فإنه لا جدوى من الاستمرار في الحكم بالغرامة عليه لأن تهديده بها أصبح عديم القيمة. وفي هذا الفرض يلتفت القاضي عن قيمة الغرامة عند تقدير التعويض النهائي الذي يطلب الدائن الحكم به عن عدم التنفيذ.
لغة : تحقيق الشيء وإخراجه من حيز الفكر إلى حيز التطبيق والواقع. اصطلاحا له معنيين موضوعي والآخر إجرائي. المعنى الموضوعي هو الوفاء بالالتزام والوفاء إما يكون اختياريا أو يكون قهريا ذلك أن بعض الفقه يميز في رابطة الالتزام بين عنصري المديونية والمسؤولية فيكون الوفاء اختياريا عندما يستجيب المدين لعنصر المديونية في الالتزام. أما إذا امتنع المدين عن التنفيذ كأن يتأخر عن الوفاء بالالتزام فلا مفر من إدراج عنصر المسؤولية في الالتزام ومن ثم يلجأ إلى التنفيذ الجبري عليه من خلال لجوء الدائن إلى السلطة العامة لمطالبتها باقتضاء حقه، ومن ثم هناك بعض الفقه من يستعمل لفظ الوفاء للدلالة على التنفيذ الاختياري ولفظ الاقتضاء للدلالة على التنفيذ الجبري أو القهري، ولا يثير التنفيذ الاختياري أية مشكلة إجرائية، إلا في حالة واحدة وهي عندما يرفض الدائن ما يعرضه عليه المدين، ففي هذه الحالة يقوم المدين بعرض ما وجب عليه أداؤه عرضا فعليا بأن يودعه بقلم كتاب المحكمة ثم يطلب من هذه الأخيرة بأن تقضي له بصحة العرض إبراء لذمته التنفيذ الإجرائي أو الجبري : يقصد به مجموعة الإجراءات اللازم اتخاذها لتنفيذ السند عن طريق القوة عند رفض المدين التنفيذ الاختياري والقاعدة الأساسية للتنفيذ الإجرائي أو الجبري هي أن لا يجوز للشخص أن يقتضي حقه بنفسه بل يجب اللجوء إلى السلطة العامة لأن في ذلك حماية لحقوق الدائن والمدين والغير الذي قد يحتمل المساس بالمال الذي بين يديه لو ترك الأمر بيد الدائن لينفذ كيفما يشاء.
التنفيذ الجبري قد يكون عينيا وقد يكون بمقابل، فيسمى الأول في الاصطلاح القانوني بالتنفيذ المباشر، بينما يسمى الثاني بالتنفيذ غير المباشر. فالتنفيذ العيني هو حصول الدائن على عين ما التزم به المدين وهو الأصل في التنفيذ فإذا استحال التنفيذ العيني كهلاك العين المطلوب تسليمها فإن هلاكها يشكل مانع مادي يستحيل معه التنفيذ العيني وفي هذه الحالة يبقى أمام المنفذ اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم بالتعويض وهو ما يسمى التنفيذ غير المباشر إلا إذا كان محل الحجز أو التنفيذ مبلغا من النقود فيكون التنفيذ مباشرا عن طريق الحجز على المال وهو في هذه الحالة مبلغ النقود. فكلما كان محل الحق هو محل التنفيذ كنا بصدد تنفيذ عيني أو تنفيذ مباشر. أما التنفيذ غير المباشر فهو البديل الذي يحصل عليه الدائن مقابل عدم الوفاء بمحل الالتزام بعينه ومن أمثلة التنفيذ المباشر: التزام المدين بتسليم عين معينة كتسليم الشيء المبيع أو العقار فإنه يكون ملزما بتمكين الدائن من تلك العين ما دامت موجودة فإذا لم يتم التنفيذ اختياريا وجب الحجز وتسليمها إلى صاحبها وذلك بتحرير محضر لهذا الغرض وفي هذا تنص المادة 338 فقرة 01 قائم جزائري: ( إذا كان المدين ملزم بتسليم شيء منقول أو كمية من الأشياء المنقولة أو أشياء مثلية فإن مثل هذه الأشياء تسلم إلى الدائن ). أما التنفيذ غير المباشر فهو التنفيذ بطريق الحجز كلما كان محل الالتزام مبلغا من النقود سواء كان ذلك من الأصل كقرض محله مبلغ من النقود أو كنا بصدد تنفيذ بمقابل تحول فيه محل الالتزام إلى مبلغ من النقود يمثل المبلغ الذي حكم به القاضي كتعويض لفسخ العقد أو لهلاك العين التي تمثل محل الالتزام.
هل كل تنفيذ حجز ؟ وهل كل حجز تنفيذ ؟
إن معيار التفرقة بين التنفيذ المباشر وغير المباشر هو في محل الالتزام المطلوب تنفيذه فإن كان مبلغا من النقود كان الحجز هو مبلغا لتنفيذ الحجز على المبلغ المالي إن كان موجودا.
أما إذا كان عينا أو عملا أو امتناعا عن عمل فالأصل هو اقتضاء الحق عينا ما لم يكن هذا العمل أو الامتناع مما يحتاج إلى تدخل المدين شخصيا بحيث يكون التزامه بالتنفيذ المباشر اعتداء على شخصه وهو ما يشكل مانع أدبي يحول دون القيام بالتنفيذ المباشر، غير أن القضاء الفرنسي قد ابتدع وسيلة قانونية لمواجهة هذه الأحوال التي يكون فيها تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين شخصيا وتعرف هذه الوسيلة بالإكراه المالي وهي الحكم على المدين بمبلغ مالي عن كل يوم تأخير في أدائه لالتزامه، والغرامة بهذا المعنى ليست تعويضا فلا يراعى فيها التناسب مع الضرر وإنما يراعى كفايتها للضغط على المدين حتى يقوم بإجراء التنفيذ العيني وللقاضي أن يزيد فيها أو ينقص منها حسب أحوال المدين.
وتسمى بالغرامة التهديدية المادة 174 قام جزائري والمادة 171 قاإ جزائية جزائري وثمة أحكام لا يتصور تنفيذها بطريق الحجز كالحكم ببطلان عقد أو فسخه، ففي هذه الأمثلة يكون تنفيذها عينا باعتبار العقد موجود والتصرف على ذلك الأساس أو الحكم الذي يقضي بالإخلاء أو بالهدم أو الترميم أو إقامة بنيان معين لا يتم تنفيذه بطريق الحجز بل يتم تنفيذه مباشرة حسب مقتضيات كل حالة.
هل كل حجز تنفيذ ؟؟
نميز بين نوعين من الحجز: التحفظي والتنفيذي:
الحجز التحفظي: وهو بدوره نوعان تحفظي وتحفظي استحقاقي.
1) الحجز التحفظي : وهو إجراء وقائي كحجز منقولات المدين خشية فراره أو تهربيه لهذه الأموال وهو يهدف إلى ضبط المال المحجوز ووضعه تحت يد القضاء، ومن ثم لا يشترط فيه وجود السند ولا يسبقه إعلان لهذا السند أو تكليف بالوفاء ولا يعقبه بيع لأنه ليس حجز تنفيذي. ملاحظة : الرهن الرسمي هو رهن بإرادة الطرفين والرهن بأمر من القاضي هو رهن بالتخصيص كالعقار بالتخصيص. ولدينا حق الامتياز ويكون إما بإرادة الطرفين أو بأمر من القاضي أو بنص القانون. حق الإرتفاق معناه مساعدة العقار المجاور بما ينقصه من مصالح وهو يخص العقار. من أمثلة حقوق الامتياز الأجور والنفقة. كل من الرهن الرسمي والرهن بالتخصيص وحق الامتياز وحق الارتفاق هي حقوق تدخل ضمن الحقوق العينية التبعية.
2) الحجز التحفظي الإستحقاقي : هو أيضا حجز تحفظي وهو الحجز الذي يوقع مالك المنقول أو صاحب حق عيني آخر عليه خوله حق التتبع في يد من يحوزه تمهيدا لتسلمه، فليست الغاية من هذا الحجز بيع الأموال المحجوزة بل إعادة المال المنقول إلى الشخص الذي يدّعي أنّ له حق امتياز أو حق ملكية.
‚ الحجز التنفيذي : وهو وضع المال، مال المدين تحت يد القضاء تمهيدا لبيعه وليس الحجز تنفيذا بذاته ولكنه يمهد له فلا يتحقق التنفيذ إلا ببيع الأموال المحجوزة وسداد حق الدائن من ثمنها على انه قد توقف إجراءات التنفيذ إذا قام المدين بالوفاء الاختياري فينقضي الدين حينئذ ويسقط الحجز ويزول أثره. للتنفيذ بهذا المعنى مرحلتان:
مرحلة 01 : وهي الحجز والغرض منها وضع المال المطلوب التنفيذ عليه تحت يد القضاء.
مرحلة 02 : وهي بيع ذلك المال جبرا واستيفاء حق الدائن من ثمنه. وللحجز بكل أنواعه وظيفة تحفظية هي تقييد سلطة المدين على مال معين حماية لحق الحاجز، غير أن للحجز التنفيذي وظيفة أخرى تتمثل في تحديد الأموال التي ستنتزع ملكيتها وهي الوظيفة التنفيذية للحجز التنفيذي.
ملاحظة : تتفق المذاهب الإسلامية على إباحة التنفيذ بالبيع الجبري وهي متفقة على أحكامه إذ توجب هذه المذاهب مراعاة الموازنة بين مصلحة الغرماء ومصلحة المدين في نفس الوقت، فيبدأ الحاكم أو المنفذ ببيع الأيسر فالأيسر من العروض فإن لم يكفي ثمنها بيع العقار ما عدا ما لا يستغني عنه في حياة المدين كمنزله وملابسه، غذاؤه، فراشه وأشياء من يعوله، ويجب أن يكون البيع بثمن المثل وإلا ّ لزم الفسخ وتقسم حصيلة التنفيذ بين الغرماء – الدائنين -. والقاعدة العامة في التنفيذ أن جميع الدائنين متساوين ما لم يكن هناك دائن ممتاز كأصحاب الرهن. فالأحكام الشرعية متفقة مع القانون الوضعي في خصوص البيع الجبري (أول بيع جبري تم في عهد الرسول على أموال معاذ بن جبل ).
المبحث الثاني: أركان التنفيذ
التنفيذ هو تصرف قانوني يوجد علاقة قانونية وينشئ التزامات وحقوق للطرفين مثل تلك التي تنشأ عند قيام الدعوى أو الخصومة القضائية فالتنفيذ يشكل دعوى حقيقية تدعى خصومة التنفيذ، وهي علاقة إلزامية بأمر المشرع ومصدرها القانون، فالقانون ينظم علاقات الأفراد بإنشائه للحق الموضوعي وكذلك الحق في الدعوى للمطالبة بالحق الموضوعي مما يتطلب كذلك الحق في التنفيذ الذي نحن بصدده، فما هي إذن أركان خصومة التنفيذ ؟
أركان التنفيذ : أشخاص التنفيذ + موضوع أو محل التنفيذ + سبب التنفيذ.
مطلب 01 : أشخاص التنفيذ : من بين أشخاص التنفيذ لدينا:
1 .طالب التنفيذ وهو الدائن أو الحاجز
2 .من يجري التنفيذ ضده وهو المدين أو المحجوز عليه وفي بعض الأحيان يقتضي التنفيذ تدخل الغير فيصبح هذا الغير من أشخاص التنفيذ.
3 .السلطة العامة التي يتم التنفيذ تحت سلطتها.
- طالب التنفيذ : وهو الدائن ومن بين الشروط التي يجب توافرها فيه أن يكون دائن فعلا أي أن له مصلحة في التنفيذ وان تتوافر لديه كذلك أهلية التقاضي كما يجب أن تثبت له صفة الدائن من وقت بدأ الحجز فإذا لم يكن دائنا إلا بعد الحجز فحجزه باطل بطلانا مطلقا تطبيقا للمادة 454 قاإ جزائية. وتطبيقا لنص المادة 50 قام.ج، التي تعطي للشخص المعنوي حق التقاضي فإن لهذا الأخير حق في التنفيذ.
- انتقال الحق في التنفيذ: إذ يحق لخلف الدائن أن يطلب التنفيذ كأثر من آثار انتقال الحق موضوع السند، فينتقل الحق في التنفيذ بطريق الحوالة أو الإرث أو الوصية.
كما يجوز التنفيذ بمعرفة نائب أو وكيل الدائن سواء كانت النيابة اتفاقية أو قانونية، فعند وفاة طالب التنفيذ للورثة متابعة الإجراءات التي اتخذها مورثهم بعد إعلان من يجب التنفيذ ضده بصفتهم ورثة انتقل الحق إليهم المادة 331 قاإم: ( إذا توفي من صدر الحكم لمصلحته قبل أن يباشر التنفيذ، يلزم ورثته الذين يطلبون التنفيذ بإثبات صفتهم، فإذا حصلت المنازعة في صحة هذه الصفة فإن القائم بالتنفيذ يحرر محضرا بذلك ويحيل الخصوم إلى الجهة القضائية المختصة وإنما يجوز له أن يقوم بإجراءات الحجز التحفظي لحفظ حقوق التركة ).
I- من يجري التنفيذ ضده (المدين ): وهو الشخص المحجوز عليه إذا كان التنفيذ حاصلا بتنفيذ الحجز كما يعبر عنه المدين إذا كان هو فعلا المدين الأصلي وتعلق الأمر بدين إلا أن عبارة من يجري التنفيذ ضده أوسع من حيث المفهوم لأنها تشمل الكفيل العيني وحائز العقار المرهون، فالأصل أن يتم التنفيذ على المدين ولكن يجوز استثناء التنفيذ على غير المدين كما أن هناك طائفة من المدينين لا يمكن التنفيذ عليهم أو ضدهم.
التنفيذ على غير المدين : وابرز مثال على هذه الحالة التنفيذ ضد الكفيل المادة 644 قام.ج، ويجري التنفيذ على العقار المرهون وهو في يد حائزه بمقتضى حق التتبع المقرر بيد الدائن المرتهن فإن التنفيذ يقع ضد الحائز الذي انتقلت إليه حيازة العقار المرهون مع انه ليس مدينا المادة 911 قام.ج.
المدينون الذين لا يمكن التنفيذ عليهم : وهم:
- الدولة والأشخاص المعنوية العامة : سواء كانت هذه الأموال المطلوب التنفيذ عليها من الممتلكات العامة أو الخاصة وذلك في التشريعات التي تفرق بين الممتلكات العامة والخاصة في الدولة كما هو الحال في القانون الفرنسي والقانون الجزائري، قانون 13/04/1990 ، في هذا الصدد تنص المادة 688 قام.ج: ( تعتبر أموال الدولة، العقارات والمنقولات التي تخصص بالفعل أو بمقتضى نص قانوني لمصلحة عامة أو لإدارة أو لمؤسسة عمومية أو لهيئة لها طابع إداري ) . وتنص المادة 689 قام.ج: ( لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم غير أن القوانين التي تخصص هذه الأموال لإحدى المؤسسات المشار إليها في المادة 688 تحدد شرط إدارتها وعند الاقتضاء عدم التصرف فيها ).
- الدولة الأجنبية ورجال السلك الدبلوماسي : وهي الحصانة المقررة في القانون الدولي العام لعلاقة ذلك بسيادة الدولة الأجنبية ويدخل ضمن هذا العنصر ممتلكات رجال السلك الدبلوماسي غير أن هذه القاعدة قاصرة على المنقولات اللازمة لوظيفتهم الإدارية غير أن جميع ما يوجد داخل السفارة أو القنصلية تشمله الحصانة فلا يجوز التنفيذ عليهم.
أهلية من يجوز التنفيذ ضده : يرى بعض الشرّاح انه يشترط فيمن يقوم بالتنفيذ أهلية التصرف متى كان الغرض هو نزع ملكية المدين في بعض أمواله. غير أن القانون يستلزم في المنفذ عليه أن يكون أهلا للتصرفات لأن هذه الإجراءات تستهدف أمواله دون اعتبار لإرادته فإجراء التنفيذ الجبري على أموال المدين لا تعتبر تصرفا إراديا وبالتالي فهي لا تتوقف على إرادته وان كان من الضروري لصحة الإجراءات أن توجه إلى النائب القانوني في حالة التنفيذ على ناقص الأهلية وكل إجراء من إجراءات التنفيذ الموجه ضد ناقص الأهلية أو عديمها أو ضد الشخص المعنوي فيجب أن تتم ضد من يمثل هؤلاء وكل إجراء يتخذ ضد هذه الطائفة من غير أن يكون له ممثل فانه يكون إجراء باطل بطلانا مطلقا ولا يمكن الاحتجاج في هذه الحالات بعدم اعتراف المعني بالأمر القاصر أو عديم الأهلية لأنه ليس هناك دخل لإرادته تجاه هذه الإجراءات ذلك أن الأمر متعلق بمركز قانوني وعلى المحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها.
طوارئ التنفيذ المتعلقة بالمدين :
إذا طرأ على أهلية المدين ما يمنع إتمام إجراءات التنفيذ على شخصه يجوز لطالب التنفيذ متابعة هذه الإجراءات ضد ممثله القانوني دون إبطال الإجراءات السابقة.
في حالة الوفاة : إذا انتقلت ملكية المال المحجوز إلى الورثة ولم يكن الدائن قد بدأ في إجراءات التنفيذ فعلى هذا الأخير أن يعلم هؤلاء الورثة بسند التنفيذ (تبليغهم بسند التنفيذ) ولهؤلاء مهلة 20 يوما طبقا لنص المادة 332 قاإم: ( إذا توفي من صدر الحكم ضده قبل التنفيذ عليه يبلغ الحكم إلى ورثته ولهؤلاء مهلة عشرين يوما من تاريخ تبليغهم الحكم إلا في حالة إذا ما اتبعت أحكام المادة 86 )، يتدبرون أمرهم فيها فيمنع على المنفذ خلال هذه الفترة القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ. والحكمة من ذلك هي إعطاء فرصة للورثة لجمع المال اللازم أو على الأقل تقدير ما ينبغي عمله بشأن التنفيذ أما إذا توفي المدين بعد البدء في التنفيذ ففي هذه الحالة يباشر المنفذ الإجراءات اللازمة على تركة المدين المتوفى إلا أن هذه الإجراءات تتم ضد ورثته.
صدور حكم شهر الإفلاس : من طوارئ التنفيذ الخاصة بالمدين التاجر صدور حكم شهر إفلاسه إذ أن نظام الإفلاس يوقف الإجراءات الفردية فلا يجوز للدائن بعد شهر إفلاس مدينه توقيع حجز على أمواله أيا كان نوعه. غير أن هناك طائفة الدائنين المرتهنين الذين تحصنوا مسبقا ضد إفلاس مدينهم فلس هناك فائدة من منعهم من التنفيذ أو من استمرارهم في أن لهم أولوية على الثمن والأسبقية في الحصول عليه غير انه لصحة الإجراءات يجب أن تتم ضد وكيل التفليسة.
أما الدائنون العاديون فلا يمكنهم بدء إجراءات التنفيذ العقاري بعد حكم شهر الإفلاس، أما إذا كانوا قد بدأوها قبل شهر الإفلاس فعليهم الحصول على إذن من القاضي المنتدب لإدارة التفليسة لغرض الاستمرار في الإجراءات ضد وكيل التفليسة مع العلم أن البيع في هذه الحالة يتم لحساب جماعة الدائنين.
لا يجوز للدائن في البدء في إجراءات الحجز بعد الإفلاس لكن نظام الإفلاس نظام جماعي يحل محل الإجراءات الفردية.
- السلطة العامة كطرف في التنفيذ : تشكل الدولة الطرف الثالث في التنفيذ ممثلة بعمال التنفيذ وهم الأشخاص الذين تسند إليهم الدولة مهمة أو القيام بأعمال التنفيذ لغرض اقتضاء حق الدائن وتأخذ الدولة في هذا الإطار بأحد النظامين:
نظام قضاة التنفيذ : ومؤدّى هذا النظام تخصيص دائرة قضائية في كل محكمة لشؤون تقدم إليها أوراق التنفيذ (الأحكام المراد تنفيذها) وهي عادة الأحكام النهائية الحائزة على الصيغة التنفيذية ولكن لا يعني ذلك أن القضاة أنفسهم هم الذين يقومون بالتنفيذ، وإنما التنفيذ الفعلي يتم بواسطة المحضر وهو موظف إداري بقلم كتاب المحكمة يتولى مباشرة أعمال التنفيذ تحت إشراف القاضي المختص وهو رئيس دائرة التنفيذ تحت أوامره وتوجيهاته وإن لم يثر بشأن التنفيذ أي نزاع. ومن بين الدول التي أخذت بهذا النظام القانون الإيطالي، العراقي، السوري، اللبناني والقانون الجزائري.
ويمتاز نظام قاضي التنفيذ بما يلي:
- إجراء التنفيذ بمقتضى نظام قاضي التنفيذ يتم تحت إشراف القضاء.
- توحيد جهة التنفيذ.
- إمكانية الرجوع بسهولة إلى القاضي لتذليل عقبات التنفيذ
- قاضي التنفيذ هو المختص بإشكالات التنفيذ.
- يجوز لقاضي التنفيذ أن يطلب إيضاحات من القاضي الذي أصدر الحكم بشأن أي غموض أو بشأن كيفية تنفيذه.
نظام المحضرين : هم موظفون عموميين من رجال السلطة التنفيذية مكلفون قانونا بمباشرة إعلان الأوراق القضائية وإجراء التنفيذ الجبري بناء على طلب من ذوي الشأن ولهم أن يستعينوا في ذلك برجال الأمن تحت إجراء النيابة العامة وإذا امتنع المحضر عن التنفيذ جاز لصاحب الحق أن يرفع أمره إلى رئيس المحكمة باعتباره قاضي للأمور الوقتية وإذا ثار نزاع بشأن التنفيذ يرفع إلى نفس القاضي للفصل فيه. ويعتبر المحضر ممثل للسلطة العامة ووكيلا عن طالب التنفيذ إذ يعتبر تسليم السند التنفيذي إليه بمثابة وكالة للقيام بهذا التنفيذ، أما إذا تعلق التنفيذ بعقار فيتعين الحصول على وكالة خاصة في ظل هذا النظام.
وكانت الجزائر تأخذ بنظام معاوني التنفيذ الذي نظام المحضرين مع هذا الفارق وهو أن القائم بالتنفيذ في التشريع الجزائري كان للعاملين في المحاكم وله تفويض من القانون بمباشرة التنفيذ دون حاجة إلى اعتباره وكيلا عن طالب التنفيذ. غير انه بموجب القانون 91/03 المؤرخ في 08/01/1991 أصبح عمل المحضرين في القانون الجزائري مهنة أخرى وطبقا للمادة 03 من هذا القانون يباشر المحضر مهامه تحت مسؤولية ومراقبة وكيل الجمهورية للجهة القضائية المختصة إقليميا. ويكون التنفيذ بناء على طلب من صدر الحكم لمصلحته ويقوم به لأداة محضر الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو محضر المحكمة أو المحضر الداخل في دائرة اختصاصها مكان مباشرة التنفيذ.
ويستعين المحضر في هذه المهمة بأعضاء النيابة العامة في حالة الضرورة وإلى جانب ذلك يقوم المحضر بتبليغ الأوراق القضائية المطلوب تنفيذها. وطبقا للمادة 330 قاإم، يقوم المحضر بتبليغ النسخة التنفيذية للمحكوم عليه في مهلة 20 يوما وعند انقضاء هذه المدة إذا لم يتم التنفيذ الاختياري يباشر المحضر التنفيذ الجبري عملا بالمادة 336 قاإم: ( عند انقضاء ميعاد 20 يوما ... تباشر إجراءات التنفيذ ولا ي س وغ أن يجاوز التنفيذ القدر الضروري للوفاء بحق الدائن وتغطية المصروفات ).
فإذا كان المطلوب هو حجز منقولات المدين فإن المادة 342 قاإم: ( يصرح للكاتب القائم بالتنفيذ أن يفتح أبواب المنازل والحجرات والأثاث لتسهيل مأموريته وفي حدود ما تستلزمه مقتضيات التنفيذ )، تسمح للقائم بالتنفيذ بفتح أبواب المنازل والحجرات والأثاث لتسهيل مأموريته في حدود ما تستلزمه مقتضيات التنفيذ.
أما إذا كان المطلوب هو التزام بعمل أو الامتناع عن عمل ورفض المحكوم عليه تنفيذه فإن القائم بالتنفيذ يثبت ذلك في المحضر ويحيل الموضوع أمام المحكمة المختصة طبقا لما جاء في المادة 340 قاإم: ( إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل يثبت القائم بالتنفيذ ذلك في محضر ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة بالتعويضات أو التهديدات المالية ما لم يكن قد قضى بالتهديدات المالية من قبل )، وذلك إما للمطالبة بالتعويض أو للمطالبة بالتهديدات المالية مالم يكن قد قضي بها من قبل.
وفي حالة وجود إشكال في التنفيذ يرجع بشأنه إلى قاضي الأمور المستعجلة طبقا للمادة 183 فقرة 02 قاإم: ( وعندما يتعلق الأمر بالبت مؤقتا في إشكالات التنفيذ المتعلقة بسند تنفيذي أو أمر أو حكم أو قرار، فإن القائم بالتنفيذ يحرر محضرا بالإشكال العارض ويخبر الأطراف أن عليهم أن يحضروا أمام قاضي الأمور المستعجلة الذي يفصل فيه ).
- الغير كطرف في التنفيذ : تقتضي القاعدة العامة أن يكون للأحكام اثر نسبي مثل العقود فلا تفيد ولا تلزم إلا أطرافها، غير انه قد يتعدى اثر التنفيذ إلى شخص لم يكن طرفا في الحكم أو في العقد الرسمي المطلوب تنفيذه غير انه ليس المقصود بذلك أن الحكم هو في صالح هذا الغير. ولأن الأصل انه لا يجوز للمحكمة بأن تقضي لمصلحة شخص أو ضد مصلحة شخص لم يختصم أمامها، ولكن قد يتطلب تنفيذ الحكم إشراك الغير أو تدخله ومثاله حائز الشيء الذي يباشر التنفيذ عليه وفي هذا الصدد تنص المادة 341 قاإم:
( لا يجوز للغير أن يعترض على التنفيذ بادعائه أن له حق امتياز على هذا الشيء وإنما له أن يثبت حقوقه وقت توزيع الثمن ).
مطلب 02 : موضوع التنفيذ أو محله
الأصل أن التنفيذ لا يتم إلا على الأموال وهذا على خلاف ما كان عليه القانون الروماني القديم الذي كان ينفذ على شخص المدين. ولكن هناك حالات تجيز فيها بعض التشريعات التنفيذ على شخص المدين كوسيلة لإكراهه على الوفاء وهو ما يعرف بالإكراه البدني.
الإكراه البدن
قد نص ّ المشرع الجزائري عليه في المواد من 407 إلى 412 قاإم جزائري. وقد أجاز كذلك الفقه الإسلامي حبس المدين وذلك بشرط التفرقة بين الموسر والمعسر فمنع الفقه الإسلامي حبس المدين المعسر لأنه لا فائدة ترجى من وراء حبسه ولكن أجاز الفقه حبس المدين الموسر – الغني – الممتنع عن الوفاء بسبب تماطله وتقاعسه مع قدرته على الوفاء، مع العلم أن الإكراه البدني عمل به في فرنسا إلا انه ألغي بقانون صدر في جويلية 1867 حيث أوقف التنفيذ بالإكراه البدني في المواد المدنية واحتفظ به في المواد الجنائية، أما المشرع الجزائري فقد احتفظ بالإكراه البدني في المواد التجارية والمدنية كوسيلة استثنائية محدودة بعد استنفاذ الطرق العادية في التنفيذ وبشروط متعددة.
فنص ّ ت المادة 407 قاإم: ( يجوز في المواد التجارية وقروض النقود أن تنفذ الأوامر والأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به والتي تتضمن الحكم بدفع مبلغ اصلي يزيد عن 500 دج بطريق الإكراه البدني ولا يجوز التنفيذ بالإكراه البدني إلا بعد استنفاذ طرق التنفيذ المنصوص عليه في القانون ).
ويمكن استخلاص شروط التنفيذ بالإكراه البدني في التشريع على النحو التالي:
لا يجوز التنفيذ بالإكراه البدني إلا بعد استنفاذ طرق التنفيذ العادية – الحجز والغرامة المالية -
طبقا للمادة 409 قاإم يجب التنفيذ بالإكراه البدني في خلال 03 سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم لقوة الشيء المقضي به وإلا سقط الحق فيه – الإكراه البدني -.
طبقا للمادة 408 قاإم يجب أن يكون لطالب التنفيذ – الدائن – موطن بالجزائر.
أن يكون الدين المطلوب التنفيذ لأجله من المواد التجارية أو قروض النقود وان تكون قيمة هذا الدين أزيد من 500دج
أولا : التنفيذ الجبري وأنواعه: الأصل ان يقوم كل مدين بتنفيذ التزاماته اختيارا والوفاء بها طوعا امتثالا لعنصر المديونية وبدون تدخل السلطة العامة، لكنه اذا ماطل في ذلك جاز لدائنه ان يلجأ لهذه السلطة لإجباره على هذا الوفاء استنادا لعنصر المسؤولية وذلك بتمكين الدائن من سند تنفيذي اذا لم يكن بيده هذا السند واعلانه للمدين مع تكليفه بابراء ذمته. والا ارغم على ذلك بالطرق القانونية، لان قواعد العدالة لا تقتضي اللجوء الى القضاء لاستصدار احكام وحماية الحقوق فقط، بل تتعدى ذلك الى التمكين من اقتضاء هذه الحقوق لانه ( لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له) فالتنفيذ اذن هو الذي يترجم الاحكام الى واقع ملموس وبدونه تبقى مجرد توصيات لا طائل منها. وكما جاء في خطاب مولانا صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله بتاريخ 31/3/1982. " ومسؤولية التنفيذ هي اعتقد شخصيا.
اكبر المسؤوليات، ذلك ان عدم التنفيذ يصل به الانسان الى استنتاجين : الاستنتاج الاول: ان القضية لم تؤخذ بعين الاعتبار في الموضوع وحتى لو حكم فيها واعتقد المحكوم له والمحكوم عليه ان هذا على صواب وهذا على خطا فعدم التنفيذ او التماطل يجر المرء الى تفكير اخر وهو: "انحلال الدولة". فالتنفيذ الذي يعنينا الان في هذه الندوة هو التنفيذ الجبري الذي يجري عن طريق السلطة العامة وبالقوة الجبرية عند الاقتضاء
وهو على نوعين: التنفيذ الجبري العيني : والتنفيذ الجبري بالتعويض :
فالأول يحصل فيه الدائن على ذات ما التزم به المدين سواء كان مبلغا من النقود او القيام بعمل كفتح طريق ورسم لوحة او الامتناع عن عمل كعدم فتح محل او عدم اقامة بناء.
او كان التزاما بنقل ملكية منقول او عقار. والتنفيذ العيني هي الأصل احتراما لإرادة الطرفين، لكن اذا تعذر إجراؤه كما في حالة هلاك المنقول والعقار المتعاقد عليه فانه يتم اللجوء الى التنفيذ بالتعويض حيث يحصل الدائن على مقابل مالي يحدد من طرف المحكمة.
وغالبا ما يكون التنفيذ بالتعويض في الحالات التي يكون فيها تنفيذ الالتزام الاصلي يتطلب تدخلا شخصيا من المدين ويمتنع هذا الاخير عن ذلك كما هو الشان في الالتزام برسم لوحة او اجراء عملية جراحية او احياء سهرة.
او الرجوع لبيت الزوجية ( وكذا الارجاع) ورؤية الابناء، في كل هذه الحالات لا يمكن استعمال القوة الجبرية للحصول على التنفيذ لان ذلك اما ان يكون مستحيلا او فيه مساس بالحرية الشخصية والذي لم يعد مقبولا في العصور الحديثة.
وللضغط على المدينين بمثل هذه الالتزامات تقر التشريعات وسيلتين هما : 2) أمينة النمر : قوانين المرافعات 3، ص7 و8. 3) أبو الوفاء : اجراءات التنفيذ، ص 11. 4) هذه العبارات ماخوذة من الرسالة المشهورة التي وجهها الخليفة عمر بن الخطاب لقاضيه ابي موسى الاشعري عند توليته، والمنشورة في عدة مؤلفات منها البيان والتبيين للجاحظ 2/43.
الإكراه البدني والإكراه المالي : فالإكراه البدني : هو حبس المدين حتى يضطر الى الوفاء بدينه ويعتبر من بقايا العهود القديمة، حيث كان المدين يلتزم في شخصه لا في ماله ويحق لدائنه ان يحبسه او يسترقه اذا لم يف بالتزامه وقد تراجعت عنه كثير من التشريعات احتراما لكرامة الإنسان وتطبيقا لمبدا ( ان المدين يلتزم في ماله وليس في شخصه) وحصرته تشريعات اخرى في الغرامات والمصاريف الجنائية. أما في تشريعنا فلا يزال الإكراه البدني يطبق في الميدانين المدني والجنائي. ورغم الانتقادات الموجهة، اليه فقد برهنت التجربة العملية على انه وسيلة فعالة وناجحة، بل اصبحت ضرورية اكثر من أي وقت مضى في وقت كثرت فيه الحيل وشاع تهريب الأموال وإخفاؤها من طرف المدينين ذوي النيات السيئة والذين يهدرون كرامتهم بانفسهم ولا مجال لرعايتها من قبل المشرع.
أما الإكراه المالي: يكون بفرض غرامة تهديدية على المدين الذي يمتنع عن الوفاء ويقتضي هذا الوفاء التدخل الشخصي له ولا يكون محله مبلغا من المال كما في الأمثلة أعلاه، رسم لوحة وارجاع زوجة والغرامة تفرض من طرف قاضي الموضوع او رئيس المحكمة الابتدائية ( ف 448 من ق م. م) ولا يتم تنفيذها مباشرة بل لابد من تصفيتها بواسطة حكم آخر. وقد درج القضاء على فرض الغرامة التهديدية حتى في الحالات التي لا يتطلب فيها تنفيذا لالتزام التدخل الشخصي للمدين ( كإفراغ العقارات والمحلات التجارية والسكنية) وذلك باعتبارها وسيلة ضغط لمقاومة تعنت هؤلاء ، ومن جانب اخر يقسم التنفيذ الجبري الى تنفيذ مباشر وتنفيذ غير مباشر، أي بطريق الحجز على أموال المدين.
فكل تنفيذ عيني هو تنفيذ مباشر لان الدائن يحصل فيه مباشرة على نفس ما التزم به مدينه كتسليم منقول او عقار معين او القيام ببناء منزل او هدم حائط او فتح مطل او الامتناع عن عمل ما. والتنفيذ الغير المباشر هو استخلاص مبلغ الذين عن طريق حجز اموال المدين ولا يستثنى من ذلك الا ما نص المشرع على عدم قابليته للحجز وسواء كانت هذه الأموال منقولات ام عقارات في حيازة المدين او تحت يد الغير. ثانيا : أطراف التنفيذ والجهة المكلفة به : قد يبدو لأول وهلة ان اطراف التنفيذ منحصرة في طالب التنفيذ والمنفذ ضده، لكن الواقع خلاف ذلك في بعض الحالات حيث يتطلب التنفيذ إشراك عدة اغيار في إجراءاته واستعراض فيما يلي اطراف التنفيذ بإيجاز.
1) الحاجز: أو طالب التنفيذ وهو الدائن بالحق في الالتزام الأصلي ويحل محله نائبه او خلفه الخاص او خلفه العام : كالوكيل او الوصي، والمقدم، والوارث، و الموصى له. ويشترط في الحاجز ان تتوفر له الصفة في اجرائه التنفيذ كما ان ورثته ملزمون بإثبات صفتهم للحلول محله طبقا للفصل 442 من ق م. م. ويبت الرئيس في كل نزاع يثور في هذه النقطة. اما الاهلية التامة فلا تشترط في الحاجز.
2) المحجوز عليه: أو المنفذ ضده هو المدين في الالتزام الاصلي سواء كان مدنيا اصليا او مجرد كفيل، او ضامنا او متضامنا، ويحل محله خلفه العام كالوارث او خلفه الخاص كالمحال عليه بالدين.
غير ان القانون اشتراط لمواصلة اجراءات التنفيذ ضد الورثة تبليغهم بالحكم الصادر على موروثهم سواء بلغ هذا الاخير في حياته ام لا. وسواء توفي بعد بدء اجراءات التنفيذ حيث تتوقف ام توفي قبل انطلاقها ( الفصل 443). 5) ظهير 1962 للإكراه البدني على القضايا المدنية. 6) أبو الوفاء : م. س. صفحة 14 هامش 1. 7) يراجع ما كتبه : الأستاذان : عبد النبي المحترم وعبد الله درميش في الموضوع بمجلة المحامي، عدد 6، ص85.
وقد لا تباشر اجراءات التنفيذ ضد المدين اذا نص القانون على ذلك كما في حالة اشهار افلاسه او طلبه التصفية القضائية حيث تتوقف المتابعات الفردية وتوجه الإجراءات ضد وكيل التفلسة او المصفى القضائي الفصلين 203 و341 من ق.
ويجري التنفيذ ضد المدين سواء كان شخصا طبيعيا او شخصا معنويا وطنيا او أجنبيا. وقد ثار جدل حول امكانية التنفيذ الجبري على المؤسسات العمومية واملاك الدولة العامة والخاصة. وسأعرض له بايجاز عند الكلام على الاموال القابلة للحجز.
3) الغير: رغم ان كل التزام هو رابطة قانونية بين طرفين احدهما دائن والاخر مدين مما يوحي بان اجراءات التنفيذ لا يمكن ان تشمل غيرهما، لكن الدائن قد يضطر الى توسيع دائرة هذه الاجراءات لتشمل اشخاصا اخرين هم في الواقع " اغيار" بالنسبة للالتزام ولكن لهم صلة بالحق او بالمال المراد التنفيذ عليه هذه الصلة تفرض عليهم الاشتراك في التنفيذ دون ان يكونوا اطرافا فيه
كما هو الشان بالنسبة للحارس والمودع لديه. وأمين الأمانات ووكيل الحسابات بالنسبة للودائع، والمحافظ على الأملاك العقارية بالنسبة للأحكام الصادرة بالتشطيب او التسجيل بالصك العقاري، وضابط الحالة المدنية بالنسبة للأوامر الصادرة في هذه المادة، والمحجوز لدينه بعد تصحيح الحجز لدى الغير. الجهة المكلفة بالتنفيذ : ان أعوان كتابة الضبط هم المكلفون بالتنفيذ ولهم وحدهم الصفة في القيام به و تحرير المحاضر بعملياته، وما يجري أحيانا في إنابة بعض السلطات الإدارية أو رجال الدرك لا أجد له أي سند قانوني. ولا يستثنى من ذلك إلا الأحكام الصادرة عن حكام الجماعات والمقاطعات والتي اسند الظهير المحدث لهذه الجماعات مهمة تنفيذها للسلطات الإدارية " القائد" والقوة العمومية المرافقة لمأمور التنفيذ، وكذا الخبير عند مساعدته في عمليات الخبرة كل هؤلاء لا صلة لهم بالمحضر ولا تغني تقاريرهم عن المحضر الذي يحرره مأمور التنفيذ كما لا يجوز ان يجر التنفيذ بدون حضوره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.