ليس السلام النفسى غياب الألم، ولا انعدام الهموم، بل هو تلك القدرة الخفية على أن يظل القلب ثابتا حين تتكسر الأشياء من حوله، وأن يبقى الداخل آمنا ولو اشتعل الخارج. هو نعمة لا ترى، لكنها إن حضرت، استقامت الحياة، وإن غابت، امتلك الإنسانَ القلق ولو ملك الدنيا بأسرها. فالسلام النفسي ..في جوهره هبة ربانية، لا تنال بكثرة المال، ولا بعلو المنصب، وإنما تمنح لمن عرف الطريق إلى الله، وسلم الأمر له، ورضى بما قسم، فاطمأن قلبه وسكنت روحه. يقول الحق سبحانه:﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ فكأن الطمأنينة لا تعرف طريقا إلا عبر الذكر، ولا تستقر إلا في قلب عرف ربه حق المعرفة. #يا_سادة؛ علمنا القرآن أن السلام النفسى يبدأ من الداخل، من الرضا بالقضاء، والتسليم بالحكمة الإلهية، مهما بدت الأقدار قاسية﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾فالهداية هنا ليست هداية طريق، بل هداية صدر.. سعة في النفس، وثبات عند الشدائد، وطمأنينة لا تهتز. وحين نطالع سيرة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ، نجد أن السلام النفسى كان رفيقه في أحلك اللحظات. فى الغار، والمطاردات تقترب، والخطر يحيط به من كل جانب، يقول لصاحبه أبي بكر:"لا تحزن إن الله معنا" كلمة قصيرة، لكنها كانت كفيلة بأن تسكن الخوف، وتطفىء نار القلق، وتعلم البشرية أن معية الله هي أعلى درجات السلام النفسى. فلم يكن سدنا النبي صلى الله عليه وسلم خاليا من الهم، لكنه لم يكن أسيرا له. حزن، وبكى، وتألم، لكنه لم يفقد توازنه، ولم ينهزم داخليا. كان قلبه معلقا بالله، فصار السلام النفسي جزءا من تكوينه، لا ظرفا طارئا في حياته. وسار الصحابة على الدرب ذاته؛ فهذا أبو بكر رضي الله عنه، يفقد أعز الناس إليه، فيثبت حين اضطربت القلوب، ويقول كلمته الخالدة:"من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت" سلام نفسي نابع من يقين راسخ، لا من قسوة قلب. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان يقول:"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"فالعزة الحقيقية، كما السلام النفسى، لا تستجدى من الخارج، بل تستمد من علاقة صحيحة بالله. فالسلام النفسى.. لا يعني الانسحاب من الحياة، ولا الهروب من الواقع، بل مواجهته بقلب مطمئن، ونفس راضية، وعقل متزن. هو أن تعمل وتسعى، ثم تترك النتائج لله، فلا تقتلك الحسرة إن تأخر النجاح، ولا تستبد بك الخيبة إن خالف الواقع ما تمنيت. #فى_النهاية_بقى_أن_اقول؛ فى زمن ضج بالضوضاء، وتكدست فيه الضغوط، صار السلام النفسى فريضة غائبة، يحتاجها الإنسان كما يحتاج الهواء. فريصة..عنوانها الرضا، ووقودها الإيمان، وثمرتها طمأنينة لا يعرفها إلا من ذاق حلاوة القرب من الله. فمن أراد السلام النفسى، فليصلح ما بينه وبين الله، وليخفف من أثقال قلبه بالحقد والحسد، وليتذكر دوما أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الدنيا مهما ثقلت، فهي إلى زوال.. ويبقى السلام الحقيقي في قلب قال: رضيت بالله ربا.