إعداد- صلاح أحمد نويرة - رسوم مجدى الكفراوى المنهج الإلهي - في إصلاح البشرية وهدايتها إلي طريق الحق - معتمدا علي وجود القدوة التي تحول تعاليم ومبادئ الشريعة إلي سلوك عملي، فكان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هو القدوة التي تترجم المنهج الإسلامي إلي حقيقة وواقع، قال تعالي: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب:21)، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلقه - صلي الله عليه وسلم - قالت: «كان خلقه القرآن»! (2)، وقال صلي الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم، لهذا كانت لنا هذه الوقفة مع الأنبياء والصحابة والرعيل الأول من النساء المسلمات لنتعلم منهم وعنهم. إنه الصديق أبو بكر -رضى الله عنه-، كان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة بن عثمان بن عامر فسماه رسول الله (عبد الله، فهو عبد الله بن أبى قحافة، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر. ولد فى مكة بعد ميلاد النبى (بسنتين ونصف السنة، وكان رجلاً شريفًا عالمًا بأنساب قريش، وكان تاجرًا يتعامل مع الناس بالحسنى. وكان أبو بكر صديقًا حميمًا لرسول الله ، وبمجرد أن دعاه الرسول للإسلام أسرع بالدخول فيه، واعتنقه؛ لأنه يعلم مدى صدق النبى وأمانته، يقول النبى: «ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عكم (ما تردد) عنه حين ذكرته ولا تردد فيه»[ابن هشام]. وجاهد أبو بكر مع النبى (فاستحق بذلك ثناء الرسول عليه إذ يقول: «لو كنت متخذًا خليلا؛ لاتخذت أبا بكر، ولكن أخى وصاحبي» [البخاري]. ومنذ أعلن أبو بكر الصديق إسلامه، وهو يجاهد فى سبيل نشر الدعوة، فأسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف-رضى الله عنه-. وكانت الدعوة إلى الإسلام فى بدايتها سرية، فأحب أبو بكر أن تمتلئ الدنيا كلها بالنور الجديد، وأن يعلن الرسول ذلك على الملأ من قريش، فألح أبو بكر على النبى (فى أن يذهب إلى الكعبة، ويخاطب جموع المشركين، فكان النبى (يأمره بالصبر وبعد إلحاح من أبى بكر، وافق النبى)، فذهب أبو بكر عند الكعبة، وقام فى الناس خطيبًا ليدعو المشركين إلى أن يستمعوا إلى رسول الله، فكان أول خطيب يدعو إلى الله، وما إن قام ليتكلم، حتى هجم عليه المشركون من كل مكان، وأوجعوه ضربًا حتى كادوا أن يقتلوه، ولما أفاق -رضى الله عنه- أخذ يسأل عن رسول الله (كى يطمئن عليه، فأخبروه أن رسول الله) بخير والحمد لله، ففرح فرحًا شديدًا. وكان أبو بكر يدافع عن رسول الله بما يستطيع، فذات يوم بينما كان أبو بكر يجلس فى بيته، إذ أسرع إليه رجل يقول له أدرك صاحبك. فأسرع -رضى الله عنه-؛ ليدرك رسول الله فوجده يصلى فى الكعبة، وقد أقبل عليه عقبة بن أبى معيط، ولف حول عنقه ثوبًا، وظل يخنقه، فأسرع -رضى الله عنه- ودفع عقبة عن رسول الله (وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله؟! فالتفت المشركون حوله وظلوا يضربونه حتى فقد وعيه، وبعد أن عاد إليه وعيه كانت أول جملة يقولها: ما فعل رسول الله؟ وظل أبو بكر-رضى الله عنه-يجاهد مع النبى ويتحمل الإيذاء فى سبيل نشر الإسلام، حتى أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، حتى إذا بلغ مكانًا يبعد عن مكة مسيرة خمس ليال لقيه ابن الدغنة أحد سادات مكة، فقال له: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجنى قومى فأريد أن أسيح فى الأرض وأعبد ربي. فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج، أنا لك جار (أى أحميك)، ارجع، واعبد ربك ببلدك، فرجع أبو بكر-رضى الله عنه- مع ابن الدغنة، فقال ابن الدغنة لقريش: إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، فقالوا له: إذن مره أن يعبد ربه فى داره ولا يؤذينا بذلك، ولا يعلنه، فإنا نخاف أن يفتن نساءنا وأبناءنا، ولبث أبو بكر يعبد ربه فى داره. وفكر أبو بكر فى أن يبنى مسجدًا فى فناء داره يصلى فيه ويقرأ القرآن، فلما فعل ذلك أخذت نساء المشركين وأبناؤهم يقبلون عليه، ويسمعونه، وهم معجبون بما يقرأ، وكان أبو بكر رقيق القلب، كثير البكاء عندما يقرأ القرآن، ففزع أهل مكة وخافوا، وأرسلوا إلى ابن الدغنة، فلما جاءهم قالوا: إنا كنا تركنا أبا بكر بجوارك، على أن يعبد ربه فى داره، وقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فليسمع كلامك أو يردَّ إليك جوارك. فذهب ابن الدغنة إلى أبى بكر وقال له: إما أن تعمل ما طلبت قريش أو أن تردَّ إليَّ جواري، فإنى لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت رجلاً عقدت له (نقضت عهده)، فقال أبو بكر فى ثقة ويقين: فإن أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل. وتعرض أبو بكر مرات كثيرة للاضطهاد والإيذاء من المشركين، لكنه بقى على إيمانه وثباته، وظل مؤيدًا للدين بماله وبكل ما يملك، فأنفق معظم ماله حتى قيل: إنه كان يملك أربعين ألف درهم أنفقها كلها فى سبيل الله، وكان -رضى الله عنه- يشترى العبيد المستضعفين من المسلمين ثم يعتقهم ويحررهم. وفى غزوة تبوك، حثَّ النبى (على الصدقة والإنفاق، فحمل أبو بكر ماله كله وأعطاه للنبى)، فقال رسول الله (له: «هل أبقيت لأهلك شيئًا؟» فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، ثم جاء عمر -رضى الله عنه- بنصف ماله فقال له الرسول: «هل أبقيت لأهلك شيئًا؟» فقال نعم نصف مالي، وبلغ عمر ما صنع أبو بكر فقال «والله لا أسبقه إلى شيء أبدًا» [الترمذي]. فقد كان رضى الله عنه يحب رسول الله حبًّا شديدًا، وكان الرسول يبادله الحب، وقد سئل النبى ذات يوم: أى الناس أحب إليك؟ فقال: «عائشة» فقيل له: من الرجال، قال: «أبوها» [البخاري]. وكان -رضى الله عنه- يقف على جبل أُحُد مع رسول الله (ومعهما عمر، وعثمان-رضى الله عنهما-، فارتجف الجبل، فقال له الرسول: «اسكن أحد، فليس عليك إلا نبى وصديق وشهيدان» [البخاري]. ولما وقعت حادثة الإسراء والمعراج، وأصبح النبى (يحدث الناس بأنه قد أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء السابعة، قال المشركون: كيف هذا، ونحن نسير شهرًا حتى نصل إلى بيت المقدس؟! وأسرعوا إلى أبى بكر وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه أسرى به إلى بيت المقدس! فقال أبو بكر: إن كان قال ذلك فقد صدق، إنى أصدقه فى خبر السماء يأتيه. فسماه الرسول (منذ تلك اللحظة (الصِّدِّيق).[ابن هشام]، كذلك كان أبو بكر مناصرًا للرسول ومؤيدًا له حينما اعترض بعض المسلمين على صلح الحديبية. وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول ليكون رفيقه فى هجرته، وظلا ثلاثة أيام فى غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر وخاف على رسول الله، وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه، لأبصرنا، فقال له الرسول : «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»[البخاري]. وشهد أبو بكر مع رسول الله جميع الغزوات، ولم يتخلف عن واحدة منها، وعرف الرسول فضله، فبشره بالجنة وكان يقول: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة»[الترمذي]. وكان أبو بكر شديد الحرص على تنفيذ أوامر الله، فقد سمع النبى ذات يوم يقول: من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقال أبو بكر: إن أحد شقى ثوبى يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال له النبى : «إنك لست تصنع ذلك خيلاء» [البخاري]. وكان دائم الخوف من الله، فكان يقول: لو إن إحدى قدميّ فى الجنة والأخرى خارجها ما آمنت مكر ربى (عذابه). ولما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، اجتمع الناس حول منزله بالمدينة لا يصدقون أن رسول الله قد مات، ووقف عمر يهدد من يقول بذلك ويتوعد، وهو لا يصدق أن رسول الله قد مات، فقدم أبو بكر، ودخل على رسول الله (وكشف الغطاء عن وجهه الشريف، وهو يقول: طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله وخرج -رضى الله عنه- إلى الناس المجتمعين، وقال لهم: أيها الناس، من كان منكم يعبد محمدًا (فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حى لا يموت، فإن الله تعالى قال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) [آل عمران: 144]. ويسرع كبار المسلمين إلى السقيفة، ينظرون فيمن يتولى أمرهم بعد رسول الله، وبايع المسلمون أبا بكر بالخلافة بعد أن اقتنع كل المهاجرين والأنصار بأن أبا بكر هو أجدر الناس بالخلافة بعد رسول الله، ولم لا؟ وقد ولاه الرسول أمر المسلمين فى دينهم عندما مرض وثقل عليه المرض، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» [متفق عليه]. وبعد أن تولى أبو بكر الخلافة، وقف خطيبًا فى الناس، فقال: «أيها الناس إن قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوى عندى حتى أريح (أزيل) علته إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة؛ إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله؛ فلا طاعة لى عليكم. وقد قاتل أبو بكر -رضى الله عنه- المرتدين ومانعى الزكاة، وقال فيهم: والله لو منعونى عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه. وكان يوصى الجيوش ألا يقتلوا الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، ولا النساء، ولا العابد فى صومعة، ولا يحرقوا زرعًا ولا يقلعوا شجرًا. وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بن زيد؛ ليقاتل الروم، وكان الرسول قد اختار أسامة قائدًا على الجيش رغم صغر سنه، وحينما لقى النبى ربه صمم أبو بكر على أن يسير الجيش كما أمر الرسول، وخرج بنفسه يودع الجيش، وكان يسير على الأرض وبجواره أسامة يركب الفرس، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب أو أنزل. فقال: والله لا أركبن ولا تنزلن، ومالى لا أغبِّر قدمى فى سبيل الله. وأرسل -رضى الله عنه- الجيوش لفتح بلاد الشام والعراق حتى يدخل الناس فى دين الله. ومن أبرز أعماله-رضى الله عنه-أنه أمر بجمع القرآن الكريم وكتابته بعد استشهاد كثير من حفظته. وتوفى أبو بكر ليلة الثلاثاء الثانى والعشرين من جمادى الآخرة فى السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وعمره (63) سنة وغسلته زوجته أسماء بنت عميس حسب وصيته، ودفن إلى جوار الرسول». وترك من الأولاد: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة وأسماء، وأم كلثوم -رضى الله عنهم-. وروى عن رسول الله أكثر من مائة حديث.