في ليلة تفيض نورا، وتتعطر فيها الأسماع بعبق القرآن، وقف مسئولى برنامج"دولة التلاوة" ليكرموا واحدا من فرسان الأداء القرآني، أمير النغم، فضيلة الشيخ حمدي الزامل؛ ذاك الصوت الذي إذا تلا خشعت القلوب قبل أن تصغي الآذان، وإذا رتل بدا وكأن المقامات قد ولدت من جديد بين حروفه. نشأ الشيخ حمدي الزامل في بيئة ريفية أصيلة، حيث الكتاب أول المدارس، والقرآن أول الدساتير، فتشرب التلاوة حفظا وفهما، وتعلم على أيدي مشايخ أجلاء صاغوا موهبته بالعلم قبل الصوت، وبالخشوع قبل النغم. لم يكن حفظه للقرآن مجرد سباق ذاكرة، بل كان صحبة طويلة مع المعنى، فصار الأداء عنده ترجمة صادقةً للفهم واليقين. وحين كبر الصوت، كبرت معه المسؤولية، فمضى الشيخ الزامل في دروب العلم والتجويد، ينهل من مدارس الأداء العريقة، ويجالس الكبار، حتى صار اسمه مقرونا بالميزان الدقيق بين جلال النص وجمال الأداء. ولم تكن علاقته بالرموز مجرد لقاءات، بل كانت تأثرا وتقديرا؛ فكما أحبت أم كلثوم الصوت الصادق الذي يحترم المقام ولا يفرط في المعنى، كان الشيخ الزامل وفيا لهذا المبدأ، يزن كل نقلة، ويعلي شأن الكلمة القرآنية على حساب الاستعراض. وعلى خطى مدرسة العملاق الشيخ مصطفى إسماعيل، تعلم أن المقام خادم للآية، وأن التفرد لا يولد إلا من رحم الالتزام. أما دخوله الإذاعة، فكان شهادة ميلاد ثانية؛ شهادة اعتراف بصوت استوفى شروط الرسالة، لا شروط الشهرة. هناك، أمام ميكروفون لا يرحم، أثبت أن الأصالة لا تخون صاحبها، وأن من خرج من الكُتّاب إلى المحراب، لا يضل الطريق إذا وضع تحت الضوء. وفي ختام هذه الليلة المهيبة، لا بد أن نلتفت إلى الدقهلية؛ تلك المحافظة التي لم تنجب الأرض مثلها أصواتا وعلماء ومشايخ، من منابرها خرجت قراءات شكلت الوجدان، وعلى ترابها سار أهل القرآن بوقار. وعلى خط البحر الصغير تحديدا، حيث تتجاور الزراعة مع البركة، وحيث ينصت الناس للتلاوة كما ينصتون للماء، تتجدد الحكاية جيلا بعد جيل. #فى_النهاية_بقى_أن_نقول؛ورسالتنا إلى شباب الدقهلية؛احفظوا القرآن، وداوموا عليه، اجعلوه رفيق العمر لا زينة المناسبات. ففي حفظه رفعة، وفي مواظبته نجاة، ومن صدق مع القرآن رفعه الله صوتا وقدرا، كما رفع أمير النغم، الشيخ حمدي الزامل. هكذا تكرم دولة التلاوة أهلها.....وهكذا يبقى القرآن دولة لا تزول.