**تأمل فلسفى فى المظهر والجوهر، وفى الإنسان الذى يريد أن يُرى دون أن يكون. ……… فى كل مجتمع، وفى كل مؤسسة، وحتى فى أبسط دوائر العلاقات الإنسانية، يظهر ذلك الصنف الغريب من الناس..لا يريد المنصب حقا، ولا يسمح لغيره أن يمسكه.يبدو متواضعا، لكنه لا يحتمل أن يضيءَ غيره المشهد.يتحرك دائما فى الهامش، لكنه يريد أن تسلط عليه الأضواء.هو ذاك "الظل" الذى يرفض أن يظل ظلّا. هذا المقال محاولة لتشريح هذه الظاهرة الإنسانية المتكررة.. كيف تولد، وكيف تؤثر، ولماذا تسقط فى النهاية مهما طال بها الزمن. #الظلّ_الذى_يريد_أن _يرى هناك نوع من البشر لا يمكن أن تمسكه بتعريف واحد،كأنّهم يعيشون بين الوجود واللاوجود.هم لا يسعون إلى المنصب بقدر ما يسعون إلى الهيمنة على المشهد،يريدون أن تكون وجوههم حاضرة فى كل صورة،ولو كانت أيديهم خالية من أى أثر.يتركون الكفء على الهامش، ويستمتعون بأن تكون الكراسى مشغولة بأشباه لا تقلقهم. يقولون دائما: "أنا مش عاوز المنصب", لكنهم يرتعبون من فكرة أن يتولاه أحد غيرهم.فالأمر عندهم ليس تكليفا ولا مسئولية،بل مسرح يراد أن تبقى عليه أضواؤهم مشتعلة، ولو بلا مضمون. #حين_يصبح_الفراغ_منظَّمًا الخطر لا يأتى من وجودهم وحدهم، بل من البيئة التى تحتملهم.حين تتآكل المعايير، يصبح الشكل هو القيمة الوحيدة الباقية،وحينها تتكاثر هذه الظلال كما يتكاثر الصدأ على الحديد المهمل.فهم لا يهدمون علنا، بل يعطلون فى صمت.يملأون المقاعد، لكنهم يفرغون المعنى.يخلقون حولهم مناخا من "التماثل الخائف"،حيث يتحوّل الإبداع إلى تهمة، والسكوت إلى وسيلة بقاء. ومع الوقت، تصير المؤسسات التى يقودونها كالأجساد الميتة..تتحرك بحكم العادة، لكنها بلا روح.أما مواجهتهم فلا تكون بالضجيج، لأنهم يعيشون عليه، بل بالفعل الهادئ النقى، الذى لا يحتاج إلى تصفيق.فالحق لا يحتاج إلى صخب، يكفيه أن يرى مرة ليكشف الزيف ألف مرة. #سقوط_المظهر_وعودة_الجوهر فى النهاية بقى أن اقول؛كل ما يبنى على الضوء الخارجى مصيره أن ينطفئ.فالزمن لا يحفظ الصور، بل يحتفظ بما فيها من صدق.والذين عاشوا للمشهد، يذوبون حين تطفأ الأضواء،أما الذين عاشوا للمعنى، فتزداد ملامحهم وضوحا مع كل غروب. فالإنسان المظهرىّ يظن أن البقاء فى الذاكرة مرهون بأن يرى،لكن البقاء الحقيقى مرهون بأن يشعِر.من زرع وهما، يحصد نسيانا.ومن زرع عملا صادقا، يثمر حضورا لا يزول. وهكذا، حين يسدل الزمن ستاره الأخير، لا يبقى فى الذاكرة إلا أولئك الذين أضاءوا بصمت،الذين اختاروا الجوهر على الصورة،والحقيقة على المظهر، والفعل على الكلام. سيظل العالم يمتلئ بأولئك الذين يريدون أن يرى ظلهم أكثر مما يرى فعلهم.لكن ما ينقذنا منهم دائما هو إيمان بسيط..أن النور الحقيقى لا يصدر من المصابيح، بل من القلوب.وأن كل ما لم يبن على صدق،مهما تألق،سينطفئ ذات يوم… دون حتى أن يراه أحد.