دراسة : حيدر الحاج كاطع المرشدى حينما يدخل الطفل إلى المسرح المدرسي لأول مرة لا يعرف بالضبط ما ينتظره يقف أمام مساحة فارغة ستارةٍ قديمة وأضواء بسيطة لكنه سرعان ما يجد أن هذه المساحة الخالية تملك قدرة خارقة على تحويله من متلق إلى صانع للحكاية هذه هي نقطة البداية في تطور الطفل داخل المسرح المدرسي الدهشة الأولى 1. المرحلة الأولى الاكتشاف والاندهاش في البداية يتعامل الطفل مع المسرح بوصفه لعبة ربما يُطلب منه أن يُقلّد صوتًا أو يؤدي دور شجرة أو يسير بطريقة غريبة فيضحك هو ومن حوله هذا الضحك ليس سخرية بل لحظة اتصال بينه وبين الجمهور وهنا يولد الفضول الفني هل أستطيع أن أكون شخصية أخرى؟ هل أستطيع أن أجعل الآخرين يضحكون أو يتأثرون بما أقول؟ في هذه المرحلة يتطور لدى الطفل الخيال إذ يتعلم أن الأشياء يمكن أن تعني أشياء أخرى الشجاعة: حين يواجه الجمهور لأول مرة ويقف وحيدًا أمام الآخرين الوعي بالجسد حين يبدأ باستخدام حركاته للتعبير لا بالكلام فقط 2. المرحلة الثانية التفاعل والانتماء بعد المرور بالتجربة الأولى يبدأ الطفل بالشعور بالانتماء للمسرح يطلب أن يُشارك يتحمس للبروفات ينتظر يوم العرض بفارغ الصبر يبدأ هنا بتحمّل المسؤولية فيحفظ دوره ويصل في الموعد ويتعاون مع زملائه يبدأ أيضًا بفهم أن نجاح العرض لا يتوقف عليه فقط بل على الفريق بأكمله في هذه المرحلة يتطور العمل الجماعي حيث يرك أهمية التعاون والتنسيق الالتزام والانضباط إذ يخضع لتمارين مواعيد وتوجيهات المخرج/المعلم التعبير العاطفي: يتعلّم كيف يُظهر الغضب الحزن الفرح القلق بشكل فني 3. المرحلة الثالثة: التجريب والإبداع بعد تكرار التجربة يصبح الطفل أكثر ثقة يبدأ في اقتراح أفكار أو تعديل جمَل حواره او ابتكار طريقة في أداء مشهد هنا يدخل مرحلة الإبداع الشخصي حيث لا يُؤدي فقط ما يُطلب منه بل يُضيف من ذاته يبدأ الطفل بفهم عناصر العرض كيف تُبنى الشخصية ما دور الإضاءة؟ الديكور؟ الإيماءة؟ كيف يمكن لنبرة الصوت أن تُغير المعنى؟ تتفتح عنده مهارات مثل الارتجال التحليل الفني للنص التفكير النقدي لما يشاهده أو يُشارك فيه 4. المرحلة الرابعة التماهي مع القيم والرسائل في هذه المرحلة يتجاوز الطفل الأداء الشكلي ويبدأ بالتفاعل مع مضمون ما يُقدّمه لم يعد فقط يُمثّل الصدق بل يفهمه ويؤمن به لم يعد يؤدي مشهدًا عن العنف المدرسي بل يربطه بتجربة شخصية أو شيء سمعه أو رآه هنا يصبح المسرح وسيلة تشكيل وعي وتعزيز قيم مثل التسامح الاحترام التعاون المسؤولية 5. المرحلة الخامسة: النضج الفني والشخصي إذا استمر الطفل في المسرح المدرسي لسنوات تبدأ تتكوّن لديه هوية فنية وشخصية قد يختار أن يكتب مشهدًا أو يُخرج عرضًا صغيرًا أو يُدرّب زملاءه الأصغر سنًا وهنا يبدأ التحول من متعلّم إلى ملهم يتحول المسرح بالنسبة له من نشاط مدرسي إلى مساحة للتعبير عن الذات وسيلة لتغيير الواقع منصة لرؤية العالم بطريقة أعمق كيف نُسهم في تطور الطفل داخل المسرح المدرسي؟ لكي يمرّ الطفل بهذه المراحل يجب أن يُوفر له المسرح المدرسي بيئة آمنة ومشجعة 1. إشراف تربوي فني حقيقي لا يكفي أن نُكلّف معلّمًا فقط لأنه متفرّغ يجب أن يكون الموجّه مدرّبًا على الفنون المسرحية ولديه حس تربوي عميق 2. نصوص قريبة من عالم الطفل لا يُناسب المسرح المدرسي أن يُقدّم نصوصًا معقّدة أو بعيدة عن واقع التلاميذ يجب أن تكون النصوص نابعة من بيئتهم ومن لغتهم وتتناول همومهم اليومية 3. إشراك كل الأطفال لا النخبة فقط لا ينبغي أن يُخصّص المسرح للموهوبين فقط المسرح يُنمّي الطفل لا يشترط جاهزيته حتى الطفل الخجول أو المتلعثم يملك داخله طاقات لا تُرى إلا على الخشبة 4. الاستمرارية لا الموسمية المسرح لا يجب أن يكون فعالية ليوم الأم أو نهاية السنة فقط يجب أن يكون مشروعًا مستمرًا بنادٍ أسبوعي وورشات تدريب وعروض دورية يتطور الطفل في المسرح المدرسي كما تتطور الشجرة في الحديقة تبدأ ببذرة صغيرة من الفضول وتنمو بالرعاية وتُزهر بالثقة وتُثمر إبداعًا وإنسانية إننا لا نُخرّج من المسرح ممثلين فقط بل نُطلق إلى الحياة أطفالًا أقوى أصدق وأقدر على أن يكونوا أبطالًا في مسرح الواقع فليكن المسرح المدرسي إذًا ليس مجرد نشاط بل مسارًا طويلًا لتكوين الإنسان من الداخل