زمان علي ما افتكر من اربعين سنه كده واكتر حبتين كان جيلنا لسه قايم يدرك معني المسؤوليه كانت النفوس هاديه وصافيه كل اللي كنا ندركه وبنشوفه في السن ده شئ من بقايا الماضي لكنه تأصل في جيلنا يعني اي كلمه خطأ او عيب كنا نخاف نقولها امام الاكبر منا اي فعل خادش ننكسف حتي يظهر بينك وبين نفسك كنا بنحترم نفسنا اتربينا كمجتمع ريفي في عيله بنحترم الاكبر فيها لان كل عيله ليها كبير اما اب او اخ اكبر لو الاب توفاه الله وكان كل البيت تحت طوع الاخ الاكبر هو الآمر الناهي علي كل اخواته وزوجاتهم وأولادهم مش معني نحترم رمز العائله بس لكن الاحترام فرض للاكبر سنا اخوك او ابن عمك او ابن خالك او جارك وولاده .. كان العائله خليط متجانس ومتماسك خوفا من العقاب اللي بيطول اي حد يغلط مهما كان وضعه في العائله كانت كلمة اب لكل الاعمام وكلمة ام لكل اللي في البيت يعني ابوك مش يقولك روح لعمك فلان دا بيقولك روح لابوك فلان او زوجته امك فلانه اللي هي مرات عمك البلد كلها مكنش فيها الا كام تلفزيون والتلفزيون ده كان صيحة العصر والكبار بس اللي كانوا يتفرجوا عشان كان عيب اوي اللي في سننا يتفرج علي افلام ومسلسلات ويضيع وقته ويتعلم منهم حاجات تعتبر عيب وأباحه في فقه الارياف رغم ان التلفزيون كان بيقفل بدري و برامجه لا تحوي من الخلاعه ما دمر امم وحده وحده كل البيوت دخلها التلفزيون ووصلها الكهربا وبقي فتح التلفزيون عرض مستمر في غياب اكابر العائلات وتسرب للاجيال ثقافات المدن من لبس واكل ووحده وحده بقي مش عيب انك تشوف منظر او مشهد في التلفزيون كان في وقت من الاوقات لو شفته تبقي منحل وقليل الادب والربايه وان ابوك قصر في تربيتك وبيئتك مش محترمه وتنال اشد العقاب اللي كان ممكن يوصل انك كطفل او علي مشارف الشباب تقيد ايدك ورجلك وتضرب حتي يظهر لك اهل او تصعب علي احد جيرانك او اقربائك لان محدش من العائله يجرؤ ان ينهي عقابك ودارت الايام وحصل الانفتاح وبقي التلفزيون الملون ثورة العصر ودخل كل البيوت اللي اصلا بدأ فيها ترك ثقافات وعادات الريف القديمه الاصيله وحل التلفزيون الملون مكان الابيض والاسود وبقي المشهد اللي تشوفه زي الطبيعي واصبح العيب مش عيب وانك تداري وشك او تحرج امام الاكبر منك هو العيب وهنا سقط ميراث قيم الماضي بجماله وبدأ الانفتاح يغزوا الريف وثقافات الدول الاخري تختلط مع ثقافتنا في مجتمع خصب لنموها وهنا تاهت ثقافتنا وموروثاتنا ما بين ثقافة الريف الموروثه وثقافة المدينه وثقافات الدول الاخري مبقيناش عارفين احنا فين وبدا يظهر عادات مش عاداتنا وغرائب مش من صفاتنا كنا نخاف جدا ونستحرم حد يمد ايده علي حد او يتطاول علي جاره وكان الغريب فينا يحترم ويكرم وكان الشارع له قيمه واحترامه والكبير وما ادراك ما الكبير في الارياف كلمته تمشي اي اي شاب اخطأ من اي عائله وحتي ولي امر الشاب لو عرف بخطأه يقر بعقاب الكبير اللي عاقبه كانت المدرسه علي جيلنا مقدسة الموعد والمدرس مش مدرس بس لكن كان مربي ومعلم ولا يجوز الاعتراض علي اسلوب عقابه من اي ولي امر كان اي اب ياخد ابنه للمدرسه عشان المدرس يعاقبه بل يقوله رببه وعلمه واقطع من لحمه عكس الايام دي الاب بيروح يعاقب المدرس والطفل امن العقاب فأساء الادب وكانت فلكة شيخ الكتاب اللي هو محفظ القرأن اللي بدأ ينقرض مع انشغال الاجيال بالتلفزيون بقوا يضيعوا وقتهم في مشاهدة الافلام والكوره ..الفلكه دي اتعلق فيها واتعاقب اطفال هم الان مشاهير ولا ينكروا فضلها رغم قساوة عقابها ومع غياب العقاب علي مدار الايام اصبح فرض الرزيله والخطأ شي عادي اصبح المجتمع الريفي مخلوط العادات والتقاليد مجتمع تايه عن اصله وتايه عن موروثاته وبزوال اكابر العائلات اللي تأصلوا علي العادات دي وورثوها لابنائهم بدأت العادات تنقرض مع انفتاح الريف علي عادات غريبه عن طريق السينما والتلفزيون سواء خلقا وأدبا حتي الاكل والشرب واللبس كان زمان عيب جدا جار يخانق جاره وتبقي معيره له وسط البلد طيب ازاي يتخانق مع جاره وهو بيشاركه كل شئ حزن وفرح حتي الاكل الجيران كانت تبعت لبعضها من طبيخها و كان كل البلد تعرف بعضها فرد فرد النهارده بقي الجار مش طايق جاره وبعد ما كان الخناق بالصوت بقي بالعصايه وشويه شويه تطور وبقي بالمنجل ومع التطور ظهر الطبنجه والسنجه وبقي القتل والدم شئ عادي بعد ماكان يبقي فضيحه ومعيره في الارياف والغريب ان ممكن القتل حاليا يبقي مباشر مع صيحة العلم بالموبايل والانترنت.. ماهو لو معندكش شاشه تلفزيون و موبايل وانترنت يبقي انت متاخر يعني من زمن تاني يعني من زمن الادب والاحترام والكسوف اللي بقوا عمله نادره و جيل الايام دي يبعاير جيل زمان انه جيل متاخر.. بقي الجيل اللي حافظ علي مورثاته الدينيه والخلقيه والادبيه الجيل اللي اتربي علي احترام الصلاه وحفظ كتاب الله واحترام الجار والشارع وحرمة البيوت و مال الغير وحرمة النظر للست وحفظ عورتها يعني جيل الاصول الجيل اللي كان له كبير وكله يقوله يابا ويهابه ويحترمه الجيل اللي احترم امه وابوه وحزن علي فقدهم الجيل اللي معملش جريمه ولا شاف اباحه في التلفزيون ومنقلش لينا غير كل طيب بقي جيل متاخر من زمن تاني احنا بقينا مجتمع عنده انفصام لما حبينا نتمدن زي ما بيقولوا ونواكب التطور محتفظناش بموروثاتنا ولا ثقافتنا الشرقيه نسيناها ولما توهنا وحبينا نرجع ليها ملقيناهاش ولما حبينا نرجع للتطور لقيناه سبق.. وقفنا تايهين لا طولنا اصلنا ولا نفعنا نفسنا