كلّ مواقف الحياة في الجاهلية وحتى عصرنا الحاضر المزدهر بأصناف الثقافات والعلوم والإبداعات تشير إلى حاجة المجتمع بأطيافه كلها إلى المرونة، المرونة في صياغة الكلام في شتى مساراته الأدبية والحياتية. المرونة في التعامل فلا يملك الإنسان دفّة التّغيير إلا بالمرونة، ولا يملك دفة التفاعل الإيجابي إلاّ بالمرونة، فكلّ سياقات الحياة ومساراتها تحتاج منّا للمرونة، فلا يمكن التكيف مع المجتمع بالعنف أو الإيذاء أو الاستعلاء والغرور ونفخة الذات، فنفخة الذات بالونٌ سرعان ما ينفجر ويسقط. هذه المقدمة الإيضاحية البسيطة هي مدخلٌ للتعرف على أهمية المرونة الأدبية أو الإعلامية أو النقدية وما إلى ذلك، فالأقلام خيولٌ تحتاج إلى ترويضٍ وتسخيرٍ لبلوغ الغاية المنشودة، فالمرونة تعني القابلية للتغيير، وعكسها من التّعنت والإصرار على التجريح والبهتان والطعن فلا يحصد إلاّ المثل. وأمثلة ذلك كثيرة منها : 1 – شعر الهجاء مثلًا فلا يُولد إلاّ هجاءً مثله، ولا يجني إلاّ العداوة والبغضاء والتناحر والرّد بالمثل ، وشاع هذا النوع من الشعر في الجاهلية وتناقص بعد الإسلام إلاّ أنه مازال موجودًا يثير النعرات والأزمات السياسية والإجتماعية والشخصية، وعلى الأديب تجنبه إلاّ إذا دعت الضرورة الملحة إليه والتي من خلالها إصلاح غاياتٍ أخرى بالمجتمع. 2 – الهجاء النّقدي وقد ظهر وانتشر كثيرًا جدًا في زماننا الحاضر لحاجةٍ في نفس يعقوب قضاها فكلٌّ قد حمل دلوه متقلّصًا شخصية الناقد وهو أبعد مايكون عن النّقد دراسةً وعلمًا " ويحتاج لنقدٍ لاذعٍ كي يستفيق من سكرته " فالنقد علمٌ غزيرٌ له دراساته وعلومه الجامعية كما أنّ له قدرته على استنباط المفردات ولغويتها النحوية والصّرفية والأدبية، ومراحل النّص كلها، ومعرفة شروط النّص ، وثغراته و جمالياته وبلاغته، والإلمام التام بجميع الأصناف الأدبية المختلفة. والناقد الأكاديمي الحاصل على المؤهل الأكاديمي في الدراسات العليا للنقد هو الوحيد القادر على كشف خفايا النّص الأدبي، وإصلاح ما يجب الإصلاح فيه بكلّ أمانةٍ ومرونةٍ متجنبًا التجريح ومحاولات الثبيط، ساعيًا لرفع مستوى الفكر الأدبي في الوطن العربي، موجّهًا الكاتب للأفضل دون التشهير، ملازمًا للنصح، حيادي الموقف حتى مع خصمائه. أما معاول الهدم التي يحملها البعض من غير أكاديمي علم النّقد، أو ممن يحترفون النقد باسم النقد الأدبي فلا بدّ للمجتمع بأن يعي لهم سادًّا الأبواب عنهم ، ويختلف الأمر مع محللي النصوص أولي الخبرة الأدبية فلا غبار عليهم وجزاهم الله خيرا. وعلى الكاتب الذي يسعى لتحقيق النجاح لقلمه بصدقٍ تجنب مدّعي علم النقد زورًا من غير أهل المعرفة أو الخبرة والذين يعترضون طريق المبدع الأدبي أو المروجون له للتلميع . 3 – مرونة النّصّ الأدبي وهو من ضروريات التّجديد الأدبي ومن أهميات المرونة في النّص عدم تعقيد المفردات وإن دخلت عوامل البلاغة فيها، فالأديب المرن في كتاباته هو الذي يجعل نصّه قابلًا للتأويل عند الجميع، وله القدرة على إيصال حرفه لكافة أطياف المجتمع المتعلم، ودون التفريط والإفراط، لينتج نصًا أدبيًّا معاصرًا ومحتفظًا بكافة مقوماته الأدبية العريقة. 4 – مرونة الأجناس الأدبية الأخرى من أنواع القصص وأنواع الشعر العمودي والتفعيلة، والخواطر والروايات والخطابة والمقالة والنثر وغيرها ،وكلها أجناسٌ تحتاج لأقلامٍ متميّزةٍ ليتحقق على إثرها ماتصبو إليه اللغة العربية والأدب العربي من التقدم والرّقي، كما تحتاج لمرونةٍ تخوض من خلالها في بلورة قضايا الإنسان في قالبٍ أدبيّ يتسم بالإعتدال والجودة الأدبية واللغوية ليبلغ غايته السامية بعيدًا جدالية الكلمة. ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء المصدر / السبيل إلى بحور الخليل كيف " أعدّ نفسي لكتابة الشعر" أ.د. أحلام الحسن