وزير الأوقاف: لا ينكر مكانة سنة نبينا محمد إلا جاحد أو معاند    وزير التعليم: مبادرة وطنية لتعليم الكبار للوصول ل الصفر الافتراضي بأعداد الأميين بحلول 2030    مراكب النجاة، محافظ بني سويف: الدولة تسعى لتأهيل الشباب للهجرة الآمنة    بالصور- تنفيذ 97% من مشروع محور بديل خزان أسوان الحر على نهر النيل    بيان حكومي بشأن تفاصيل التشغيل التجريبي لمحطات الخط الثالث لمترو الأنفاق    زراعة الأرز في مصر.. تقليد قديم وإرث حضاري    أول تصريح لوزير الدفاع الروسي الجديد: الخطأ وارد لكن الكذب ممنوع    خبر في الجول - انفراجة في أزمة دعوات نهائي الكونفدرالية بين الزمالك وكاف    تقارير تونسية: 27 ألف مشجع لمباراة الأهلي والترجي    مؤتمر تين هاج - عن مستقبل برونو وعودة ليساندرو وأهمية هويلوند    انهيار عقار مأهول بالسكان في منطقة العطارين بالإسكندرية    مشيرة عيسى وطلابها فى أمسية موسيقية بالأوبرا، الجمعة المقبلة    ما الفرق بين الحج والعمرة؟.. أمين الفتوى يوضح    بعد أزمة مضاعفات اللقاحات.. وزير الصحة يجتمع مع مدير "أسترازينيكا"    وزير الصحة يبحث مع أسترازينيكا التعاون في تطوير التطعيمات    صحة النواب توافق على تخصيص مبلغ 50 مليون جنيه لموازنة المستشفيات النفسية    رئيس «القنوات الإخبارية»: الملفات المطروحة في القمة العربية تلامس أمن مصر القومي    «النواب» يوافق على موازنة «القومي لحقوق الإنسان»    الخميس.. انطلاق فعاليات مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة على مسرح الهناجر    مبادئ كتابة السيناريو في ورشة ابدأ حلمك بالإسكندرية    طرح فيلم «بنقدر ظروفك» بجميع السينمات خارج مصر يوم 23 مايو    وزير خارجية تركيا: الاحتلال مستمر يوميا في سرقة أراضي الفلسطينيين باسم المستوطنين    يعلمون أنهم على الباطل.. عبدالله رشدي يعلق على تهديد يوسف زيدان بشأن مناظرة "تكوين"    الخارجية السعودية: عدوان إسرائيل أضعف النظام الدولي    اليوم.. التعليم تنشر فيديو توضيحي لطريقة الإجابة على البابل شيت    شولتس: ألمانيا لن تعود إلى جيش الخدمة العسكرية الإلزامية    قائمة الأهلي في نهائي أفريقيا أمام الترجي.. كولر يستبعد 13 لاعبًا    قرار حاسم من «التعليم» ضد 5 طلاب بعد تسريبهم الامتحان على «السوشيال ميديا»    ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي في الإسكندرية    خلال 24 ساعة.. ضبط 14028 مخالفة مرورية متنوعة على الطرق والمحاور    ضبط المتهمين بترويج العقاقير المخدرة عبر «الفيس بوك»    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    تنطلق الأربعاء 15 مايو.. جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي الأزهرية 2024 بالمنيا    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    بمناسبة يومها العالمي، وزارة الثقافة تفتح أبواب المتاحف مجانا عدة أيام    مجلس الدولة: على الدولة توفير الرعاية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة    محافظ كفر الشيخ: اعتماد المخططات الاستراتيجية ل 23 قرية مستحدثة    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    كوريا الجنوبية تعزز جاهزية الجيش للرد على جميع التهديدات    "جهينه" تخفض ديونها بنسبة 71% في نهاية الربع الرابع من 2023    درجة الحرارة الآن.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 14-5-2024 (تفاصيل)    طريقة عمل وافل الشيكولاتة، لذيذة وسهلة التحضير    حبس المتهم لحيازته مخدري الآيس والهيروين في كرداسة    مصر تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في محافظة صلاح الدين بالعراق    مفتي الجمهورية يتوجَّه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى «كايسيد» للحوار العالمي    جيسوس يحسم مستقبله مع الهلال السعودي    الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانًا بمدينة حدائق أكتوبر    توقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة يدخل أسبوعه الثاني    5 أبراج تتميز بالجمال والجاذبية.. هل برجك من بينها؟    تعرف على إرشادات الاستخدام الآمن ل «بخاخ الربو»    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    بروتوكول تعاون بين جهاز دمياط الجديدة والغرفة التجارية    ما مواقيت الحج الزمانية؟.. «البحوث الإسلامية» يوضح    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    برشلونة يسترد المركز الثاني بالفوز على سوسيداد.. ورقم تاريخي ل تير شتيجن    طارق الشناوي: بكاء شيرين في حفل الكويت أقل خروج عن النص فعلته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتورة منى محيلان تكتب من الأردن عن : الإنسان في رواية د. سناء شعلان (أدركها النسيان): ما بين العتبة ودهشةِ الختام
نشر في الزمان المصري يوم 22 - 08 - 2019

صدرت الطبعةُ الأولى للرواية سنة 2018، وما بين سنة النشر وقراءتي للرواية أشهُر معدودات. وما بينهما مفارقةٌ عجيبة، وهي أن تتزامن قراءتي لرواية (أدركها النسيان) وانتشارَ فيديو لطفل يتيم يعنَّف من قبل ذوي قرابته، وقد أحدث الفيديو في حينها صدمة لكل من شاهده. هذا اليتيم، هو أنموذجٌ لشريحة في مجتمعنا، نضيف إليها اللقطاءَ الضائعين المضيّعين المتصاعدين عددا، والمشتتين وطنا.
إن المبدع هو واحد ممن يتلمسون همومَ الناسِ وأوجاعَهم، فيشخّصون الداء، لكنهم يدَعُون العلاج والدواء لكل فرد منا لاسيما المختصون، والمعنيون من أولي الأمر. والرواية التي بين أيدينا هي أنموذج لحالات اجتماعية، تعيش بيننا، من اليتامى واللقطاء.
على عتبة العنوان كتبت الروائية مباشرة: بين علامتي تنصيص “حكاية امرأة أنقذها النسيان من التذكر”، هي ومضةُ اختزالٍ لفكرة الرواية أو ثيمتِها الكبرى، ما معنى أن يكون الإنسان يتيما أو لقيطا في عالمنا العربي؟
والصفحة التالية للعنوان: تضمنت ثلاثَ مقولات: نسبتها الروائية إلى ملحمة “مزامير العشاق في دنيا الأشواق”: من عشِق حُجةٌ على من لم يعشق، ومن تألم حُجة على من لم يتألم، وعندما تحترق الأوطان يصبح العشق محرّما. وختمت بتعليق “إنه اليتم في كل مكان”
ثالوث العشق والوطن والمَيتم: هي محاورُ متعالقةٌ بُنيت عليها الرواية” فمن حُرِم الوالدان حُرّم عليه الوطن والعشق.
بعد صفحة الإهداء، وفي وسط صفحةٍ مفرغة من كل شيء كُتِب في وسطها: بصوت نسائي ضعيفٍ متهالكٍ أضناه الشوق “إنني أراكَ”، وفي نهاية الرواية نسمع صدى صوتِ عاشقٍ كئيب أعياه البحث عن الحبيبة، وفي صفحةٍ مفرغةٍ كُتب في وسطها أيضا “إنني أراكِ” مسبوقةً بكلمة “البداية”.
وما بين البداية والبداية، وما بين الرؤية والرؤية يتوالى ثلاثون نسيانا متسلسلا رقميا، حمل كلُّ نسيان إضاءتين ألْقتا ظلالا على محتوى النسيان. أولاهما العنوانُ الخاص بالنسيان، وثانيهما نجوم الأوريغامي الملتمعة في مطلع النسيان (الأوريغامي فن طي الورق).
فإن أنت تفيّأت ظلال العنوان وجدت أن أعلام شخصيات الرواية احتلت الحيّزَ الأكبر منها؛ وبذلك سلمتنا الروائية مِفتاح كل نسيان: فمن الضحاك سليم إلى بهائي إلى أفراح الرملي فوفا الذيب فثابت السردي فتيم الله الجزيري، ثم تقافزت العناوين ما بين أزمنة وأمكنة وأوصاف وحالات، تعالقت فيها عناوينُ النسيان مع نجوم الأوريغامي السبعة التي استهلّت بها الروائيةُ كلَّ نسيان، احتوت النجوم على مقولاتٍ فلسفية ومنظوراتٍ روحية أو روحانية، وبلغة شعرية من إنشاء بهاء شكّلت ثلاثين برجا من أبراج النسيان.
ومن عتبة العنوان لكل نسيان، ونجوم الأوريغامي، ضفرت الروائيةُ لوحاتٍ ورسوماتٍ متحركةً ومقاطعَ فيديو بُعثت من جديد في ذاكرة الضحاك سليم والحبيبةِ الحمراءِ الفاتنةِ بهاء. ابتداءً من الميتم الصغير الذي أقاما فيه ردحا من زمانهما الصعب، إلى الميتم الأكبر الوطن، الذي لم يتسع لهما لإقامة بيت لا يزيد على مساحةِ حُلمٍ لفتاة لقيطة وفتى يتيم، لم يجدا بواكيَ لهما إلا ممن قرأ رواية (أدركها النسيان).
وفي كليات الرواية تكريسٌ لما نتداولُه من أن إنسانَنا العربي يبدعُ حين يغتربُ عن وطنه؛ لأنه يجدُ من يتبنى فكرَه ويدعمُه ويتيحُ له مساحة كبرى من الإبداع، لكنه في أوطانِ القمع العربي يتيم، مغبونٌ حقُه في العشق والحياة الفضلى.
وبين ثنائية التذكر والنسيان، والاتصال والانفصال، والوطن واللاوطن، والفضيلة والرذيلة، والحياة والموت، تبني الروائيةُ تقابليةً كبرى ما بين حالتين جمعهما فقدان الوالدين وعشقٌ كبير، وفي البَدء كانت الكلمةُ نورا وسلاما، تشدّ وثاقَهما، تارةً حزنا وألما، وتارةً أخرى قهرا وغيظا، معَ كثيرٍ من الحب، وقليلٍ جدا من الفرح، وتسير أقدارُهما ويخرجُ كلٌّ منهما إلى شوارعِ الوطن على تراخٍ زمنيٍّ بينهما، ويُيسرُ اللهُ للضحاك قريبا يتبناه في بلاد الصقيعِ طقسا، لكنها الحارةُ الدافئةُ بالحبِ والرحمةِ والإنسانية، فيجتاز الضحاكُ امتحانَ الحياةِ بتفوق، ويركبُ طبقا وراء عن في سماوات العلمِ والمعرفةِ والثقافةِ والإبداعِ وعالم المال والأعمال، في حين تبقى الحبيبة بهاء مضيّعةً في شوارع الوطن، مغتصبةَ الجسدِ والكلمة.
وتتقلبُ صفحات النسيان وتنطوي واحدةً بعد أخرى في حين تنفتحُ نجومُ الأوريغامي نجمةً من بعدِ نجمة، ويصير النسيانُ هو باب الرحمة لمومس شريفةٍ برُغم اغتصاب جسدِها وكلمتها، بالعنف حينا وبالخضوع والاستسلام لواقعٍ أسودَ مرير في ميتم كبير لا يعترف باللقطاء هو الوطن.
وتدهشنا الروائيةُ في النهايات المتعددة للرواية، فمن قول قائل إن الضحاكَ وحبيبتَه بهاء، ولدا من جديد وكان بَدء الكلمة بحياة تغمرها السعادة. إلى قولٍ إن الحبيبين استطاعا أن يلتقيا في عالمٍ ما بعيدٍ عن هذا العالم الشرير، وأنهما يعيشان حلمَهما بالحب الأبدي، إلى مقولة مخيفة يتناقلها الأطفال عن الشبحين اللذين يعيشان في القبو،َ يذكرون أن طفلةً حمراءَ ملعونةً وطفلا عاشقا لها مدفونان في تراب القبو بعد أن حبستهما مديرة الميتم في القبو إلى أن ماتا جوعا. إلى ما بعد النهاية حين نرى في أفق بحري ظلين يركضان نحو الرَّحب، فرحَين بالعشق الذي لا يموت… إلى نهايات وبدايات لتقولَ لنا: هي قصص أيتامٍ ولقطاءَ، مهمشين في وطنهم، ومهما تقلبت الأوجهُ والاحتمالاتُ في مشوار حياتهم يبقى عنوانُها القهرُ والانكسار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.