في محاولة قسرية للربط بين الفقر الشديد والمرض النفسي كأثر حتمي للعوز والخوف، جاءت حدوتة غادة عبد الرازق الميلودرامية المرة، كخلفية لأحداث وسياقات اجتماعية تنبئ بما تود أن تضع فيه البطلة نفسها لإحداث التأثير المأساوي الفج كي يتعاظم جمهورها وتظل حديث الشارع المصري لأطول وقت ممكن. ويبدو أن هذه هي الحيلة التي تفتق عنها ذهن كل من الكاتب عمرو عبد الحليم والمخرجة ياسمين أحمد كي يصنعا حالة تراجيدية تتناغم مع ما قدم في غالبية المسلسلات الرمضانية هذا العام على اعتبار أنه سيشكل اتجاهاً مغايراً لما سبق، فضلاً عن توافق الشكل الدرامي الجديد ومضمونه مع ظواهر الخطف والسرقة وبيع الأطفال وتجارة الأعضاء البشرية الرائجة والمنتشرة، بغير رادع يقضي على الجرائم أو يُحجم الظاهرة! لقد وجدت البطلة ضالتها في تلك الحدوتة المرة فأمسكت بتلابيبها وأبت إلا أن تقدمها في ذلك القالب التأثيري على أن تلعب هي دور الأم الشريرة غير مبالية بردود الأفعال الجماهيرية الساخطة، وهو ما يمثل جرأة ومغامرة كبرى، حيث يعد ذلك اللون الدرامي غريباً إلى حد ما على المجتمع المصري الذي لا يزال يُنكر مثل هذه الجرائم ولا يعترف بالظواهر السلبية خوفاً من فكرة التعميم وإطلاق الأحكام الجزافية عليها بوصفها واقعاً حياً وليس مجرد حالات استثنائية شاذة. وبرغم أسبقية السينما في تجسيد ظاهرة بيع الأطفال كانعكاس لحالات الفقر الشديد في أفلام كثيرة كان أهمها فيلم "الجراج" للمخرج الراحل علاء كريم وبطولة نجلاء فتحي قبل عدة سنوات، إلا أن الجمهور لم يستسغ الفكرة ولم يقبلها إلا في إطار إنساني يقدم معالجة موضوعية تسهم في إيجاد حلول جذرية للمشكلة الاجتماعية الأخطر. أما المتاجرة بالقضية على النحو الذي تقدمة غادة عبد الرازق فهو ما تجزع منه النفس وتتقزز منه المشاعر بوصفة تقريراً تفصيلياً لجريمة بشعة ترتكبها أم مريضة تخلت عن إنسانيتها فصارت تستعذب الانتقام من نفسها ومن فلذات أكبادها وكل المحيطين بها وهو ما يُصنف قانونياً بالشروع في القتل، إن لم يكن قتلاً فعلياً وهو أمر قد لا يخص الحالة الدرامية فقط، وإنما يجوز إسقاطه على المتلقي باعتباره ضحية لأفكار درامية هدامة تؤثر سلباً على حياته وتنقل إليه بالعدوى تبعات المرض النفسي الذي يصيب الأطفال والكبار على حد سواء بتشوهات نفسية مزمنة. ليس المهم في النوعيات الدرامية الخاصة أن تكون مثيرة فحسب، ولكن الأهم أن تحمل قيمة موضوعية يتم التعويل عليها بشكل أساسي في عملية التوظيف الفني والإنساني والاجتماعي والثقافي، لا أن تُترك المجالات الإبداعية مفتوحة للمفاهيم الشخصية ووجهات النظر، فيسهل على كل من هب ودب استثمار الدراما بشكل انتهازي يغلب عليه الجانب التجاري بتقديم المثير والملفت والشاذ كي يكون الاختلاف هو المنطق الوحيد الذي يحكم العملية الإبداعية مهما كانت خطورة هذا الاختلاف، بيد أن ما يُسمى بالمختلف، هو في واقع الحال مُخالف لنظرية الابتكار والتكوين والتجديد التي يجب على كل مُبدع الاضطلاع بها لتحقيق الغاية المثلى من إبداعه واختلافه وتصويره للواقع الإنساني بصدق ومسؤولية بعيداً عن التلفيق والقبح ومواطن الإثارة والمغالطة. هذا في ما يخص الموضوع إجمالاً، والتعبير عنه وزوايا التناول والشخصيات ففيها قولان، حيث يحتوي الفراغ المتبقي من مساحات البطلة الشاسعة، على ما يجدر بالمشاهدة فهناك أداء متميز لمجدي كامل الذي يلعب دورا أقل من قدراته التمثيلية بكثير، ولكنة استطاع في الحيز الضيق الذي يشغله أن يكون على المستوى المطلوب من الإقناع في حدود ما تسمح به شخصية الأب الضعيف والزوج المنقاد وراء الزوجة القوية المتسلطة، وكذا تميز كل من الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة وأحمد صيام وأحمد صفوت ومنال سلامة، بالإضافة إلى الوجوه الجديدة المبشرة التي اقتنصت فرصة الظهور في الموسم الرئيسي لإثبات وجودها كبطلات ونجمات لأعمال مستقبلية مقبلة لو استمروا بهذه الكفاءة، ومنهم الممثلتان الشابتان اللتان لعبتا دور ابنتي مجدي كامل المتمردتين في تمهيد ذكي لما تحمله الحلقات المتبقية من مفاجآت تُعطي للمسلسل زخماً وأبعاداً أخرى وربما تغير قناعة المشاهد فيما يراه نقصاً في المعالجة ومبالغة غير مبررة في أداء البطلة وجبروتها.