تعجبت من الدعوات التى انتشرت قبل أيام عبر مواقع التواصل الإجتماعي ضد اللاجئين السوريين ، والتى تنادى الحكومة المصرية بضرورة اصدار قوانين للحد من زيادة أعداد الأخوة السوريين داخل مصر وتملكهم للكثير من الأموال والعقارات والمحلات، وكانت تلك الدعوات قد إنطلقت فور تقدم بعض المحامين المصريين ببلاغا للنائب العام بحجة أن السوريين في مصر يملكون 23 مليار دولار، وأنهم استولوا على الشقق والمحلات والمطاعم . تلك الدعوات المغرضة جعلت الأقذام يخرجون من جحورهم ويصطادون في الماء العكر ، فقد علقت النائبة الكويتية صفاء الهاشم على تلك الدعوات ، وقالت في تصريحات لصحيفة “الراي” الكويتية، أمس الاثنين: “استغرب من تقديم المصريين بلاغا للنائب العام بحجة أن السوريين في مصر يملكون 23 مليار دولار، وأنهم استولوا على الشقق والمحلات والمطاعم، وفي المقابل هم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما نثير هنا في الكويت ملف التحويلات المالية للوافدين والتي تجاوزت 20 مليار دينار خلال الخمس سنوات الماضية”. وأضافت الهاشم : “هناك تقريرًا جاهزا على جدول أعمال مجلس الأمة بشأن فرض ضريبة على التحويلات، وينبغي إقراره بأسرع وقت حتى نحد من التحويلات التي تؤثر على الاقتصاد الكويتي”. أولا : نترك أمر ” صفاء الهاشم ” فالجميع يعرفها ،فمعظم تصريحاتها ما هى الا مغالطات ، وعدم دراسة للمواضيع التى تتحدث فيها ، فقضية اللاجئين السوريين في مصر لاعلاقة لها بقضية العاملين المصريين بالكويت ، والقضيتان مختلفتان اختلاف الشرق والغرب .. المهم : دعونا من الست ” صفاء ” وللمرة الثانية ندعوا لها جميعا بالهداية . ثانيا : نعود لتاريخ مصر واللاجئين ، فمصر منذ قديم الأزل وهى تفتح أبوابها للأشقاء العرب وللأصدقاء من كل دول العالم العربي والإسلامي التى عانت من اضطرابات سياسية وعسكرية، أو أزمات إقتصادية قاسية ، أجبرت آلاف المواطنين من هذه الدول إلى ترك بيوتهم وممتلكاتهم، والبحث عن مكان بديل آمن لهم، فبعضهم اختار مصر وآخرون اختاروا دولاً أخرى ، لتظل التجرية المصرية في التعامل مع أزمة اللاجئين، هي التجربة الرائدة، حيث دمجت مصر اللاجئين من شتى الدول، بين نسيج أبناءها، فلم يشعروا يوما أنهم خارج بلادهم، نظرا لطيب العيش والمسكن وفتح الأسواق للتجارة والتعامل، كحال أبناء الوطن الواحد ، فلم تتاجر مصر يوما بقضية اللاجئين كما تاجرت بعض الدول بقضية اللاجئين الموجودين لديها، واستخدمتهم كورقة ضغط فى بعض الأحيان لتحقيق مصالحها الاستراتيجية حين تلقت أموالا مقابل منع اللاجئين من السفر إلى دول أخري، وقامت ببناء حواجز ضخمة على الحدود بينها وبين الدول المنكوبة لمنع تدفق اللاجئين إليها رغم الوضع الإنسانى المؤلم فى هذه الدول ، إلا أنها تمارس المتاجرة بهؤلاء اللاجئين فيها. لكن وفى المقابل فإن دولة مثل “مصر” تستقبل مئات الآلاف من اللاجئين المسجلين على أرضها بخلاف ملايين من اللاجئين غير المسجلين الذين تقدم لهم مصر العديد من الخدمات الإنسانية دون المزايدة بهم والزج بهم فى صراعات سياسية إقليمية ، وتعاملت “بأخلاقية” كبيرة فى مسألة اللاجئين، عبر تاريخها القديم والحديث ، على خلاف ما تعالت به بعض الدول الأخرى التى تأخذ من مسألة اللاجئين وسيلة لتسول الأموال، وتنفيذ الصفقات السياسية. وعلى الرغم من ما تتحمله مصر من أعباء باعتبارها دولة عبور للمهاجرين ومقصدا للاجئين العرب وقت المحن والأزمات، حيث تستضيف في الوقت الحالي نحو 5 ملايين لاجئ، لكنها فى المقابل تحرص على معاملتهم كمواطنين وتوفر لهم الخدمات الصحية والتعليمية، كموطنين وليس لاجئين، فى بيوت أبناءها، وليس لديها أي معسكرات إيواء، حتى فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة لم تقصر مصر أبدا فى التعامل بكرم وأخوة مع من اختاروها مقرا مؤقتا للإقامة. بعكس ما نشاهده اليوم في العديد من معسكرات اللاجئين فى عدد من الدول، من اشياء يندى لها الجبين، فهى عبارة عن عشش رديئة بلا أسقف أو فى أحسن الأحوال مغطاة ب “بلاستيك” وفيها الصرف الصحى غير مغطى ويسير فيما يشبه “نهر” صغير، وهو المشهد الذى لا يمكن أن تجده أبدا فى مصر، حيث يأتى اللاجئ ليعيش بجوار المصرى ويفتح له المجال حتى فى الاستثمارات وإقامة المشروعات التجارية والصناعية، وهذا هو المبدأ الذى تتعامل به مصر على مر السنوات،حتى منذ استقبال الأشقاء الفلسطينيين الذين يعيشون بين فئات المجتمع المصري بدون تفرقة ولا عنصرية ، في الوقت الذى عجزت فيه معظم الدول العربية ، حتى الدول الخليجية صاحبة النفط في فتح أبوابها للاجئين العرب ، لتظل مصر طوال الوقت ملجأ ووطنا لكل شعوب المنطقة فى أوقات الصراعات، حيث استقبلت مصر الأشقاء الكويتيين عند وقوع غزو الكويت، ثم العراقيين بعد الغزو الأمريكى للعراق، ثم استقبلت من بعدهم السوريين والليبيين وأبناء اليمن وجنوب السودان وغيرهم، وتفتح أبوابها دائما لكل الأشقاء فى وقت المحن ، ومازالت تستقبل الأشقاء بكل حب وترحيب ، فلم تتألم ولم تتأوه كما فعلها البعض من الأشقاء ، فلم نسمع مرة واحدة مندوب مصر في الأممالمتحدة يقول أن بلادنا استقبلت المُهَجْرين من سوريا أو العراق أو ليبيا … الخ . لأن مصر قيادة وشعبا تعرف أن لها دوراً كبيراً في المحن والشدائد التى تصيب الأمة العربية من الحين للأخر ، فهي الأم والملاذ والملجأ لكل الأشقاء .