تفاصيل عملية التصويت في 55 دائرة بإعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    ببلاغات من العمال| الكشف عن تلاعب صاحب مصنع في أوزان أنابيب البوتاجاز    أسعار اللحوم في أسوان اليوم 17 ديسمبر 2025    أسعار السمك في أسوان اليوم 17 ديسمبر 2025    تعرف علي سعر صرف الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025    هزة أرضية بقوة 5 درجات تضرب ألاسكا والسلطات الأمريكية تتابع الوضع    هل نفذت إسرائيل استحقاقات المرحلة الأولى كي تبدأ " الثانية"؟    موعد مباراة الأهلي وسيراميكا في كأس عاصمة مصر    رحلة استعادة عرش أفريقيا.. منتخب مصر يطير اليوم إلى أغادير بطائرة خاصة    ملثمون يلقون «مية نار» على 3 طلاب بجامعة بنها    طقس اليوم: معتدل الحرارة نهارا بارد ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 20    مصرع شخص بطلق ناري في إدفو    مواعيد قطارات المتجهة من أسوان إلى القاهرة اليوم 17 ديسمبر 2025    صدمة.. ضحايا غرق مركب الهجرة المصريين "أطفال".. نجا منهم 2 من أصل 27    طرح الحلقة الأولى من الموسم الثاني لمسلسل Fallout    القضاء الفرنسي يطالب بغرامة تاريخية على لافارج بتهمة تمويل الإرهاب بسوريا    واشنطن: لن نسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية    صحة أسيوط تنفذ 40 ألف زيارة وسحب 21 ألف عينة مياه لتوفير بيئة آمنة    اليوم انطلاق جولة الإعادة للمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب في 13 محافظة    البريد المصري يستضيف ورشة عمل "نظم وأدوات تكنولوجيا المعلومات"    واشنطن تهدد الاتحاد الأوروبي بالرد على قيود الشركات الأمريكية    في غياب مرموش، مانشستر سيتي يواجه برينتفورد في ربع نهائي كأس الرابطة الليلة    محمد رمضان: أمتلك أدلة تثبت أحقيتي بلقب «نمبر وان»    محمد علي السيد يكتب: عن العشاق.. سألوني؟!    حسن مصطفى: منتخب مصر قادر على التتويج ببطولة أمم إفريقيا    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بحلوان    حبس المتهمين باستغلال نادى صحى لممارسة الرذيلة بالقاهرة    إنطلاق المهرجان الشبابي الرياضي للتوعية بالأنشطة المالية غير المصرفية    سيد محمود ل«الشروق»: رواية «عسل السنيورة» تدافع عن الحداثة وتضيء مناطق معتمة في تاريخنا    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي لعام 2025    رئيس محكمة النقض يترأس لجنة المناقشة والحكم على رسالة دكتوراه بحقوق المنصورة    حملة تشويه الإخوان وربطها بغزة .. ناشطون يكشفون تسريبا للباز :"قولوا إنهم أخدوا مساعدات غزة"    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    أحمد مراد عن فيلم «الست»: إحنا بنعمل أنسنة لأم كلثوم وده إحنا مطالبين بيه    نصائح تساعدك في التخلص من التوتر وتحسن المزاج    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    انفجارات في كييف وإعلان حالة إنذار جوي    «كان مجرد حادث» لجعفر بناهي في القائمة المختصرة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    عمر كمال وأحمد بيكام يشاركان أحمد عبد القادر حفل زفافه بالدقهلية.. صور    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الحكومة هدفها خفض الدين العام والخارجى    ترامب يعلن أنه سيوجه خطابا هاما للشعب الأمريكي مساء غد الأربعاء    جزار يقتل عامل طعنا بسلاح أبيض لخلافات بينهما فى بولاق الدكرور    مسؤول إيرانى سابق من داخل السجن: بإمكان الشعب إنهاء الدولة الدينية في إيران    ضياء رشوان: ترامب غاضب من نتنياهو ويصفه ب المنبوذ    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    "الصحة": بروتوكول جديد يضمن استدامة تمويل مبادرة القضاء على قوائم الانتظار لمدة 3 سنوات    نائب وزير الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة خطر على الأم والطفل    شيخ الأزهر يستقبل مدير كلية الدفاع الوطني ويتفقان على تعزيز التعاون المشترك    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    مجلس النواب 2025.. محافظ كفر الشيخ يتابع جاهزية اللجان الانتخابية    السكرتير العام لبني سويف يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرازق الشاعر يكتب عن :قضاة الغفلة
نشر في الزمان المصري يوم 03 - 06 - 2012

لأن راتبه الشهري الذي يتقاضاه من عمله لم يكف لشراء الستر والتعفف، اضطر أحد القضاة في بلاد حزينة كبلادنا أن يقترض ويستدين. ولأن النفقات كانت تتزايد بوتيرة لا تمكنه من سداد دينه، اضطر صاحبنا إلى الانزواء والادعاء، وكانت زوجته تنكر وجوده بالبيت كلما أطلت من نافذة الباب الضيقة ورأت أعين الديانة تنفث شررا. وحين ضاقت الزوجة المسكينة بحالها تلك، ذهبت إلى زوجها المتلحف بدثار مهترئ لتقول: "كيف تستطيع بالله أن تنام عن كل هذا الدين يا رجل؟" عندها أدار إليها زوجها وجهه متثائبا وقال: "لا تسأليني هذا السؤال يا امرأة؟ سلي أولئك الذين ناموا عن حقوقهم."
كم كسب المراهنون على صمتنا جولات وصولات، وكم التصقت ألسنتنا المشققة من جفاف أمل بسقوف حلوقنا الضيقة، وكم نسينا الحروف وخانتنا اللغات، وكم ارتعدت فرائصنا وتآكلت مفاصل أقدامنا ونحن نقف على عتبات التاريخ نطالب بحقنا في الحياة كبقية شعوب الأرض، وكم خسرنا معارك لم نخضها وتنازلنا طواعية عن آمالنا البسيطة في لقمة عيش غير منقوعة في زيت الهوان. وكنا ندعي الشجاعة أمام المرآة وأمام الأطفال، ونفرط في إبراز أحبالنا الصوتية من شحوم رقابنا المكتنزة أمام زوجاتنا. لكننا كنا نشعر بالضعة والهوان أمامهم ونطأطئ رؤوسنا في حضرتهم حتى تلتصق أنوفنا بأحذيتهم الرخيصة إيثارا للسلامة وحرصا على حياة - أي حياة، وكأننا السارقون وهم أصحاب الغرم.
وهكذا نام أصحاب السعادة عن حقوقنا، وسقطت ديوننا بالتقادم، وذهبنا إليهم نتسول شعاع النهار وقمر الليل وفراشا خشنا بجوار أي مقبرة. لم نطلب أكثر من كسرة خبز جافة ولم نتسول إلا ما يسد جوعة صغارنا، لكنهم أصروا على لحس أطباق النعم كلها واستكبروا استكبارا. لم نكن والله نريد صداما معهم، وكما نبحث في شقوق الممكن عن لقمة تعايش وطوقي نجاة. لكنهم تلذذوا بوقفتنا أمام حاويات التاريخ نبحث عن أي خيار بديل يقينا وإياهم شرور المواجهة. تلذذوا بغرق أطفالنا في برك المجاري وحمأة الفقر والجوع والمرض، وطاردونا في منافي التاريخ ليجهضوا العيون من آمالها والصدور من أحلامها ليصبح المستقبل كله لهم دون سواهم.
وكاد يفلح مسعاهم حتى انفجر بركان الغضب في مراجل صدورنا دون تخطيط منا أو سابق ترصد. ووجدنا خيولنا الجامحة تتقدم نحو خطوطهم هلعا من صوت النفير، ووجدناهم ينهزمون أمام طموحاتنا المشروعة في العيش والحرية والكرامة. فاستقوينا بصهيل الخيل وصهيل الأحلام، وتقدمنا نحوهم بفروسية منتحر، فانهزم القوم أو كادوا، لولا تصارعنا على لجام الفرس وصهوته. ثم دارت كتيبتهم من خلف خطوط فهمنا حين غفلنا عن أمتعة وعينا، وأشبعونا رميا بالوعود والقنابل المسيلة للحقوق، وانشغلنا بسقط متاعهم، وضرب خيولنا من تحت الحزام في معركة غير شريفة بين إخوة كرامازوف الذين تعلموا القفز فوق مطالبهم المشروعة والذهاب نحو مفترق الطرق.
لكنهم عادوا وتجمهروا حولنا في جلبة لا تخطئها أذن بصير، فأدركنا أنه قد أحيط بنا، وعرفنا مصدر السهام التي اخترقت كبد الوعي وفحولة الأحلام. فنهضنا من فوق تراب الهزيمة لننفض أجنحتنا المتعبة ونهدهد أرياشنا المتربصة برفيق الدرب والفقر والأمل. نهضنا - شكرا لتعجلهم إنهاء الثورة من أول جولة - بعد أن أفاقتنا طرقاتهم المتتالية فوق جماجمنا اللاهية، ووجدنا أنفسنا نتوجه دون وعي إلى أول الطريق لنبدأ معا من أول السطر حكاية جديدة، مسلحين بوعي أكبر وتصميم أشد على حياة تستحق أن نحياها. عدنا من نقطة الصفر إلى مياديننا المرهفة لنكمل غلالة الثورة ودثارها ونتقدم نحوهم دون خوف ودون خجل لأننا قررنا أن نطرق باب قاضينا المتغافل عن طرقاتنا حتى يخرج إلينا ويوفينا حقوقنا غير منقوصة.
لن يستطيع قاضي القضاة سيد قراره أن يتهرب اليوم من ديانة التاريخ، ولن يهنأ بشربة ماء حتى يشبع آخرنا وترتوي دوابنا من نبع بلاد أنكرناها وأنكرتنا وتنازلنا عن حقنا فيها طواعية وتنازلت عن حقها فينا جبرا على مدار عقود. لن يهنأ قاضي القضاة برقدة هنيئة فوق أسرتنا الواسعة بعد اليوم وإن وضع وسادتين من طين فوق أذنيه، لأن أكفنا التي عرفت طريقها لن تتوقف عن طرق باب قضاءه الخفيض حتى يسمع، ولن تتوقف هتافاتنا الموحدة أمام قصره المنيف حتى يخرج إلينا أو يرحل عنا من باب التاريخ الخلفي.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.