لا أحد ينكر أن الأزمات كالأعاصير والزلازل وغيرها من الظواهر الطبيعية تحل بالدول دون إختيار منها ، بل رغم أنفها ، وتكون مكرهة عليها ، لكنها جند من جنود الله يرسلها كما يشاء ، ولمن يشاء ، وتكون للعبرة والعظة ، أو للابتلاء والإختبار ، وأحيانا للغضب والانتقام ، فالكون بيده والبشر عباده ، وكل شيء عنده بقدر معلوم _ ولكن النجاح والعبرة بالخروج من الكارثة أو الأزمة بأقل الخسائر سواء البشرية أو المادية ، فالدولة التى تحتاط وتتهيأ وتستعد للكوارث والأزمات قبل وقوعها، يمكن أن تخفف من آثار تلك الكوارث والمصائب الطبيعية. وقد رأينا دول كبري متقدمة تتعرض لأكبر وأصعب الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والاعاصير ، وغالبا ما تكون خسائرها البشرية أو المادية متدنية جدا مع حجم وقوة الكارثة ، بينما نرى الأمر مختلف تماما في دول أخرى ، فقد تمر تلك الدول بأزمات بسيطة ، لا تصنف كأزمات أو كوارث ، كسقوط أمطار غزيرة، أو انهيار عقار ، ونراها تعصف بها ، وتغرق في شبر من المياه ، لانها غير مهيئة وليست مستعدة للتعامل مع الأزمات ، وتفشل في الخروج من الأزمة بسلام ، والعجيب أن نفس المشكلة تتكرر معها عام بعد عام ، لتكون المحصلة مئات من الوفيات ، والخسائر المادية الفادحة ، لأنها لم تستطع التعامل مع الأزمات بالعلم وبفن إدارة الأزمات…” ولم تتعلم من أزماتها السابقة في المستقبل ، لانها تعتمد على العشوائية في التخطيط .. الإيمان بالله وقدره ، الإستعداد المبكر ، جمع المعلومات ، الثقة في القدرات على تجاوز الأزمة ، والشفافية في التعامل مع الأزمات _ إنها صفات مدرسة عربية أسمها ” سلطنة عمان ” تكاد تكون الوحيدة بالمنطقة التى تمتلك تلك الصفات في التعامل مع الأزمات ، دولة شامخة متماسكة ، يحتار فيها العدو ” إن كان لها عدو ” وذلك لتماسكها ، وحب شعبها لها ، ولطابعها العام الذى يغلب عليه الصفح والتسامح . فقد نجحت السلطنة بفضل قائدها العظيم السلطان ” قابوس بن سعيد “والحكومة العمانية الرشيدة في بناء نهضة شاملة ، كان أهمها ، بناء الإنسان العماني ، وسخرت كل الإمكانيات المادية والبشرية لبناء مواطن واعي ومثقف ، محب لوطنه ، ومدركا لمعنى الوطنية ؛ فهو الهدف الأسمى من التنمية وغايتها، ولقد جنت تلك الإدارة الحكيمة ما زرعت، فقد أثبت المواطن العُماني للعالم كله بإنه الأقدر على مواجهة التحديات وإدارة أزماته الداخلية بكل وعي وحكمة ، فقد شهدت السلطنة خلال العقد الماضي عددا من الأنواء المناخية ، وكان أهمها إعصار “جونو” الذى ضرب العاصمة العمانيةمسقط عام 2007 ، وإعصار” مكونو” الذى ضرب محافظة ظفار في يونيه الماضي ، والتي كانت كفيلة لتبرهن للعالم كله مدى الوعي والهمة للمواطن العماني ومقدرته على مواجهتها رغم صعوبتها. فبعد الأنواء المناخية المتتالية التي تعرضت لها السلطنة ك”جونو” و”فيت” و”شابالا” و” مكونو” ، والنجاح الغير متوقع في الخروج من كل هذه الأزمات بسلام وبأقل الخسائر ، فقد ضربت السلطنة مثالا يحتذى به في كيفية مواجهة الأزمات، والخروج منها بأمان .. الأن تواجه السلطنة عاصفة مدارية أطلق عليها اسم ” لبان ” بالقرب من سواحل محافظة ظفار ، لتبرهن على يقظة العمانيين، وجاهزية وكفاءة الكوادر البشرية العمانية في الأجهزة المدنية والعسكرية والقطاعات الأهلية بمؤسساتها وأفرادها؛ للتعامل مع تلك الأنواء، وتمثلت تلك الجاهزية والكفاءة البشرية فيما تنبأت به وبدقة عالية جدًّا الهيئة العامة للطيران المدني -ممثلة بالمديرية العامة للأرصاد الجوية والمركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة حول تحرك العاصفة المدارية ” لبان ” لحظة بلحظة وتأثراتها المباشرة وغير المباشرة على محافظة ظفار ، حتى تنتهي تلك التأثيرات بسلام . النموذج العماني وإدارة الأزمات ————————————— تعامل سلطنة عمان كدولة , والمواطن العماني كمواطن في المجتمع مع الأزمات والأنواء المناخية بداية من جونو ومرور ب « مكونو » ونهاية بالعاصفة المدارية لبان والتى لم تنتهي تبعاتها حتى كتابة هذه السطور .. ضرب النموذج العماني للجميع أروع النماذج لتعامل الدولة المتحضرة والشعب المثقف الواعي ، والذى يحسن التعامل أثناء حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية بكل حكمة وهدوء ، من خلال أجهزة ومؤسسات جاهزة لمواجهة الكوارث الطبيعية ، والتنبأ بها قبل حدوثها ، وفن التعامل معها، ناهيك عن الإنسانية التى يتصف بها المجتمع كله، بطبقاته وأفراده سواء كانوا عمانيين أو مقيمين .. دروس كثيرة رأيناها رأي العين في هذا البلد المنظم والأمن والمتعاون من خلال التعامل مع الأنواء المناخية ، يستفاد من هذه الدروس الأخرون ، ليتعلموا كيفية التعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية بأمن وسلام …. فن إدارة الأزمات والكوارث ———————————– التعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية فنا وعلما وإدارة لا يتقنها الا القليل من الدول الواعية ، والتى وصلت لدرجة من الوعى والثقافة ومنها – سرعة توقع وتحديد توقيت بدء الإعصار على نحو دقيق ، حجمه ومساره وسرعاته المختلفة، ومن ثم تكون الدولة بكامل أجهزتها المختلفة قادرة على التعامل المسبق مع مثل هذه الإزمات والكوارث ، وبالتالى الحد من الخسائر البشرية، أو منع حدوثها إن أمكن ، وهو أكثر ما يهم الدول الناجحة والمتقدمة، ثم الحد قدر الإمكان من الخسائر المادية ، والحفاظ على الممتلكات العامة ، والبنية التحتية .. العاصفة المدارية # لبان # ورحلتها الى ظفار ——————————————————— كلنا رأينا منذ البداية ، وقبل أن تبدا العاصفة المدارية ” لبان “رحلتها في بحر العرب متجهة الى سواحل محافظة ظفار ، وبالتحديد ولايات المزيونة وضلكوت ورخيوت وصلالة ، وندعو الله عز وجل بأن تنتهى خطورتها كعاصفة مدارية ، وأمطار خير وبركة – وجدنا أن كل مؤسسات وأجهزة الدولة بسلطنة عمان كانت مستعدة تماماً للتعامل مع هذه العاصفة ، وتحسبا لتحولها الى إعصار مداري ، ورغم أن العاصفة كانت فى طريقها لضرب السواحل الجنوبية الشرقية للسلطنة وتحديداً محافظة ظفار ، إلا أن الاهتمام كان على المستوى العام ، وتحركت كل مؤسسات السلطنة في متابعة تحرك العاصفة خطوة بخطوة ،وعلى مدار الساعة ، وأعلنت الطوارئ في كافة المؤسسات المختلفة كالصحة والتعليم والطيران المدني والإعلام ، وغيرها من المؤسسات العامة ، الجميع يتابع تطورات الموقف لحظة بلحظة ، وتم تعليق الدراسة بمحافظة ظفار أمس الخميس ، وتم نقل الأحداث على الهواء مباشرة على مدار ال24 ساعة يوميا ، ونقل جهود رجال الشرطة والأجهزة التنفيذية فى إقناع المواطنين بالانتقال إلى مواقع آمنة بعيداً عن مسار الإعصار، والتوعية والارشاد لكافة المواطنين والمقيمين بالمناطق المحددة للتعرض للإعصار ، ووقف الجميع صفاً واحداً، على قلب رجل واحد رجال الأمن والإدارة السياسية مع الإدارة التنفيذية والأجهزة المحلية، الجميع قام بدوره على أكمل وجه، ليضربوا بذلك أروع الأمثلة للدولة المتقدمة بالفكر والعلم ، ومواطن على درجة عالية من الوعي والثقافة والأخلاق .. لتنجح سلطنة عمان كدولة ، والمواطن العماني في التعامل مع الأزمات بكل حنكة وحكمة . رجال الدين على قلب رجل واحد —————————————— مواقف قد لا نراها الا في قليل من الدول المتحضرة _ توجه رجال الدين والمصلين في المساجد في كل مكان من محافظات السلطنة وليست محافظة ظفار المختصة بالإعصار وكأنهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى – توجه الجميع في صلواتهم بالدعاء إلى الله بأن يحفظ عمان وأهلها والمقيمين على أرضها من هذا الإعصار المدمر، وجرت صلاة الجمعة اليوم ، خاصة ونحن في ساعات قبول الدعاء والنفحات والتقرب الى الله بالابتهال والخضوع والإستغفار، ليحفظ الله عمان شر الأعاصير والكوارث والفتن ما ظهر منها وما بطن .. الإعلام البناء ودوره في التعامل مع الأزمات ——————————————————- الإعلام وما أدراك ما الإعلام ، أنه القنبلة الموقوتة وقت الأزمات والكوارث …. كان الإعلام العماني متفوقا على نفسه بمتابعته المباشرة للحدث، وكانت صور ومتابعة الأعصار تنقل مباشرة للمواطنين والمقيمين، ، والتعامل المباشر عنصر هام من عناصر إشاعة الطمأنينة والهدوء ، وانعكاس للثقة بالقدرة على التعامل مع الأزمة، كما أنه يقطع دابر الشائعات والأكاذيب التى تضر بالصالح العام ، ولاسيما وقت الأزمات والمحن ، ليمسك الاعلام العماني البناء بزمام المبادرة ويسيطر على المعلومة ليبثها للناس بدلا من تركهم نهبا سواء لوكالات عديدة للأنباء ، أو لتخاريف وشعوذة مواقع التواصل الإجتماعي التي غالبا ما تثير الرعب والهلع والزعر بين أفراد المجتمع ، وتخلق حالة من الفوضى تتسبب في زيادة النتائج الوخيمة للأزمة … سلوك المواطن العماني مع الأزمات —————————————- ضرب لنا المواطن العماني أروع الأمثلة بسلوكياته الحميدة وأخلاقه الإنسانية الراقية حياك ما وقع من أزماتها مع الأنواء المناخية ، وخاصة إعصار جونو المدمر والذى ضرب العاصمة مسقط عام 2007 ، وإعصار مكونو الذى ضرب سواحل محافظة ظفار ” عام 2018 ، والعاصفة المدارية لبان والتى ننتظر انتهاء تبعاتها بكل خير وسلام – وقد تحدث عن هذه السلوكيات الكثير ممن شاهدوا وتابعوا أزمات الأعاصير ، وهم ضيوف أومقيمين على أرض هذا البلد الطيب ، نجد روح الجماعة التي غلبت في هذه الأزمات على الروح الفردية والمصالح الشخصية …!! والتى نراها معدمة في كثير من الدول العربية لتوضح ما عليه أهل عمان من أخلاق حميدة ونفوس مطمئنة مستقرة وسلوكيات راقية – في مقابل ما يفعله شياطين الإنس في دول عربية أخري ، وما تحمله نفوسهم من الخبث والسوء حياك الأزمات والكوارث … راقبت بنفسي سلوك الشعب العماني منذ بداية الإعلان عن إعصار # ميكونو # والذى ضرب محافظة ظفار في يونيه الماضى ،وحتى رحيله – والان أراقب نفس الأمر ونحن نعيش عاصفة مدارية لم تنتهي خطورتها حتى الأن ، وأعتقد انه لا يختلف معى شخص واحد ، بل قد يجمع كل من يقيم على أرض عمان وهو يشاهد تصرف هذا الشعب العظيم مبهورا ومذهولا ..!! لا منظر للنواح أو الصراخ أو ضرب الصدر، الهدوء والاستقرار يسمو على الجميع ، اشتروا فقط ما يحتاجونه للحاضر، أو ما يكفيهم لأيام قليلة ، وهى فترة تجاوز الإعصار ، حتى يستطيع الجميع الحصول على ما يحتاجونه…! لا فوضى في المحلات ولا الهايبرات ولا الأسواق .. ، لم نجد لشياطين السوق السوداء وهم يتهامسون كالفجار أى ظهور من قريب ولا بعيد …. لا استيلاء على الطرق .. ولا تجمهر ولا فوضي ولا بلطجة …..لا تحرش أو معاكسات او تشاجر …..لا ……ولا ……ولا …….. فقط التفهم سيد الموقف ….! المطاعم تبيع بنفس أسعارها.. بل أرخص .. الفنادق والشقق المغلقة فتحت للجميع وبالمجان . كل شيء وكل مكان أصبح أرخص مما هو عليه قبل الأزمات … لم نجد زيادة في سلعة واحدة ، ولا أزمة في وقود ولا غاز ولا مياه … كل شيء متواجد وأكثر مما كان قبل الأزمة ..! أجهزة الصرف الآلي تركت على حالها بلا سرقة أو نهب أو تخريب ….. القوي اهتم بالضعيف… أظهروا تحكما رائعا …. لايوجد اعلام الضلال والكذب ……لا مذيعين ولا مذيعات من أتباع مسيلمة الكذاب …. ولا إثارة لفتن ولا تخبط ولا تحليلات أصحاب جهنم ….. انعدمت رؤية وتحليلات ابليس الرجيم ……..فقط تقارير هادئة وتصرفات عقلية حكيمة ……! المذهل أن السرقة والنهب والبلطجة والتحرش لم يكن لهم وجود بأى صورة كانت على الرغم من حالة الارتباك وانشغال الشرطة وقوات الأمن في عمليات الإنقاذ ، ومع ذلك لم تسجل السجلات حالة سرقة واحدة في هذه الأزمات ….!! شركات مياة الشرب قامت بتوزيع المياة مجانا ً على الناس، ووضعت برادات وسيارات مملوءة بعبوات مياة الشرب أمام المساجد ….. لم تنقطع الكهرباء ولو للحظة واحدة ، وشركات الهاتف لم تستغل الظروف والمحن في تعطيش السوق من البطاقات لزيادة أسعارها ، بالعكس كل شيء من اتصالات وانترنت وواي فاي كما هو ، ولم ينقطع لحظة واحدة وبالمجان ، لتسهيل التواصل مع المتضررين…. جميع السيارات بالشوارع تحولت لسيارت أجرة وبالمجان … تقف لكل من يشير بيده ، وتوصله الى المكان الذى يريده ….. الجميع يحاول تقديم المساعدة بأفضل طريقة ممكنة…) هنا لاتملك دول عربية عديدة إلا الصمت خلف حسرتها وقد تحولت شعوبهم إلى تجار أزمات وحروب يحتكرون السلع ويلعبون بأقوات الناس وقت المحن والأزمات بعدما غابت ضمائرهم ، يجتمعون كالكفار ، ويتهامسون كالفجار من أجل استغلال الظروف والكوارث لزيادة السلع أضعاف أضعاف ثمنها … هكذا قدمت سلطنة عمان في إدارتها لأزماتها بداية من جونو ومرورا ب مكونو ونهاية ب لبان نموذجا في المسؤولية، وفي القدرة على التعامل مع الأزمات سيحتذى به مستقبلا ، من خلال منظومة متكاملة تربت على حب الوطن وحب الأخرين ..