بقلم د. رفيق حاج تحقيق الحلم الشخصي يتطلب بناء استراتيجيه نسخّر لها كل مصادرنا الحاضرة والمستقبلية, ابتداءً بالمصادر المالية والقدرات الشخصية والعلاقات الاجتماعية والسمعة الذاتيه, وانتهاءً بطلب العون والمؤازرة من ابناء عائلتنا وطائفتنا وشعبنا وتجنيد الآخرين ليعملوا لحسابنا كم منّا اضطروا الى دفن احلام طفولتهم عميقا في جيوب الزمان بعد ان وصلوا الى نتيجة بأنها صعبة المنال؟ كم منا وضعوا مخططاتهم على الرف ليتراكم عليها الغبار بعد ان عدلوا عن تنفيذها؟ كم من الفتيات اللواتي تخليّن عن حلمهن بعد الزواج لارضاء الزوج او اهل الزوج؟ كم من الامهات والزوجات والاخوات تخلين عن احلامهن ومطامحهن لكي يُتِحن لذويهن ان يحققوا اهدافهم واحلامهم؟ الحلم كان وما زال بوابة الامل التي تمر من خلالها افكارنا ورغباتنا الدفينه. لكن لكي نحقق الحلم ونصل الى الهدف المنشود علينا ان نكون جادين في السعي للحصول عليه, وألاّ ننشغل ببدائل اخرى نصادفها في الطريق. التصميم والمثابرة وقدرة التحمل والاستعداد لركوب المخاطر هي الصفات التي ينبغي ان نتحلّى بها لكي نحقق احلامنا الكبيرة. ليكن معلوما لديكم, احلامنا قابلة للتحقيق حتى لو كانت اكبر بكثير من قدراتنا الحالية, وحتى لو كانت نقطة انطلاقنا منخفضة بالنسبة للهدف الذي نصبو اليه. احيانا نعتقد ان العامل الكامن وراء نجاح الناجحين هو الحظ او الصدفه او انهم ورثوا اموالا طائله عن ابائهم واجدادهم ولذا فالطريق كانت امامهم ممهدة, وهذاخطأ كبيرفلا يوجد ناجح لم يواجه صعوبات ولم يجابه مخاطر لكنه استطاع بعزمه وجرأته ان يتخطّاها. لو استعرضنا قصص النجاح لبعضٍ من الشخصيات البارزة لنجد انهم بدأوا حياتهم فقراء مدقعين او محدودي القدرات حتى في المجالات التي نجحوا بها. "والت ديزنى" طُرد من عمله كمحرر واعلن افلاسه عده مرات قبل أن ينشئ "ديزنى لاند", اما اليوم فتقدر مبيعات شركه والت ديزنى ب 30 بليون دولار سنويا. لقد قال استاذ "توماس اديسون"عنه بأنه ولدٌ غبيٌ ولا يستطيع تعلم أى شىء. والآن كل الكهرباء الموجوده في العالم هى بسبب "توماس اديسون". "اينشتاين" واحد من اكبر العلماء وصاحب النظرية النسبية لم يتعلم النطق الا فى عمر 4 سنوات ولم يتعلم القراءة الا فى عمر 7 سنوات واستاذه كان يشتكى بانه إنسان بطىء الفهم وغير اجتماعى, وها هو أصبح من اعظم العقول التى عرفتها البشريه. "بيل جيتس" أغنى رجل فى العالم ترك الجامعه واسس شركه مايكروسوفت وهو ابن 20 عاما فقط. يُقدّر اليوم دخله ب 20 مليون دولار يوميا. الشيخ صالح الراجحى وهو من أشهر اغنياء المملكه العربيه السعوديه بدأ من الصفر وقد كان يعمل حمّالاً فى الصباح ويبيع مفاتيح واقفالاً فى المساء, واليوم تقدر ثروته ب 3 مليار دولار. هنرى فورد بدأ حياته من الصفر واعلن افلاسه 5 مرات قبل أن يؤسس شركه فورد التي تعتبر من أشهرشركات السيارت وبلغت ثروته بعد 15 سنه من الانشاء بليون دولار. هنالك طبعا نجاحات اقل شأنا من تلك التي ذكرتها والتي تخص اشخاصا عاديين ممن لم يبدأوا حياتهم من الصفر وحققوا اهدافا لا يستهان بها, فهنالك من اصبح مديرا عاما لشركة كبيرة, وآخر اصبح نجما سينمائيا مشهورا وأخرى حققت حلم طفولتها واصبحت عضوة برلمان مرموقة. وهنالك من حقق احلاما صغيرة جدا كالقيام بفتح مقهى, او شراء سيارة شحن او تغيير مهنه. ان المقام المشترك التي تنضوي تحته كل تلك الانجازات هو استراتيجية ملائمة نُصبت من قبل هؤلاء الطامحين. من يضع استراتيجية صحيحة ويسعى الى تحقيقها يصل الى مبتغاه في نهاية الامر, وخاصة اذا كان يحمل عزيمة صادقة, ورؤيا ثاقبة. هنالك اعتقاد سائد أن الاستراتيجيه هي امر يخص المؤسسات والشركات الكبيرة او الحكومات والجيوش والتنظيمات العملاقة. وانها تخص امور في غاية الاهمية والخطورة كاختراق اسواق جديده او توسيع رقعة المؤيدين او تحسين مستوى الانتاجية او رفع مستوى الخدمات وغيرها. بالامكان تبسيط الاستراتيجية وتحويلها الى "استراتيجية شخصية" دون المسّ بمقوّماتها وبطريقة عملها. الاستراتيجية (Strategy)، هي خطة عمل توضع لتحقيق هدف معين على المدى البعيد اعتماداً على المصادر المتوفرة في المدى القصير. فإذا كان هذا هو تعريفها فلماذا لا نستخدم قالبها المصغّر لتحقيق هدف شخصي نريد نيله على المدى البعيد مستعملين تخطيطات من صنعنا ومسخّرين مصادر تخصنا؟! تحقيق الهدف يتطلب تسخير كل المصادر المحسوسة وغير المحسوسة التي نمتلكها اليوم او سنمتلكها في المستقبل, ابتداءً بالمصادر المالية والقدرات الشخصية والمواهب والعلاقات الاجتماعية والسمعة الذاتيه, وانتهاءً بطلب العون والمؤازرة من عائلتنا وطائفتنا وابناء شعبنا واستخدام شبابيتنا وجمالنا وحسن قوامنا وعذب صوتنا ولساننا وقدرتنا على التعبير والتجنيد واكتساب الثقة. تحقيق الهدف يتطلب وضعه في المكانة الاولى ووهبه الثقل الاكبر عند اتخاذنا أي قرار وجعله البوصلة التي نهتدي بها, حتى لو كان ذلك على حساب رفاهيتنا ورفاهية المحيطين بنا. وهنا قد يثور البعض علينا ويتهمنا بتقديس الذات والدوس على الآخرين لكن ذلك لن يثنينا عن مواصلة المسيرة من اجل الحصول على الهدف. ان نصب هدف كبير صعب المنال وبناء استراتيجية لتحقيقه هو اختيار شخصي ولا يمكن الايعاز به لكل واحد منا, ولا يمكن الجزم بأن كل من يبني استراتيجية يصل الى تحقيق هدفه, لكن للذين وصلوا الى انجازات عظيمة كانت استراتيجية لنيلها وقد سخّروا لها كل حياتهم ولم يرضوا بأقل منها. وهنا تستبقني العبارة المشهورة "من صار على الدرب وصل". [email protected]