نشر في هربت سلمي من منزلها بعد أن ضاقت بها وبأسرتها سبل العيش ، خرجت هاربة لا تعلم أين ستذهب ولكنها حسمت أمرها وهامت بالطريق جيئاََ وذهباً هنا وهناك حتى وصلت إلي محطة القطار فاستقلت أول قطار صادفته ولأنها لا تملك ثمن تذكرة القطار حاولت الهروب من المفتش ونجحت بذلك مرة تلو المرة ولكنه في النهاية أمسك بها وطالبها إما بالتذكرة أو ثمنها مضاعف ، بكت سلمي واستعطفته ولكن دون جدوى وكان علي بعد خطوات من سلمي ومفتش القطار تجلس سيدة يبدوا عليها الثراء الفاحش فهي تلبس مصوغات ثمنها يسدد ديون عائلة سلمي كلها ويفيض ، تدخلت تلك السيدة وأنهت المشكلة بأن دفعت ثمن التذكرة للمفتش ثم توجهت بنظرها لسلمي وسألتها ما أسمك فأجابتها سلمي ، ابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تقول اسم جميل ثم استطردت لمن ذاهبة أنت يا سلمي في القاهرة ولكن صمتت سلمي فازدادت ابتسامة السيدة اتساعاً وقالت لها ما حكايتك يا بنيتي قولي لي ربما استطيع مساعدتك ، قصت سلمي قصتها علي السيدة الغريبة وهي تبكي وختمت كلامها وهي تقول للسيدة " نعم هربت من منزل أبي حتى أريحه من همي ، خرجت لا أعلم أين سأذهب ؟ وأين سأعيش ؟ وماذا سيحدث لي دون أهل ؟ " أخذت السيدة سلمي من ذراعها وتوجهت لمكان جلوسها وهي تقول لا تخافي أنا سأساعدك تعالي معي بيتي لتخدميني أنا وبناتي وأخوتي ولا تخافي منزلنا ليس به سوي بنات ، ثم أشارت السيدة لبنت متوسطة العمر تجلس بجوارها لتذهب وتفسح المكان لسلمي حتى تجلس بجوارها ، تبادلا أطراف الحديث وصارا كما لو كانا يعرفان بعض من زمن وليس فترة سفر القطار من دمنهور للقاهرة فقط نزلت سلمي من القطار بصحبة السيدة المجهولة والبنت التي عرفتها عليها علي أنها بنتها غرام واستقلا سيارة خاصة كانت تنتظرهم أمام محطة القطار ، دارت رأس سلمي من الانبهار السيدة يبدوا عليها شدة الثراء وتركب سيارة خاصة فخمة جداً وقالت أنها تسكن بحي المعادي بفيلا كبيرة ، كانت سلمي ستطير من فرط السعادة وهي لا تصدق ما يحدث لها وزادت حالتها تلك بعدما رأت الفيلا التي تقطن بها تلك السيدة ورأت جمال من بها وملبسهم وجمال الفيلا من الداخل ، كانت سلمي تطلع لكل هذا بانبهار شديد فهي لم تري في حياتها إلا المنطقة الشعبية التي تسكنها والمدارس التي ارتادتها والتي كانت أكثر فقراً وقذارة من منزلها نفسه طلبت السيدة من سلمي أن تصطحبها غرام للداخل حتى تعطي لها ملابس وكل ما يلزمها ، وبالداخل سألت سلمي غرام ما اسم والدتها فاضطربت غرام وسألت في دهشة " أمي أنا ؟ " ، فأجابتها سلمي نعم أمك السيدة الكريمة التي أكرمتني ، ضحكت غرام ضحكة مدوية ذات نبرة خليعة قذفت في قلب سلمي الرعب والشك وهي تقول أجل أمي اسمها ذكية ، أخذت سلمي الملابس من غرام وذهبت للحمام لتستحم ثم خرجت ففوجئت بحركة غير عادية واستعدادات وكأنهم يعدون لحفل ما ، نظرت سلمي للست ذكية وسألت ما كل هذا ؟ ماذا يفعل بناتك ؟ فأجابتها ذكية يعدون لحفل اليوم فنحن نقيم من فترة لأخرى حفل هنا نستضيف ناس من علية القوم ومهمين فالعلاقات هي أهم شيء في الدنيا لا تقلقي ستعتادين علي ذلك ولكن تعالي الآن لتساعديهم ، وبالرغم من الشك الذي بدأ يدب في قلب سلمي تجاه الست ذكية وبناتها إلا إنها حاولت أن تطمئن نفسها حتى لا تفقد النعيم الذي أصبحت فيه بين يوم وليلة ولكنها لم تستطع أن تتظاهر بالسذاجة أكثر من ذلك فمظهر البنات الموجودات بالفيلا وحركاتهم وكلامهم لا يوحي إلا بأنهم بغايا لا أكثر من ذلك وخاصة بعدما لمحت نظرات الشماتة في عيون البعض منهم ونظرات الخوف عليها من البعض الأخر بعد أن أنهت سلمي ترتيبات الحفل مع البنات دخلت المطبخ وراء أحدي تلك البنات التي فهمت من نظراتهم أنها ليست إلا صيد جديد ويعدون حفل اليوم من أجلها ، فاجأت سلمي البنت بسؤال مباشر ألجمها ولم تستطع أن تجيب فبادرتها سلمي مرة أخري " ماذا تعمل الست ذكية ؟ ومن أين لها كل هذا الثراء ؟ " فصمتت الفتاة مرة أخري وهي تنظر لها بعين الشفة والعطف فقالت لها سلمي أذن دعينا من هذا السؤال قولي لي أنت ما اسمك فأجابتها ثراء ، ثراء ! رددتها سلمي بنبرة استغراب شديدة ولكن لم تتوقف عند الاسم كثيراً ثم سألت ثراء وماذا تقربين للسيدة فأجابتها لست أقربها بالمرة ، فقالت سلمي كيف السيدة قالت إنكن جميعاً إما بناتها أو أخواتها ، فضحكت ثراء وقالت أجل أجل وماذا ستقول لك غير ذلك لتبرر وجود كل هذا العدد من البنات في مكان واحد وأضافت هذا نفس ما حدث معي بالضبط عندما أتيت إلي هنا أول مرة ، ثم سحبت ثراء سلمي من يدها ووقفت بها عند حافة باب المطبخ وقالت لها بصوت هامس " اسمعي تلك السيدة ليست إلا قوادة ونحن لسنا إلا بغايا استدرجتنا واحدة بعد الأخرى مستغلة ظروفنا ، أنظري تلك غرام أتت بها بعد أن غدر بها حبيبها وأقامت معه علاقة كاملة علي أمل أن يتزوجها ولكنه تركها لتهرب من بيت أهلها بعد أن كشف أمرها " فنظرت سلمي علي غرام من بعيد وقالت مسكينة ثم نظرت مرة أخري لثراء وسألت وأين كان حبيبها هل تركها تهرب هكذا ببساطة ، نظرت ثراء لسلمي بدهشة شديدة وجذبتها من يدها بعنف تجاهها وسألتها أتدعين السذاجة أم أنت ساذجة بالفعل الرجال لا يلتفتون لصيدهم بعد أن يحصلوا عليه وهي ليست بمسكينة هي التي اختارت بإرادتها وهي الآن تجنى حصاد عملها ، ثم عدلتها مرة أخري تجاه الباب وأشارت علي أحدي البنات وقالت " وتلك هي حنين تركها زوجها وسافر للعمل في الخليج حتى يجلب المال اللازم لإعانتهم علي مصاعب الحياة ، تركها وحيدة عاماً بعد عام وهي ترجوه أن يعود قبل أن تذبل ويمضي قطار العمر بها لكنه لم يستجيب لنداءاتها وتعرفت علي الست ذكية صدفة ثم بدأت تأتي هنا من وقت لأخر حتى في يوم أحد الزبائن وصادف أنه صديق لزوجها وفضحها لديه فطلقها وهي الآن مقيمة هنا ولا مكان لديها تذهب إليه حتى أولادها أخذهم معه وتركوها جميعاً " ثم أشارت مرة أخري لفتاة تمر أمامهم بخيلاء وثقة مبالغ فيها وقالت " وتلك هي جميلة وهي بالفعل أجمل من بالفيلا وكانت طول عمرها أجمل من قرناءها فشبت يملئوها الغرور وقام والدها ببيعها للأثرياء العرب واحد تلو الأخر مستغلاً شغفهم بجمالها حتى يصل للثراء الذي كان يحلم به طيلة عمره ومن يد رجل لرجل حتى تزوجت بقواداً وهو من أتي بها إلي هنا ليستفيد هو الأخر من جمالها " ، ثم ربتت ثراء علي كتف سلمي من الخلف وقالت وأنا كنت مثلك هربت من أهلي بعدما ضاقت بنا الأحوال تخيلت أني سأجد في حضن المدينة الحب والاهتمام الذين طالما حلمت بهم والثراء الفاحش الذي ابتغيته طيلة عمري وكنت جنيته بالفعل بمساعدة الست ذكية بعدما بعت جسدي وشرفي لكل من يدفع أكثر ، ثم صمتت برهة وقالت سلمي أتريدين أن تصبحي مثلي بنت من بنات الست ذكية ؟ فاعتدلت سلمي وواجهت ثراء وأجابت كلا ساعديني لأهرب من هنا حتى ألاقي مصيري بالخارج يمكن أن يبارك لي ربي ويحفظني إن حافظت أنا علي نفسي أولاً ، فقاطعتها ثراء أو تعودين لأهلك فقلب الشارع أقسي من الفقر وقلوب من يسكنونه ويهيمون به لن يكونوا أحن عليك من أهلك ، ثم جذبتها من ذراعها وقالت لها أخري من الباب الخلفي ولا تعودي أبداً ، وقبل أن تنهي سلمي درجات السلم الخلفي بادرتها ثراء بجملتها الأخيرة وهي تنادي عليها لتودعها " سلمي بقي شيء واحد لم أقوله لك بعد فنظرت لها سلمي فردت ثراء ليس اسمي ثراء ولا واحده ممن قلت لك قصصهن تلك أسماءهم الحقيقية بل هي أسماء أطلقتها الست ذكية علينا كل واحده اسم يناسب قصتها ويناسب كونهم أصبحن بغايا "