يعتقد البعض أن ا?نسان مُسير في كل أموره،وهذه دعوى تدعو إلى ا?تكال والتثبيط من العزائم وا?نهزام وعدم المجاهدة والسعي.. ولو كان هذا سليماً لما إحتاج ا?نسان أن يجاهد نفسه،وأصبح ? معنى إلى إتباع سبل الرحمن.. ولو كانت هذه حقيقية ما حاسب الله أحداً ولما إحتاج سبحانه أن يخلق جنة أو نار،ولإنتفت العبرة من إرسال الرسالات وبعث الرُسل،وإنعدمت العبرة من وجود الشيطان الرجيم الذي وُجد ليصُد عن ذكر الله والطاعة ضمن مادة ا?متحان في الدنيا لعبور الجنة أو النار،ولعذر قابيل لقتله أخاه هابيل.. ولعذرصاحب المعصية لعصيانه ?نه لا يملك إرادته فهو مُسير للمعصية رغماً عنه,ولعذر كل مجرم وكل فاسد وكل ضال على ما أتى،فالمجرم مُسير ومن خرب بيتاً على أصحابه فهو مُسير.. ولعذرجميع الدجالين من المشرق الى المغرب على إنتهاكهم حرمات الله،وتعطيلهم لحدوده.. ولعذر بشار والهالكي والخسيسي على خستهم جميعاً بدعوى أنهم مسيرين.. ولسقط عن الجميع الحساب ?نه لا أحد يملك القدرة على ا?نتصارعلى نفسه الأمارة بالسوء.. ولتلاشت قيمة رضا الوالدين،وصلة الأرحام وا?حسان وقيمة كل خير ومبدئ.. ولما أصبح هناك قيمة للتمايز بين الحق والباطل.. ولما أصبح هناك داعي الى وجود النار أصلاً،ولو كان كما قيل ?خذ كل إنسان حقه بيده إذا لم يمنعه أحد من ذلك إن إستطاع.. فما الذي يمنع ا?نسان من ا?نتصار لنفسه عند الفتن بدل من غض الطرف أوالتجاهل سوى إيمانه بان الصبرعلى أذى الناس فيه ا?جرالعظيم والعفو عند المقدرة سبيل المتقين... إذاً لم يمنعه أحد من أخذ حقه بنفسه كما يفعل الكثيرون سوى أن هذا إختارا?نتقام،وا?خر إختارعدم ا?نتصار لنفسه من أجل رضا الرحمن... فإذاً هناك إختيار! وما الذي يمنع شخص أصيب بفزع شديد ووسواس قهري في نفسه وروحه من ا?قدام على ا?نتحار سوى الخوف من الله الذي حرم ا?قدام على ا?نتحار،فحرص على عدم غضب الرحمن منه,مع أنه قادرعلى تنفيذ ما يوسوس له به الشيطان ويقهره به،لكي يرتاح من معاناته كما يفعل كثير ممن لا يؤمنون بالله وباليوم ا?خرعندما تضيق بهم الدنيا،ولكنه حُسن التوكل على الله بأنه الشافي،وانه صاحب الجزاء على البلاء،فإختار تحمل المعاناة والصبرعليها ومقاومتها باللجوء الى الله ووسائل النجاة خوفاً من العزيزالجبار لنيل الجزاء،مع إيمانه أن ا?جرعلى قدر المشقة...فإذاً هناك إختيار! وما الذي يمنع إنسان تسلط عليه شياطين ا?نس با?سحارأن ينتقم لنفسه برد السحر بمثله كما يفعل الكثيرون من أجل ا?نتقام لنفسه منهم،وهو قادر على أن يرده إلا الخوف من الرحمن ،وإيمانه المطلق أن قدرة الله ستعطل الباطل مهما طال وإيمانه أن ما أصابه هو إمتحان لقياس درجة صبره على ا?ذى،ويقينه أن إنتقام الله من الساحر وجنده أشد من أي إنتقام...فإذاً هناك إختيار! ثم هل كان امتناع هابيل عن قتل اخيه قابيل رغم كيده المعلن له إلا عن محض إختيار،وإقدام قابيل على قتله ايضاً محض إختيار ... وأما ما يعتري ا?نسان من خلال مسيرة حياته من تعطيل ?مر معين كالزواج أوتضييق في الرزق,فهذا بتقديرالله يمنح ويمنع من يشاء وكيفما شاء،ويبسط ويضيق كيفما شاء,وبأي طريقة وبأي وقت شاء,يعطي ويمنع لحكمة ? يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى،وما يعتري المرء من مصائب ومشاكل فهي كلها بأمرالله، ليميز الخبيث من الطيب والمقبل من المدبر،حتى حينما يتسلط الناس بعضهم على بعض,فمن إختارهوى نفسه يكون فتنة لمن إختار رضا الرحمن ((وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا))]الفرقان:20[ وهي كلها من ضمن إمتحان ا?نسان في الأرض لأنها كلها من ضمن البلاءات أما بالنسبة لحديث (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) فهذا فيه اليقين أن علم الله ا?زلي الذي عرف من خلاله كيف سيتصرف كل إنسان في إمتحان الدنيا حينما قبض قبضة من ظهر أدم أخرج بها ذريته وأشهدهم على نفسه (وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)]الاعراف:172[ فهذا من علمه سبحانه ا?زلي المحيط بخلقه،أنه علم أن فلان سيُجاهد نفسه ويتبع سبيل الرحمن مهما تعرضت له الفتن،وأنه سيقف في وجه كل هذه الفتن التي ستحيده عن الحق وينتصرعليها دون أن ينحرف عن الطريق الحق من أجل الوصول إلى هدفه وهو رضا الرحمن،مع إصراره على ا?لتزام مع الله فيما أمروفيما نهى،وا?خذ با?سباب والمنجيات من تقوى ورضا وصلة وأمانة وغيرها في أعماله وتصرفاته,حتى يتيقن بعد ذلك أن كل ما يتعرض له من مطبات هي من باب ا?متحان،فيتيقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه،وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه كما جاء في الحديث. ((إحفظ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ،تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ،وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ،وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ،وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ،وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ،وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً)) فيتقبل قضاء الله بخيره وشره مؤمناً متيقناً ان الخير كل الخير فيما قضى الله وقدّر،?نه سلّم الى قضاء الله بعد ا?خذ با?سباب،فيكون أخذه بالأسباب بمثابة الحصن الحصين لتقبل قضاء الله وقدره ?يمانه ان الله لا يضيع عمل عامل مخلص لله،وإيمانه أنه تعالى لا يجازي با?حسان إلا إحساناً حتى يصبح يرى الضرر أو المحنة التي يتعرض لها أنها منحة من الله سبحانه يستشعر بها رحمة الله وإصطفائه،فيكون قد إشترى رضى الله با?ستغناء عما سواه فتُساق له ا?عمال الصالحات بين يديه،فهذا سُير الى ما خلق له من الخير حينما فتحت له خزائن الخيرالتي هي زاد التقوى،ليتزود منها ويزداد بها علو ورفعة وتمكين وقوة،مثل أن يلهم رضا الوالدين وصلة الرحم وغيرها من انواع المعروف،?نه جعل غايته وهدفه رضا الكريم فأجري عليه القلم قبل أن يخرج الى الدنيا أنه من السعداء فيُسرت له طرق السعادة الدنيوية وا?خروية،وأما من أعرض عن ذكرالله وعاش الحياة وفق هواه وشيطانه ولم يلتفت إلى تقوى الله أو رضي ببعضها،ولم يرضى ببعضها ا?خر إستنكاراً وجدلاً بعدم إقتناعه بها رغم ثبوت نصها،أو تكاسلاً،فبعلم الله ا?زلي الذي أحيط بكل شيئ،علم بأن هذا الشخص لو قُدمت له ويُسرت له كل أسباب الطاعات وأسباب السعادة ?عراض عنها وتكاسل عن أدائها ولم يجاهد نفسه من أجل نيل رضا الرحمن الرحيم،بل إختار وإستسهل هواه وشهوته على تقوى الله،?نه يريد النتيجة ا?نية،و? يحتمل الصبر للحصول على النتائج اللاحقة,فهي في نظره غير مضمونة الحصول، وحب الدنيا عمى بصره وبصيرته عن ا?خرة,فهو لا يسعى إلا الى دنيا يصيبها بعجزها وقوتها وببخسها وضعفها،ولو لم يحصل منها إلا مأكله ومشربه فقط فهو لا يرى غيرها،فهذا يُسرت له أبواب الشر وحرم من فتح خزائن الخير ليتزود منها ويُصلح بها حاله،لانه أصلا غير مبالي و ?ن ا?عراض عن الله يفتح أبواب الشر تلقائياً،ويغلق أبواب الخير في وجه ا?نسان حتى يتزين له سوء عمله،وحتى يقوده هواه والشيطان إلى منزلقات لا يستطيع الوقوف بعدها،حتى تهوي به نفسه وهواه في مكان سحيق,فكتب في علم الله ا?زلي أنه من ا?شقياء لأنه حرم نفسه من التزود من التقوى. فعلم الله إذن يشمل كل شيء(علم ما كان،وما يكون،وما لم يكن لو كان كيف سيكون)وهذا علم يدركه المؤمن كلما زاد يقينه بالله وباليوم ا?خر,فهو درجة عالية من درجات القرب من الله،وما عدا ذلك فلا يستطيع العقل البشري إدراكه لمحدودية أفقه،ولكنه علم يتناسب مع قدرة الله سبحانه السابقة واللاحقة وا?زلية التي لايمكن أن تقاس على عقل البشر أو فهمهم أو حتى على ما أوتوا من علم قليل،وعدى عن ذلك فا?نسان غير مخير فيما لا يملك من نسبه،وأمه وأبيه وإخواته ،ولونه وشكله وبيئته وما شابهه والله أعلم.