لقد أضحي التفوق العلمي والتقني مفتاح التقدم والازدهار الاقتصادي والقوة العسكرية أيضا، فالبحث العلمي والتطور التكنولوجي هما السبيل الوحيد لمواكبة ما يحدث في العالم. فأي مجتمع لا تشكله السياسة أو الاقتصاد بقدر ما يشكله التواصل السائد بين الجماعات والمؤسسات. وقد جاءت تكنولوجيا المعلومات تزيد هذا المفهوم رسوخا. ويمكن أن نتساءل في هذا الصدد: إلي أين وصلت مؤشرات التطور التكنولوجي في عالمنا العربي? وهل يمكن أن نلحق بركب التطور التكنولوجي العالمي ومجال البحث العلمي? والإجابة علي تلك التساؤلات تقتضي أن نتناول هذا الموضوع المهم والحيوي من خلال ثلاثة محاور: الحاسب الآلي وشبكة المعلومات الدولية 'الإنترنت': لا شك في أن الانترنت أصبح عاملا أساسيا في حياة الكثيرين، وأصبح الجيل الجديد من الأطفال يسمي 'الجيل الرقمي'، فالإنترنت يمثل تحديا ثقافيا قاسيا للعرب. فإذا كان قطاع المعلومات والاتصال يتمتع بجاذبية متزايدة في أدبيات التنمية في الفترة الأخيرة، فإن عوامل الجذب هذه تتزايد في الدول العربية بالنظر إلي الطبيعة التكاملية لهذا القطاع. وقد أصبح الإنترنت من أهم أدوات خلق وتطوير التفاعل التكاملي العربي، وهو أداة للاتصال والتكامل الاقتصادي في العالم العربي(1). لذا، شهدت السنوات العشر الأخيرة طفرة في عالم الاتصالات والمعلومات في العالم العربي. وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية تتصدر الدول النامية، وعلي رأسها مصر، قائمة الدول المرشحة خلال السنوات الخمس المقبلة لتقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات للشركات العالمية الكبري التي تأثرت بهذه الأزمة(2). وحري بالذكر أن مصر تقدمت بطلب لتسجيل نطاق 'دوت مصر' لدي المؤسسة العالمية المسئولة عن الأسماء والأرقام علي الشبكة الدولية للإنترنت 'الإيكان'، حيث تعد مصر أول دولة عربية تطلب التسجيل في هذا النظام بعد الحروف اللاتينية (3). ناهيك عن أن مجموعة المواقع العربية أقل عددا من المواقع الإسرائيلية، بل إن إسرائيل تتقدم علي العالم ببرامج معالجة اللغة العربية وترجمتها، في الوقت الذي حققت فيه صناعة البرمجيات الإسرائيلية طفرة كبيرة من بداية متواضعة من خمسة ملايين دولار عام 1984 إلي 8.5 مليار دولار عام 1999، ثم تجاوز عشرة مليارات فيما بعد. وقد تطورت صادرات إسرائيل من السلع الإلكترونية المتطورة، حيث قفزت من 9.1 مليار دولار عام 1999، وبلغت 15.3 مليار دولار عام 2004(4). حقائق وأرقام : وقد حققت المعلوماتية معالجات متقدمة للغة في تطبيق أساليب الذكاء الصناعي لإعطاء الآلة المهارات اللغوية من اشتقاق، وتصريف، واختصار، وفهرسة، وترجمة أولية. وتبذل اليابان جهودا هائلة لكسر عزلتها اللغوية بالمعالجة والترجمة الآلية (5). والجدير بالذكر أن ما نسبته 60% من مستخدمي الإنترنت باللغة العربية كان في الخليج العربي عام .2007 وهذا يرجع إلي أنها تواكب التقنية بشكل مستمر وتقوم بتطوير البنية التحتية للإنترنت. بينما تنخفض بشكل ملحوظ في الدول الإفريقية، ولا توجد دولة عربية اليوم إلا وتقدم معلومات حكومية أو خاصة علي شبكة الإنترنت(6). وقد تمخض عن هذا ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت للمتكلمين باللغة العربية، وفقا لأحدث إحصاءات 2009 نحو 50 مليونا ونصف المليون، أي نحو 17.3% من تعداد المتكلمين باللغة العربية، و2.9% من تعداد المستخدمين في العالم، وهي المرتبة الثامنة بين لغات العالم، بعد اللغة الإنجليزية 28.9%، والصينية 14.7% (7). وتعد تونس هي أول بلد عربي أدخل الإنترنت في عام 1991، بينما الامارات هي الدولة الوحيدة التي قامت بتوقيع معاهدة التجارة الإلكترونية، وذلك لحماية المعلومات الإلكترونية، وتطمح الإمارات في إيجاد سوق اتصالات مجاني لجميع سكانها بحلول عام 2015(8). وتشير التقديرات إلي تراوح عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية ما بين 10 و12 مليون مستخدم في نهاية علم 2002، وبمقارنتها بعام .2000 تصل نسبة النمو إلي 140%، ويخفي هذا تفاوتا كبيرا فيما بين الدول العربية (9). وجدير بالذكر أن خريطة مستخدمي الإنترنت في العالم العربي قد تغيرت تماما في عام 2009 . فوفقا لآخر الإحصاءات، فقد تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي 38 مليون مستخدم، وسجلت دولة الإمارات أعلي معدل انتشار 49.8% من إجمالي عدد سكانها، تلتها قطر 34.8%، والبحرين 34.7%، ومصر 15.9% من إجمالي عدد سكانها(10). ويوضح الجدولان رقما 2 و3 تفاصيل استخدام الإنترنت في بعض القارات والدول. وكشفت إحصاءات 2009 عن أن مصر تمثل 18.7% من نسبة المستخدمين في قارة إفريقيا، وإسرائيل 9.2% ، وإيران 56.1% بالنسبة للشرق الأوسط، بينما تحتل الصين أعلي نسبة استخدام في آسيا 48.8%، تليها كوريا الجنوبية بنسبة 5.5% من المستخدمين في آسيا. وتمثل الولاياتالمتحدةالأمريكية 13.1% من مستخدمي الإنترنت في أمريكا الشمالية. وتمثل تركيا 6.3% من استخدام قارة أوروبا. وبالنسبة لترتيب مراكز الدول علي مستوي العالم، احتلت الصين المركز الأول 20.8%، ثم جاءت الولاياتالمتحدة في المرتبة الثانية13.1%، وجاء ترتيب كوريا الجنوبية العاشر2.2%، وتليها إيران 1.9%، ثم تأتي تركيا 1.5% في الترتيب السابع عشر علي مستوي العالم. وتوضح تقديرات عام 2009 أيضا أن نسبة المستخدمين للإنترنت في العالم 25.6% من عدد السكان، أي 6.767.805.208 مليار نسمة، وبذلك تكون نسبة النمو من عام2000 حتي 2009 هي 380.3%(11). الإنفاق علي البحث العلمي : يمثل الإنفاق علي البحث العلمي نقطة في غاية الأهمية، فالبحث والتطوير لا يرتبطان بالإمكانيات البشرية والمادية فقط، وإنما يتأثران بالمنهجية الفكرية المتبعة والسياسات الاستراتيجية التي تضعها الدولة، والتي تتضمن برامج التعاون الإقليمية والدولية للاستفادة من الاكتشافات العلمية وتطويرها. فالحقيقة أن الأبحاث والدراسات موجودة في الوطن العربي الذي يزخر بعشرات بل ومئات الباحثين والعلماء، ولكن الغائب هو التطبيق والاستفادة منها، وهو ما يدفع الكثيرين للهجرة والاستفادة من جهودهم العلمية(12). وهذه الهجرة تكلف الدول العربية ما لا يقل عن 200 مليار دولار، بينما الدول الغربية الرأسمالية تكون هي 'الرابح الأكبر' من هجرة ما لا يقل عن 450 ألفا(13). ويفيد تقرير صادر عن معهد اليونيسكو للإحصاء أن نسبة الاستثمارات المخصصة للبحث العلمي والتطوير قد ارتفعت عالميا من الناتج المحلي الإجمالي. ففي عام 2007، كانت نسبة 1.74% من الناتج المحلي الاجمالي مكرسة لهذا البند (مقابل 1.71% عام 2002) ، وكانت أكثر البلدان النامية تستثمر في هذا المجال ما نسبته أقل من 1% من ناتجها الإجمالي. وهناك استثناءات مثل الصين 1.5، التي قررت تخصيص 2% من ناتجها المحلي للبحث والتطوير حتي عام 2010، و2.5% حتي عام 2020 . وقد خصصت خطة العمل الموحدة الإفريقية 1% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا الغرض. ويذكر أن مصروفات البحث متركزة معظمها في البلدان الصناعية، فالاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةواليابان يمثل مجموع إنفاقها 70% من مجموع الإنفاق العالمي(14). هذا بالنسبة للعالم الغربي. أما العالم العربي، فتعتبر إشكالية التمويل أو الإنفاق علي البحث العلمي من الموضوعات الشائكة. فلا يتجاوز الإنفاق علي البحث العلمي 0.05% من الموازنات العامة، وهي أرقام هزيلة إذا قورنت بالبلدان الصناعية وبعض دول الجوار، مثل تركيا وإيران. وفي مصر، كان إجمالي الميزانية عام 1996 نحو 840 مليون جنيه، والمصروف منها علي البحث العلمي 165 مليون جنيه، أي 20% فقط (15). وتؤكد إحصاءات اليونسكو 2004 أن الدول العربية خصصت 1.7 مليار دولار فقط، أي 0.3% من الناتج الإجمالي، في الوقت الذي أنفقت فيه إسرائيل علي البحث العلمي (عدا العسكري) نحو 9.8 مليار شيكل، أي 2.6% من إجمالي الدخل القومي عام 1999 . أما في عام 2004، فقد وصلت إلي 4.7% من ناتجها القومي(16). وقد استطاعت كوريا الجنوبية أن تزيد إنتاجها من البحث العلمي ثمانية أضعاف، في حين أن نسبة النمو في العالم 30%(17). ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن القطاع الحكومي في الدول العربية يقوم بتمويل 80% من مجموع التمويل المخصص للبحث والتطوير، مقابل 3% للقطاع الخاص، عكس الدول المتقدمة التي تتراوح فيها حصة القطاع الخاص ما بين 70% في اليابان، و52% في إسرائيل والولاياتالمتحدة. ونجد تكلفة الطالب في الجامعات العربية 2500 دولار في السنة، مقابل 45 ألف دولار في الجامعات الغربية. فالبحث العلمي لا يتجاوز 0.03% في العالم العربي، مقابل 4% في إسرائيل، أي 12 ضعفا نسبة من الإنتاج الإجمالي العام. وإذا قارنا الموقف العلمي الإسرائيلي، مقارنة بالدول العربية بالنسبة لعدد السكان، فسنجد أنه أكثر 30 مرة في الإنفاق علي البحث العلمي(18). وبالنسبة لترتيب الجامعات علي مستوي العالم، فقد جاء في تصنيف أعدته جامعة 'جياو تونج' في 'شنغهاي'، وشمل 500 جامعة، حيث أعطي التصنيف الجامعات الأمريكية الحصة الكبري مع 67 من أفضل مائة أولها جامعات: هارفارد، وستانفورد، وبيركلي، وكاليفورنيا، ثم جامعة كامبردج البريطانية. وبين التصنيف 208 جامعات أوروبية. وجاءت الجامعة العبرية في الترتيب 64، بينما جاءت جامعة عربية واحدة فقط هي جامعة الملك سعود في الترتيب 428 من 500 جامعة، علي الرغم من أن هناك 350 جامعة عربية في الوطن العربي(19). ويجب في هذا السياق أن نوضح أن إسرائيل احتلت المركز الرابع عالميا من حيث النشاط العلمي، عبر نشرها لمقالات علمية في دوريات غربية مرموقة، وجاءت الولاياتالمتحدة في الترتيب الثاني عشر، وبعدها ألمانيا(20). براءة الاختراع : أنشئت براءة الاختراع للحفاظ علي الملكية الفكرية، وهي شهادة تمنحها الدولة بواسطة هيئة عمومية مختصة للمخترع، كي يثبت له حق احتكار استغلال اختراعه ماليا، ولفترة زمنية معينة، وفي ظروف معينة. قدمت مصر في الفترة من 1995 حتي 1997 نحو 1210 براءات اختراع، في الوقت الذي قدمت فيه الولاياتالمتحدة 236692 براءة اختراع. وفي عام 2000، وصلت براءات الاختراع العربية المسجلة في الولاياتالمتحدة في السعودية إلي مكان الصدارة بواقع 171 براءة اختراع، بينما إسرائيل 7652 براءة اختراع(21). وقد تقدمت مصر والسعودية قائمة الدول العربية الأكثر تسجيلا لبراءات الاختراع لدي المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة في جنيف عام 2008 برصيد 61و47 علي التوالي. ثم تأتي الإمارات العربية المتحدة 22 براءة، والمغرب 12، والجزائر 11، والأردن 6، وسوريا5، وثلاث لكل من الكويت والسودان وتونس، واختراع واحد من ليبيا. وبهذا، تكون محصلة الدول العربية 173 براءة اختراع في عام واحد، في حين سجلت تركيا 367 براءة. أما إسرائيل، فوصل رصيدها إلي 1882 اختراعا في الفترة نفسها. وتصدرت كوريا الجنوبية بتسجيل 7908 براءات، ثم الصين 6089، واليابان 28774 . وعلي الصعيد العالمي، سجلت كوريا أعلي نسبة زيادة في عدد الاختراعات المسجلة بنسبة 12%، والصين 11.9% (22). خلاصة : بعد أن أصبحت تكنولوجيا المعلومات هي محور التنمية العلمية، فلابد من وضع استراتيجية حقيقية في السنوات المقبلة للخروج من هذا الوضع. فإذا لم تتفاعل الثقافة العربية مع المعلوماتية (المعاجم الآلية، والترجمة الآلية، والتوثيق والبرمجة) فستحدث فجوة لغوية حادة بين اللغة العربية واللغات الأخري عن الاستخدام والتداول. وقد يتحول التعليم والثقافة في الدول العربية إلي اللغات الأجنبية بسبب التقنية والتسهيلات المتاحة لهذه اللغات.