بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الثالث والخمسون الثورة والنداهة تروى الأساطير الريفية القديمة عن ما يسمى بالنداهة_ أهالي المدينة يعرفون نداهة الأديب الكبير يوسف إدريس والتي تحولت إلى فيلم يحمل نفس الاسم لماجدة وشكري سرحان_ وهى مخلوق من فصيلة الجان،وبحسب الروايات يقولون إنها امرأة جميلة والعهدة علي القائل تظهر في الليالي الظلماء بالحقول، لتنادي باسم شخص معين ،ويتبع هذا الشخص النداء كأنه مسحور إلى أن يصل إليها،ليترجح مصيره بين ثلاث سيناريوهات_فيما بعد_أن يجدونه ميتا في أحد الحقول صباح اليوم التالي،أو يمسه الجنون ويصبح مجذوب القرية،بينما السيناريو الأخير أن تقع هذه الجنية في غرامه وتصطحبه إلى عالمها السفلى. ورغم أن تلك الأسطورة مجرد خرافة من نسيج عقول احتلها الجهل في الماضي، إلا أنى أجزم بأن بداخل كل شخص منا_ وخاصة بعد ثورة 52 يناير_ نداهة تولد بداخله لهفة لتغير مسار حياته في أوقات عصيبة. وتعددت السيناريوهات مع ارتفاع سقف الطموح لدى كل من حلم بالثورة،فكلاً سار خلف نداهته رغم أن الهدف واحد،بعد أن نسوا أنهم يملكون حناجر قادرة على البوح ومعاصم قادرة على دفع أبالسة السلطان،وتذكروا فقط مقدمة الصورة، بعضهم يتحسر على ناصر ومشاريعه الدعائية واشتراكيته الخائبة،ونسوا أو تناسوا الهزيمة التي قسمت الظهر،والانهيار الاقتصادي،المائة ألف شهيد تحت رمال سيناء،والعتاد العسكري الذي أصبح خردة!! والبعض الأخر يتعولم ويتشدق بمصطلحات مستوردة لا يفهم حتى معانيها،يسير كالدواب معصوب العينين إلى الهاوية،بعد أن تناول كأس الرغبة في الخلاص من ثياب الرق وقرر أن يستمر في الثورة فقط من اجل البقاء تحت الأضواء لأخر لحظة. والأغلبية مستمرة في الاعتصام والمطالب الفئوية التي صبر عليها أصحابها أعوام طويلة، ويستغل البعض تراخي القوة القابضة للجهاز التنفيذي للدولة أو غياب هيبتها ليفعل ما يريد خروجا علي القانون من البناء في الأراضي الزراعية وناطحات السحاب المخالفة للقوانين،وقطع الطرق ومسارات القطارات ،وبلطجة البعض لمصدر للرزق أو مراكز قوة جديدة. أنا شخصيا لا أخفي شعور بالقلق يراودني منذ اختفاء اللهو الخفي والطرف الثالث من الحياة اليومية في مصر،فهل تم سحبه من السوق لاحتكاره ورفع ثمنه أم لاستبداله؟وما خفي كان أعظم،ورغم أن ثورة 25 يناير أتت بعد 34 عاما من فيلم يوسف شاهين "عودة الابن الضال" إلا أنى اخشي عليها أن تلقى نفس المصير الذي الذي رسمه شاهين في الفيلم المتمثل في سرقة حلم الحرية من قبل من يملكون السلطة أو المال، يذكر أن شاهين كان أنتج الفيلم ليعبر عن حالة الفرحة التي أعقبت حرب 1973 والتي كانت مقدمة لدخول مصر في نفق مظلم بسبب انعدام الحرية،وكانت أغنية "الشارع لمين" لماجدة الرومي من ضمن أحداث الفيلم وهي الأغنية التي تم ترديدها طويلا خلال الأيام الأولى للثورة المصرية كتعبير عن طلب الحرية ورفض القمع. واعتقد أن هذا هو الوجه الحسن للفن السابع بعد أن ساهم الإعلام المتلون بشكل كبير في تشوية ثورتنا المصرية وإجهاضها بشكل كبير عبر مجموعة من الإعلاميين والصحفيين تاجروا بالثورة ودماء الشهداء،وقاموا بتوجيه الرأي العام نحو قضايا معينة وإهمال الأخرى،بل وعلى العكس تبنى وجهات نظر وإقصاء الأخرى مما ساهم في حالة من البلبلة والتشويش لدى المواطن المصري البسيط الذي أصبح لا يعرف غير أن ثورته ماتت بعد أن باتت برامج التوك شو تحكم مصر بقواديها المرتزقة . فهل هناك من "يرقد" لك في غيطان الذرة في ميدان التحرير ليقضي عليك برصاصة..؟ ام لأن النداهة والتي يمكنها التشكل بأكثر من شكل تفرض حظر تجوال فردي ليلا.. لذلك تبدو النصيحة واجبة .. من فضلك لا تستجيب "أيا كان الأمر" لأي نداء لك من مصدر مجهول،فربما تكون هي. إلى اللقاء في المقال الرابع والخمسون مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن [email protected]