بقلم د. رفيق حاج لماذا يقوم الناس بالمساس بشعور من حولهم؟ هل يرون في ذلك لذة او تفريغا لعقدهم؟ احد اسباب ذلك هو الرغبة بإظهار الفوقية والتشدق بالمرتبة التي يشغلونها حيث يستغلون فرصة وجود "ضحايا" خاضعين لهم في مكان العمل او اناس متعلقين بهم اقتصاديا او عاطفيا او اجتماعيا لينقضّوا عليهم بسهامهم الجارحة. قد يأتي المساس بشعور الناس من باب الضعف أيضا. من منا لم يتعرّض في حياته لمساس بشعوره؟ من منا لم يقم بإيذاء شعور الأخرين؟ على ما يبدو ان الاهانة والشعور بالمهانة هما ميّزتان تميّزنا عن الحيوانات, فلم اصادف في حياتي حصانا يهين حصانا آخرا او يُسمعه "صهيلا جارحا" او قطا يشعر بالمهانة من مواء قط مثله. لقد طوّر الانسان النطق ليتمكّن من التواصل والتفاهم مع الآخرين دون اللجوء الى العدوانية, لكن كلنا نعرف ان هنالك تفوّهات كلامية لا تقل اساءة عن الاعتداءات الجسدية وخاصة اذا اتت من طرف من نكنّ لهم الحب والاحترام او من اناس أغدقنا عليهم محبة وعطفا. لماذا يقوم الناس بالمساس بشعور من حولهم؟ هل يرون في ذلك لذة او تفريغا لعقدهم وكروبهم ومشاكلهم؟ هل المساس بشعور الآخرين نوع من العدوانية المستترة؟ ان اول ما يتبادر الى الذهن ان المساس بشعور الآخرين هو ميّزة تولد مع الانسان وتموت معه لكنها في الحقيقة ما هو الا آلية يطوّرها الانسان للتعامل مع من حوله. هل الانسان الذي يعتاد المساس بالآخرين هو انسان قوي الشخصية ام ضعيفها؟ وكيف نردّ على من يقوم بالمساس بشعورنا؟ هل نردّ له الصاع صاعين متحمّلين عواقب الامور؟ ام نلزم الصمت ونخاطر بأنه قد يتمادى بتطاوله علينا؟ هذا ما سأحاول الاجابة عليه في هذه العجالة. هنالك العديد من الاسباب التي تجعل الناس تقوم بالمساس بشعور الناس واولها هو الرغبة بإظهار الفوقية والتشدق بالمرتبة التي يشغلونها والذين يستغلون فرصة وجود "ضحايا" خاضعين لهم في مكان العمل او اناس متعلقين بهم اقتصاديا او عاطفيا او اجتماعيا. مثل هؤلاء ينقضون على من لا قدرة لهم على "المقاومة" والذين يلتزمون الصمت ويبتلعون الاهانة خوّفا من ان يلحقهم ضرر. "سميرة" هي امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً ومتزوجة من رجل عاطل عن العمل وتعمل لدى مدقق حسابات فظّ لا يتوقف عن المساس بشعورها ويتهمها بالبطء وعدم احترام المواعيد وعدم القدرة على الاستيعاب ولا يتوانى عن التفوه تجاهها بعبارات مثل "لقد قلت لك الف مرة ان تُرجعي ملف الزبون الى مكانه.. هل انت صماء؟" او "بعد ان تكملي ثرثرة مع صاحباتك, اتصلي بفلان.." وقد اعتادت "سميرة" ان تتلقى تلك الاهانات بصمت خوفا من يقوم رئيسها بإقالتها. اما "حنان" التي تعمل مديرة مدرسة والتي تزوجت من ابن عمها الأرمل الذي يكبرها بخمسة عشرة عاما لا تفوّت فرصة لتنزل من قدره امام اترابه واولاده ولا تتورع من تذكيره بأنها تزوجته من باب الشفقة. هنالك ايضا من يقوم بالمساس بشعور الآخرين من منطلق الضعف وعدم الثقة بالنفس تخوّفا ان يقوم احدهم باستضعافه او استغلاله او رغبة منه بالحفاظ على خصوصيته وعدم كشف اسراره وابداء نقاط ضعفه او اكتشاف تدني مستواه المهني, وهذا يدعوه الى الالتجاء الى العدوانية الكلامية والتي يعلن من خلالها "لا تقتربوا مني.." أي ان هنالك من يستخدم الكلام الجارح كأداة للحفاظ على مسافة بينه وبين المحيطين به لكي لا يضايقونه او يفضحون أمره أو يهزأون منه. بعبارة أخرى, قد يأتي المساس بشعور الناس من باب الضعف او من باب القوة, وهذا فعلا أمر محيّر ومثير للتساؤل. من تجربتي الحياتية, وهي ليست بقصيرة, وجدت علاقة شبه مثبته بين الاشخاص الذين يصلون الى مرتبات مهنية عالية وبين انعدام حساسيتهم لشعور لآخرين. يبدو هذا مطابقا لما ادعيناه سابقا بأن المساس بشعور الأخرين قد يأتي من منطلق الاستعلاء وبما ان اصحاب المرتبات المهنية العالية متواجدون في "القمة" فبعضهم لا يتوانى عن المساس بشعور "المبتدأين" او المتدربين او من هم اقل معرفة ودراية بأسرار المهنة. هذا بالإضافة الى كون بعض هؤلاء المهنيين غارقين حتى اذنيهم بتخصصاتهم الضيقة والمحدودة ومن شدة تعمقهم بما يعملون به ينسون اصول الاتيكيت والتعامل مع البشر. هنالك طرق عديدة "لاجتناب شرّ" مثل هؤلاء واحدها هي تجاهله والابتعاد عنه لكن ذلك لا يضمن ردعه عن غيّه وقد يجعله يحسب اننا غير قادرين على الردّ عليه خشيةً او مهابة او تحسّباً مما يزيد الطين بلّه. وان طلبت الجلوس معه على انفراد وتشكو له عما بدر منه فسيسارع بالاعتذار والتصريح بأنه لم يقصد الاساءة بتاتا, وان شكوته لرئيسه او والده او أخيه الأكبر فسينكر ويعرض "قصة" مختلفة عما سردته. إن صفعتهُ او ركلتهُ ستورّط نفسك بمشاكل قضائية لا اول لها ولا آخر. هنالك امكانية اخرى وهي ان تقوم بالتربّص له وان تحضّر لنفسك كلمات من "العيار الثقيل" بهدف توجيهها له بأول فرصة يقوم بإيذاء شعورك حيث تنهال عليه بوابل كلمات "متقنة" تصعقه, ومن بعدها سيعمل الف حساب قبل ان يعاود الاساءة. على اية حال, تبدو المهمة صعبة وشائكة ولا يمكن اسداء نصيحة واحدة تصلح لكل شخص بكل زمان ومكان, وخاصة اذا جاء المساس بالشعور "مبطّناً" ويختبئ ما بين السطور ومن الصعب شرحه للآخرين, هنالك من يسمي هذا النوع من المساس "اهانة ادبية" وهو نوع من الاستهزاء المستتر الذي لا يشعر به الا اثنان وهما المستهزِئ والمستهزَئ به. يا لها من فرصة, لنفحص اختياراتنا ومدى تعلقنا بالآخرين ولنواصل البحث عن الافضل الذي من الجائز انه يقع في مكان آخر غير ذلك الذي نحن به.