يداعب طقم أسنانه وهو يلوح لكل عابر , ممسكا بالشيشة متمتعا بجذب دخانها إلي صدره , ثم يطلقه في الفضاء المحيط به, يكاد من بجواره ألا يراه من كثافة سحابها الذي يلف حوله , وضع الجر سون أمامه قهوته التركي مغليه ومره في كوب زجاجي , مد يده إليها ملتفتا للجالس بجواره ,تشرب إيه يا حربي؟ , شكرا يا كبير .لقباً.محبباً لقلبه, يسمعه فيرتاح , أطلقوه عليه في موقف,السرفيس منذ سنوات , بدا في هيئته كظابط مهم يحيه كل المارة سائرون او من خلف طاره القيادة ,لو حدثوه يمتزج معهم في حوار طويل,لذا يهرب من يعرفه جيدا بسلام سريع غير عابئ بالرد ومكتفي أحيانا بالايماءه إليه , يرتاد المقهى صباحا حتى ليظن القادمون إليها انه ساكن بها ليلا ونهارا , بقميصه الغامق وبنطاله الأسود والحذاء الرياضي القديم , يتنقل بين الكراسي كأنه يشعر بملله من طول جلسته فيجدد جلسته ويحرك مؤخرته التي انبسطت فأصبحت تشبه مقعد السيارة من طوال جلستها , في مواعيد الآذان ينتقل إلي زاوية الشارع مؤدي الفرض ومبتهجا بالوضوء ليجدد حيوية جلد وجهه الذي سكنت به الثقوب السمراء كأنها رمل الطريق ملتصقا بها , كانت زوجته تجلس بجواره بعد كل حمام مسائي لتلتقط حبات البثور من اثر التصاق الرمال بوجهه " ابقي اقفل القزاز اللي جنبك" فيرد ضاحكا" الناس تتخنق يا روحيه "ظل متجاهلا لنصائحها حتى ماتت وظلت الرمال الساخنة تطارد وجهه ولا ينزعها حتى تشبه وجهه بمريض الجدري بعد شفائه من بثوره فأصبحت حفر كثيرة يتغير لونها من البني إلي الأسود فحمل أثارها معه حتى بعد أن اعتزل المهنة مجبرا .معاشه الشهري مائه وثمانون جنيها , إيجار سكنه الشهري خمسون جنيها وخمسه جنيهات نظافة وضعفهم كهرباء وماء.وعلاجه الشهري للسكر والضغط. انتهي المعاش قبل ان يلمسه من صراف البوسطه يجلس بالمقهى ينتظر بعزه نفس أن يمر عليه احد معارفه . واضعا في جيبه بعض النقود أو يحاسب له علي المشروبات .يتهرب منه الكثير ويعطف الآخرون عليه , ميسورا تمر ايامه اذا تجاهله واحد اندفع إليه الآخر , عف النفس, كان يضطر الي محاسبة الجر سون اذا تجاهلوه ويمنحه بقشيش كما عودوه , فتنهال عليه دعوات الدوام والصحة والعافية مبتسما يظهر طقم أسنانه الجيد من المحافظة عليه اذ يخلعه مساءا واضعه في كوب الماء اعلي الثلاجة كل يوم ويرتديه صباحا قبل الخروج. حين تأخر صباح ذاك اليوم لم يدق بابه احد ليعلم مابه ظنه العابرون في زيارة للبوسطه وهمس آخر ارتحنا منه وتعجب المنصفون علي حال البشر .الناكرين للجميل , كان يساعد كل سائق ويرشده علي الطريق ويحكي له عن مطبات الطريق جزءا جزء ويخبره عن أنواع ظباط المرور الجيد والغلس منهم ,ويرشدهم عن أكمنة الطريق الزراعي والصحراوي . عمل علي كل أنواع السيارات وموديلاتها ركب أم سقف عالي بالمكيف ويحكي ان الركاب تهافتت علي التيوتا 94 لأول مره كأنهم يرون عجبه ولما انفض الزمان عليها ودخلت ام سقف عالي التف عليها الجميع , المشاوير الطويلة لازم الزبون يرتاح في ركوبته , بموقف الكيل 26 كان يضع سيارته في الدور وينزل إلي القاهرة "كنبه" خلف السواق بدون أجره يعمل دورين في القاهرة ويرجع يلاقي الدور عليه .وأحيانا يا خدها طريق أو يحمل من أي موقف شغال المهم كان ممتلئا دوما بالفلوس يجيب القرش من الهوا الآن لاهواء بحجرته يضيق النفس به وهو يصارع مصاريف الحياة ماتت من كانت تدخر له قرش الغد, لم يك يحاسبها أو يسألها ,يلقي ما بجيوبه العليا والسفلي ويفرغ كامل حافظة النقود في جلبابها وهي تقوم بالعد والترتيب كان يداري عنها قطع الحشيش التي تختبئ دوما في زوايا جيوبه وكانت تعلم, فكم مره وجدتها في مخبأها وهي تقلب جيوبه فبل غسلها , فتلقيها بجوار السرير ليلتقطها هو بعد ذلك معتقدا إنها سقطت منه , بعد وفاتها تلاشت كل مزايا عمره طارت تحو يشه العمر في علاجها, ظل يبيع مصاغها قطعه قطعه , حتى وقف باكيا أمام باب الصيدلية وهو يعد الفكه التي بحوزته لم تتجاوز خمسون جنيها وروشته المستشفي بلغت 160 جنيها , أسرع إلي الموقف , تجمعوا حوله ووضعوا بيده القليل الذي أضحي مبلغ كبير غطي تكاليف الجنازة والدفن وسيارة الإسعاف التي حملتها إلي قريتها , لتصل إلي مثواها الأخير محمولة علي أعناق أهل البلد التي خرجت منها منذ أربعون عاما لتزف إليه , وحيدا بتابع أصوات الشارع منتظر طرقه علي الباب ,لم يسمع سوي دقات قلبه تعلو وتهبط, ممسكا برأسه تارة وصدره تارة, تأوه فلم يسمعه احد, واستغاث فلم يغثه احد ,الذي لم يخلو بيته أيام عمله من مرتاديه وسهرات طويلة للصباح وزجاجات البيرة واكلات تجتهد زوجته فيها طوال اليوم , هجره الزمن , ارتفع صوت الأنين ثم بدا يخفت ويخبو وتواري ......., رحل كبير سائقي السرفيس