بقلم عبد الهادى زيدان مررت في الفترة السابقة بحالة غير مسبوقة في حياتي فقد اعتدت أن أحاول أن أتعامل مع الكون بشئ من الروية ودون تسرع وبلا انفعالات غير مبررة إلا أن ما يحدث علي الساحة السياسية يكاد يستصرخ الكثير من الآهات الدفينة التي من الصعب أن نتفاداها أو نتجنب مراراتها أكاد اجزم أني صرت وكأني في بلد الآخر...بلد يستخرج من داخلة دوافع الرفض لكل شئ بلد يتفشي فيه حوار الطرشان بلد يتناسي من فيه القبول بالآخر أو الاعتراف بالخطأ او الإصرار علي الانتصار للرأي علي حساب المصالح الكبري للوطن بلد يساء فيه للأجيال السابقة ولا يعرف فيه فضل من وقفوا بجانبه و ويتناسي فيه روح القسط بلد يزايد فيه المثقفين وتتنابذ فيه النخبة وتتقاتل فيه أصحاب المنافع ويتطاول فيه الرعاع والسوقة وأصحاب الرؤى الضيقة صارت الأحزاب بلا ادوار والتجمعات بلا هدف والتظاهرات في غالبيتها من اجل اكتساب أضواء لا انتصار لقيم أصبح من السهل أن تجد المتربصين وهم ساخطين علي كل شئ وغاضبين من أي خطوة ومصرين علي جلد اي عمل يتم تغيرت لغة الشارع وتدنت لهجة الخطاب وتوارت فيه سنن الحياء واختلط الحابل بالنابل لا يمكن لأي بلد ان يفصل قانونا لكل مواطن ولا أن يختلق دستورا لكل فئة ولا أن ينفخ في روح كل تيار علي حده الشعوب لا تحيا وفق شرعية ثورية طوال أعمارها ولا أن تجدد البيعة للميادين طوال الوقت ولا أن تتفرغ لحالة من الهياج ما بقيت.. ليتنا نهدا لبعض الوقت ولا نتسرع في أحكامنا ولا ننتظر التغيير بين لحظة وضحاها ولا نقف أمام الصغائر وننفخ فيها ولا نستعرض ما نمتلكه من سقط المفردات والابتذال الرخيص ...ذلك رحمة بأجيالنا التي ستتربي علي الخروج عن التحضر وترفقا بتاريخنا الذي سطر ثورته بمداد من سلمية مطالبه ورحمة بأرضنا التي تنتظر الخير من شعب كان بالأمس أكثر تماسكا وتكافلا وإبهارا للعالم.