بقلم منال الصناديقى حين نطرق باب كلمة المواجهة أول ما نفكر فيه كيف نواجه الآخر بالكلمة أو بالفعل .. وهذا يتوقف على تعامل الآخر معنا أو مشاعرنا تجاهه ايجابية كانت أم سلبية. فإذا كنا لا نحمل له سوى البغض فإننا لا نحتمل منه الهفوة ماسكين بتلابيب المثل الشعبى القائل : (حبيبك يبلعلك الزلط ، وعدوك يتمنالك الغلط). وفى حالة المشاعر الحيادية ننتظر رد الفعل الأول من مواجهنا .. متحسبين للأمور .. واضعين أنفسنا فى موقف الحذر ، وقد لا تأتى المواجهة من المرة الأولى مع بعض الأشخاص العقلانيين ؛ أما الإنفعاليون فتكون مواجهتهم للأخر مباشرة دون بلونات اختبار لمواقف تالية. أما فى حالة حملنا لمشاعر طيبة نحو إنسان معين فأننا نتغاضى عن أخطاءه حرصاً عليه وخوفاً من فقدانه. وعند تكرار التصرفات التي تؤذينا منه عندئذ نحذره ، وفى حالة استمراره في مضايقتنا ندرك أنه غير حريص علينا فتكون مواجهتنا له في أقصى حالاتها الإنفعالية مفضلين انقطاع العلاقة التي بيننا على أن تستمر تاركة المزيد من الجراح .. مرددين مع أم كلثوم : (متصبرنيش | ماخلاص | أنا فاض بىَّ ومليت) ... أما إذا كنا من هذا النوع الذى يرتبط بمن يحب ارتباطاً لا فكاك منه فقد نفضل أكل الزبيب الذي يتحدث عنه المثل الشعبي القائل : (ضرب الحبيب زى أكل الزبيب).. ولا نفرط في الحبيب أبداً .. وبالتالى لا نقوم بفعل المواجهة. وقراءة الآخر فن يحكم مواجهاتنا بشتى أنواعها فقد يكون مواجهنا انساناً لا نعرفه وبالتالى قراءتنا له تكون سريعة حتى نحدد اذا كنا سنستطيع فعلاً مواجهته أم سنقول (يا فَكيك.. بلا مواجهة .. بلا قراءة) .. وخاصة اذا واجهنا لص قائلاً : (يالا طلع اللى معاك...) اعتقد ان أسلم حل ان نعطيه ما معنا ونطلق أقدامنا للريح وخاصة اذا كان يحمل معه سلاحاً وكنا لا نجيد فن القتال. ولكن اذا منحنا قوة بدنية وكنا نجيد فن الدفاع عن النفس فأفضل الحلول ان نواجهه بشل حركته وسلب سلاحه وتسليمه للشرطه ؛ وعندئذ سنكون أبطال ويشاد بنا فى مجتمعاتنا وخاصة الصعيدية التى لا تعترف بضعاف البشر والمستسلمين ؛ ويحترمون ويقدرون الذين يعرفون كيف يواجهون الآخرين ويأتون بحقوقهم بل وحقوق من هم فى حمايتهم.. معتبرين هذا الفعل من شيم العِزة والشجاعة وكرامة النفس. وثورة الخامس والعشرين من يناير اعتمدت فيها المواجهة على مبدأ السلمية وضبط النفس ومقولة رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه : (ليس الشديد بالصرعة ؛ إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب) عن أبى هريرة رضى الله عنه – متفق عليه - ولذا تعاطف معها العالم بأسره بصفة عامه والشعب المصرى بصفة خاصة ؛ وأيدها الله عز وجل بنصره. ومن أصعب المواجهات التي لا يجيدها معظمنا مواجهة النفس.. فهل تستطيع قراءة نفسك ؟ هل فكرت تواجه نفسك بما تريد ؟ هل اتخذت قراراً وتحملت تبعاته ؟ هل وقفت أمام نفسك تحاسبها كل ليلة لتعرف أخطاءك وتحاول أن تصلح من نفسك ؛ أم أنك من هذا النوع الذي يستخدم مع نفسه المقولات الشبابية القائلة : (يا عم فُكَك – نفض – كبر – طنش) ؟ إن أساس التميز والإبداع مواجهة النفس بمعرفة ماذا تريد وكيف تفكر والهدف من تلك الرؤية الفكرية أو الإبداعية.. فالإبداع يبدأ بفكرة تتولد داخلنا ثم نتعامل معها باخراجها على الورق ؛ واذا لم نكن نعرف ماذا نريد ان نقول ، ولدينا منهج لعرض ما نرغب فى البوح به وإيصاله إلى الآخرين بأبسط السبل وأكثرها اقناعاً لما استطعنا ان نبدع ؛ وما أثرنا فى الآخرين بقوة. إننا حين نحدد ما نحبه ونرغب فى فعله نكون إستطعنا تحديد موهبتنا التى منحنا الله عز وجل إياها ، ومن هنا ظهرت مواهب الناس المختلفة. وتطوير موهبتنا يعتمد على تمسكنا بها ومواجهة كل المصاعب فى سبيل الوصول بها إلى بر الأمان حتى تنتقل الموهبة إلى مرحلة أخرى ألا وهى الإجادة ثم التميز فالإبداع. اذاً فمعرفة النفس أعلى درجات المواجهة ، وكلما قراءنا أنفسنا بشكل جيد وواجهناها بما نريد وتصالحنا معها ؛ وعلمنا عيوبنا من مزايانا ، واعترفنا بأخطائنا وحاولنا ان نصلحها ، وتحملنا تبعات افعالنا دون إلقاء اللوم على من سوانا ، ووضعنا بدائل للأمور فى حالة عدم نجاحنا فيما نخطط له ، وعرفنا كيف نطور من أنفسنا .. عندئذ نكون اكتشفنا أسرار قدرتنا التى منحنا الله عز وجل إياها .. ونصبح مختلفين ومبدعين بحق.