عبد الجواد خفاجى واحد من المهمومين بالفعل الثقافي والإبداعي في جنوب مصر، نراه رافضاً كل ألوان القبح الكامن خلف جِلْدَةِ الظاهر المدَّعي؛ ومن ثم يمارس صلاحياته كأديب لفضح القبح وتجريسه، ومن ثم فهو يُعرِّي الشخصيات الروائية أمام نفسها كمبدأ أول.. يُداخل واقعَه بجرأةٍ وصبر مرير ، لا لشيء إلا لكي يحقنه من حيث لا يدرى بجرعة التمرد والثورية على القبح الرابض تحت ظل الأعراف البالية والاصطلاحات السخيفة وادعاءات الفضيلة والتدين المجاني، والدجل السياسي؛ لذلك تتحول الكتابة عنده إلى مسئولية جسيمة يرفض معها كل ألوان المجانية. هو لا ينحني للمنفعة ولا يجيد التدليس، فقط هو معنيُّ بالصراحة المطلقة وملامسة الحقائق الجوهرية إذ يحوِّل هذا الواقع إلى فنٍّ. لم يكن شغف الروائي عبد الجواد خفاجى بالمكان مجرد علاقة تواجد وارتباط، وإلا لكان واحداً مثل العشرات غيره ، لكنه روائي مُرمِز ، مهموم بوطن عريض يتعايش فيه مع أبطاله الحقيقيين في رواياته التي تري في الأسطورة معادلاً لتلك السلطة الروحية الغيبية التي تسيطر على العقول فتولد من رحمها أساطير متعددة، ويري في المكان مشروعه الطموح الذي يبدأ بالرصد، سعياً نحو الشمولية والارتكاز على التاريخ الإنساني ، فهو كما يقول: المجتمع ليس مميزًا ببيئته وإنسانه فقط، ولكن بتاريخه أيضًا. وكل كُتَّاب الرواية فى صعيد مصر على ندرتهم يسعون إلى استغلال المعطى البيئى وخصوصية الشخصية، ولكنهم يهملون البعد التاريخي ولا يسعون إلى تقديم رؤية بانورامية للواقع الصعيدي، فيما تظل الرؤى لديهم جزئية تماما كالجُزر المفصولة في البحر الكبير. وعبد الجواد خفاجى الذي يدخل الثانية والخمسين من عمره محملاً بمشروع إبداعي كبير بدأه بروايته " الراقصة والعجوز " الصادرة عن دار رقى – في بيروت – 1986، تلتها مجموعته القصصية" تأريخ لسيرة ما " عام 2000 عن فرع ثقافة قنا وحتى روايته الأشهر " بغل المجلى " عام 2007 ، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ثم تأتي روايته " أرض الخرابة" عن دار السندباد بالقاهرة عام 2010 م ثم رواية "عودة الفلوص عن دار بورصة الكتب بالقاهرة عام 2010 م من صومعته البعيدة في صعيد مصر كان لنا معه هذا الحوار : ********** من هو الأديب الروائى عبد الجواد خفاجى ؟ بالتأكيد سيعرفنى قارئى عندما أتكلم ، ربما المناسب الآن أن أقول: إننى إنسان يجالد واقعة، ويفضحه في الآن ذاته ، إنسان يمارس الحياة لحظة موته ؛ ليصحو على موتةٍ جديدة ، ليست الحياة بالطبع جنازة كبيرة، وليست مهمة الأديب هو إقامة الجُنَّاز .. وإنما قصدت دق ركائز جديدة للحياة وللوعي الإنساني في مقابل عوامل التصرم والمحو، لهذا أنا معنىٌّ بالرصد أولا، وكأني روائيا أواجه عوامل التصُّرم التى تترصد ملامح الحياة الأصيلة والقيم الإنسانية الرفعية.. الكتابة عندى زاد المسيرة ، والمسيرة تبدأ دائمًا من لحظةٍ للولوج من سَمّ الخَياط . يقال إننى من مواليد 14 / 10 / 1958 م بيد أننى حقيقة لم أولد بعد . نشأت فى مجتمع قروى زراعى ، فى أسرة فقيرة ، واحدًا من اثنى عشر ابنًا لأبٍ أزهرى، أحسن التوجيهه منذ الصغر إلى أهمية التعلم ، وضرورة حفظ القرآن ، موفرًا ما يمكنه من كتب لمكتبته المنزلية ، التى كانت بتنوعها وثرائها محكًا حقيقيًا لعشق القراءة ورغبة المعرفة . بدأت تعليمى الجامعى دارسًا في كلية العلوم بقسم البيولوجيا عام 1974 م لمدة عامين ، تركتها بسبب رغبتى فى دراسة الهندسة ، لألتحق عام 1976 م بكلية الهندسة والتكنولوجيا جامعة حلوان بالقاهرة لكنى فوجئت بأن إمكانيات الوالد المادية غير مسعفة لمواصلة الدراسة في الهندسة، فتركت الكلية وسافرت إلى عدة دول عربية للعمل ، ثم عدت عام 1984 إلى مصر ، ثم لأستأنف الدراسة هذه المرة في كلية التربية.. إنها رحلة شاقة ومتنوعة مع الاكاديميات العلمية والتخصصات المختلفة لكننى راضٍ أخيرًا عن تلك الخريطة التى مشيت فوقها .. إنها قدرى الذى شاء أن أعب من مناهل ومشارب علمية مختلفة وأمر بتجارب جد عسيرة صنعت إلى حد كبير شخصيتى التى أواجه بها الزمن الآن وربما فى الغد ، وهيأت شخصيتى لمواجهة ظروف الحياة ومهما تكن صعبة إلا أننى أستشعر أننى لها دائماً ، وعلى نحو أخر شكلت قريحتى بشكل خاص لخوض غمار الكتابة الروائية بصفتها نشاطاً دؤوبًا بحاجة إلى صبر وجَلد ، وتأنٍ ومثابرة ، وباعتبارها معايشة حقيقية لتجارب متعددة ، و باعتبارها ثراءً رؤيويًا بحاجة إلى ثقافة متعددة وشاملة ، وباعتبارها مرادفًا فنيًّا للحياة نفسها ، وباعتبارها طموحًا إلى استيعاب الواقع ، مثلما أنها تمثيلاً للدراما باعتبار الأخيرة تجسيدًا لقضايا الإنسان في صراعه من أجل البقاء ، وباعتبارها تنوعًا ومفارقة ، وحركة لا تريم ، ربما لكل ذلك أنا راضٍ عن خريطة حياتى بكل ما أسفرت عنه حتى الآن ، يعزز من رضائى هذا إيمانى بالله ، وقدريتى التى جُبلت عليها باعتباري إنساناً قروياً تربى بداية حياته فى كُتَّاب القرية ، ووسط جماعات الفلاحيين القدريين تمامًا . :- وما هي اهتماماتك الأدبية ؟ اهتماماتي الأدبية في حدود ما أكتب تتلخص فيما أكتبه من رواية وقصة قصيرة ونقد أدبي وإن كان لي بعض الكتابات في الشعر والمسرح والسيناريو وثمة بعض المؤلفات حول الإعجاز العلمي والبلاغي للقرآن الكريم . أما عن اهتماماتي الأدبية في حدود ما أقرأ فهي تتلخص في قول ابن قتيبة: " من أراد أن يصبح عالما فليتخير علما من العلوم، أما من أراد أن يصبح أديبا فليتسع في العلوم" وقد اتسعت الدائرة كثيرا أمامي بعدما وجدت نفسي كناقد أدبي مطلوب منه أن يطالع أحدث ما أنتجته المطابع، وغير ذلك دراسة الآداب الغربية واتجاهاتها الفنية والفلسفية وخاصة نظريات الأدب، فقد عشت فترة من عمري غارقاً في قراءة واستقراء تراثنا العربي، وربما أن هذا ما أهلني للانفتاح علي الآخر كجزء من ضرورة التفاعل الحضاري معه، تماما كما فعل أسلافنا في العصور الإسلامية السالفة، عندما أفادوا من حضارات الأمم الأخرى وعلومها، ومسألة الانفتاح على الأخر في عصرنا أضحت ضرورة .. لدى اهتمامات أخرى في حدود واجبي أن أتابع المنتج الأدبي في صعيد مصر، وأن أدرسه، وأن أقدمه للعالم ، وإن كنت غير راضٍ تماماً عن هذا كثير من هذا المنتج. -: هل لك ما تباهي به في مجال الرواية؟ : نعم لدي ما أباهى به من مشروع روائي غائص في البيئة والمجتمع الصعيدي، ولدي رؤيتي الخاصة التي تطمح نحو الشمولية، ونحو الارتكاز علي التاريخ، فالصعيد ليس مميزا ببيئته وإنسانه فقط، ولكن بتاريخه أيضا . وكل كُتَّاب الرواية في صعيد مصر علي ندرتهم يسعون إلي استغلال المعطي البيئي وخصوصية الشخصية، ولكنهم يهملون البعد التاريخي ولا يسعون إلي تقديم رؤية بانورامية للواقع الصعيدي، فيما تظل الرؤى لديهم جزئية تماما كالجُزر المفصولة في البحر الكبير. - هل أثر المكان مدي انتشارك كروائي؟ وهل له تأثير على موهبتك ؟ وهل تأثرت كتاباتك بذلك ؟ : الإقامة في صعيد مصر، وفي أبي تشت خاصة تضرُّ بي كثيراً، فلا توجد في صعيد مصر من أقصاه إلي أقصاه دار نشر واحدة وعلي مدي التاريخ الحديث كله، ولا يوجد سوق للكتاب، ولا حتى قارئ للكتاب، ومعظم أوقات حياتي أضطر فيها إلي الخضوع لمنطق الدهماء وإلي استثناء الثقافة وإلي الخضوع للعرف الاعتيادي وإلي القبول بالمرفوض، وإلي التنازل عن الخصوصية .. في صعيد مصر يكاد يكون الاهتمام بالثقافة معدوماً، وهذا جزء من مظهر الصعيد المنفي والمغلق علي خزعبيلاته وأساطيره ودجله وثقافته الشعبية البدائية. ومع هذا لا أنفي ككاتب روائي أنني أستشعر أن إقامتي في الصعيد مفيدة، أو بالمعني: إنني أعايش حالة روائية منذ الطفولة لم يعشها روائي أخر في مصر، أنا أستشعر أنني في مغارة لم يدخلها أحد قبلي، وهي علي أية حالة متاخمة للمجهول وللتاريخ وللجذور الإنسانية الغائرة .. مغارة متخمة بالكنوز الخبيئة التي علي وحدي استكشافها، وما أقدمه من مشروع روائي من داخل هذه المغارة هو ما أباهي به أمام العالم كله يوم أن تتاح له فرصة النشر. نعم .. إن رصد كل هذا روائيا يعني النظر إلي الخلفية التاريخية لهذا الوضع، يعني البعد أولاً عن مجرد استغلال الصعيد فنياً بالتركيز علي الوصف الطوبوغرافي لواقع كاريكاتوري، أو لطبيعة ساحرة، أو لشخصية ساذجة، لم يعد الأمر مجرد رصد لأنماط وعادات وتقاليد مغايرة .. كل هذا يعني من وجهة نظر النقد استغلالاً لخامات البيئة لإنتاج منتج محلي قد يكون صالحا للتصدير وهذا مطلوب ، لكنه يظل بلا قيمة حقيقية وبلا رؤية وبلا فلسفة وبلا عمق وربما بلا هدف ما لم يوظف التاريخ . وغير ذلك المسألة في الفن ليست فقط التركيز علي إعادة إنتاج الواقع أو وصفة ..المسألة خلف هذا هي بحث في الخلفية التاريخية، وفي البعد غير المنظور لكل ما نراه من واقع لا يزال أسطوريا تزاحمه الخرافة ويسيطر عليه الدجل ويتعرض للقرصنة القبلية والسياسية، ويتحكم فيه جهاز من عادات بالية، واصطلاحات سخيفة ، وتقاليد بدائية. لماذا كان الصعيد بهذه الكيفية ؟! هذا هو السؤال، وأنا معني في الكتابة الروائية بالإجابة غير المباشرة عن هذا السؤال، وأظن أن أية إجابة عن هذا السؤال تبدأ بالحاضر ستظل مرفوضة، لأنها تنظر تحت أقدامها، وتستثني التاريخ، ومن ثم فالأمر لدي مختلف لأنني أبدأ بالتاريخ. ليس معني هذا أنني أسعي إلي كتابة روايات تاريخية.. هذا أمر مختلف تماماً .. المسألة هاهنا هي النظرة إلي كل شيء علي أنه نتيجة حتمية لصراع تاريخي، وعليَّ أن أقدم رؤيتي في هذا الإطار .. إنه جزء من الوعي بالذات في صراعها التاريخي والحضاري، وهي مسألة جوهرية إذا ما أردنا أن نغير من واقعنا. أستاذ عبد الجواد خفاجى أحد أبناء الصعيد ، ما رأيك فى صعيد مصر ، هل ترى أنه أخذ حقه ؟ أم أنه ما زال الصعيد المقهور ؟ سيدتي كل ما نراه أمامنا مجسداً في صعيد مصر من تخلف وبدائية وسلوك عشوائي وعدواني وعادات وتقاليد نمطية وسخيفة وما نراه من تدني ثقافي وطرق تفكير عقيمة وطرق معيشة غير آدمية، وما نراه من مستوى اقتصادي وسياسي متدهور .. كل ذلك صناعة تاريخية، ونتائج صراع تاريخي وحضاري تم علي أثره استبعاد ونفي الصعيد منذ أن صَدَّر حضارته إلي العالم وأدي دوره التاريخي والحضاري، يوم أن كانت طيبة هي عاصمة مصر، وبنهاية هذه الحقبة المهمة في التاريخ انتهي الصعيد ككيان حضاري وظل علي مدي الحقب التالية مجرد مزرعة طويلة لمصر، تصر الحكومات المتعاقبة علي نفيه ونهب ثروته الزراعية واستعباده من دائرة اهتماماتها، واستغلال سواعد أبنائه في الأعمال الدنيا ، وفي تحرير التراب السليب في الشمال، علينا الآن إذا كنا نسعى إلي تغيبر الواقع أن نغيره بأنفسنا، أو بالمعني ندخل مرحلة جديدة من صراع المواجهة الحضارية، دون أن نعوِّل كثيرا علي الحكومات فهي لن تمنحنا شيئا مختلفاً، إن سياسة حكومتنا الحالية مع الصعيد لا تختلف كثيرا عن سياسة المماليك مع الصعيد ومساوئها لا تختلف عن مساوئ الحكم العثماني .. من هنا أقول إن الوعي وحده هو ما يلزمنا، ومن هنا أيضا أنا أعوِّل علي الصفوة الواعية .. الإشكالية أن صفوة الصعيد الواعية هاجرة للصعيد تعيش في القاهرة ولا يعنيها الصعيد شأنها شأن نواب البرلمان الصعايدة . هل أثرت على كتاباتك، وتناولت موضوعات تعالج قضايا سياسية ؟ أم أنك فضلت الابتعاد بموهبتك بعيد عن خضم الأحداث؟ سؤال لا محل له من الإعراب في مسيرة أي مبدع، إلا إذا كان يعيش فلسفياً خارج الزمن، صحيح أنني لا أميل إلي التحزُّب السياسي ، والأديب الحق هو الذي يمارس السياسة في الإبداع الذي يكتبه، ولا أظن أن الإبداع سيكون منسجماً مع البهلوان السياسي، ولا مع الجعجعة والطنطنة الحزبية، ورجل السياسة سيظل مخلصا للحزب والشعار ومصلحته الشخصية، فيما يظل الأديب مخلصا لمهمة أخري ديناميكية (متحركة) أكثر إنسانية أ وأكثر عمقاً وشمولية. مهمتنا كأدباء رؤيوية جمالية لا تتفق مع رؤية البهلوان السياسي لهذا أنا أمقت التحزب السياسي ولا أمقت الأحزاب السياسية بالطبع ، فهذا أمر مختلف .. لقد عاش جان بول سارتر حياته كأديب ملتزم صاحب رسالة اجتماعية، مخلصا للشيوعية ولمبادئها الاشتراكية ومع ذلك لم يكن عضوا في الحزب الشيوعي الفرنسي حتى توفي. لكن حقيقة نحن نعيش قصيدة كبيرة حيَّة تكتبها الشوارع لأول مرة في تاريخ العرب الحديث، ولا شك أن هذه الأحداث ستلقي بظلالها على تجربة أي مبدع، لقد كتبت قصائد تحت عنوان "الشوارع" وكتبت مجموعة روايات قصيرة "رواية دوت .كوم" تستقى ماءها من التغير السياسي الحادث. من هو الناقد الذي تثق فيه لتناول أعمالك الروائية؟ * الناقد الذي أثق به لقراءة أعمالي الإبداعية : أعتقد جازما أنه الناقد الذي يستطيع أن يعبئ خطابه بالعلم لا بالضجيج، إنه الناقد الأوسع ثقافة، الأكثر فهما لبيئتي ومشكلاتها ولواقعي وأزماته إنني لا أكتب بمعزل عنهما، أنا رجل منغمس في واقعي وبيئتي، ومن ثم لا غرو أن يكون الناقد متسلحا بالوعي في هذين الاتجاهين إذا ما كان بصدد قراءة أعمالي. ما رأيك في الأحداث الحالية ؟ وهل أنت راض عن مكتسبات الثورة المحققة إلى الآن ؟ الحقيقة ومنذ نجاح الثورة وأنا مداوم على كتابة مقال أسبوعي أنشره في إحدى الجرائد المصرية أجيب فيها عن أسئلة المرحلة . أنا منبهر بمرحلة سقوط الأصنام ، وإن كنت قلقاً من عدم استقرار آراء الفصائل السياسية في مصر .. إن وعي الشعوب العربية تفوق على غباء حكامه، غير أن غباء الحاكم العربي وحيد القرن لم يعد مناسباً للقرن الواحد والعشرين، ولم يعد مناسبا لطموح الغربيين فينا، في هذه المرحلة، ولعل فشل الحاكم العربي في السيطرة على الشارع العربي خير دليل على غبائه، أما السبب الأكثر وجاهة أنهم أوصلوا شعوبهم إلى مرحلة الفقر الذي أضحى يمثل إرهاباً للعالم الغربي الذي بدأ بدوره يعاني من أزمات اقتصادية, لذلك أتوقع أن تكون الأنظمة الحاكمة في الخليج هي آخر الأنظمة التي سوف تسقط بالنظر إلى ما لديها من احتياطي نفطي يساهم في استقرار بطون شعوبها وتمييع رأيه. في مصر الآن، علينا ألا نفكر طويلا في التخلص من أذناب النظام السابق ومن دانوا بعقيدة صنمهم؟ إذ الواجب أن نجتاز هذا إلى مرحلة من المصالحة الوطنية ، ونفض تبعيتنا للغربي، ولكن ليس على طريقة القذافي ،صدام ، عبدالناصر، بل على الطريقة التي أكسبت الصين واليابان وسنغافورة احترام الذات عندما احترمت العمل، وأخلصت لثقافتها ووطنيتها، هي مرحلة يجب أن يكون سياجنا فيها تنمية الفكر والوعي؛ حتى لا نكون في درجة غباء حكامنا؟ وحتى لا نظل على أمل الاقتراض من الغربي الذي يستثمر لحطة جوعنا لصالحه، وهذا لن يتأتى إلا بالعمل والإنتاج؟ .. إننا بحاجة إلى قوى وطنية مخلصة لتنهض بمصر بشكل عملي، من خلال برامج وطنية حقيقة واعية ، ولا أظن إلا أن مثل هذه البرامج هي المفتاح الحقيقي للديمقراطية الحقيقية، فلا ديمقراطية حقيقة في شعب جائع بلا وعي. أما مبعث قلقي هو شعوري بأن الحياة أضحت مورستانا سياسيا .. أعرف أنها ثورة مفعمة بروح الشباب الوثابة ، وأعرف أنها ثورة كل ألوان الطيف السياسي والشعبي، وأعرف أن الفساد الذي كان للركب لا يزال بحاجة إلى إزالة. ولكنني أعرف أننا بحاجة إلى ممارسة حياتنا وأعملنا، وأننا نعيش في وطن وليس في مورستان سياسي .. و أية ثورة بلا حكمة هي الفوضى ، و أن ارتباك الحكومة بسبب ما تحدثه الهبات والمظاهرات من قلق أمنى وسياسي واقتصادي. هل هذا المشهد الفوضوي هو نفسه الذي بدا به الشعب المصري وهو يصنع ثورته في ميدان التحرير منذ عام مضى؟ .. أليس ما يحدث الآن هو نفسه ما راهن عليه مبارك عندما قال: أنا ومن بعدي الفوضى؟ فى ظل التهالك على انتخابات الرئاسة ، من ترشح لرئاسة الجمهورية ؟ ولماذا؟ كيف نختار رئيساً للجمهورية.. ربما يكون هذا السؤال هو سؤال الساعة في مصر، من المهم اختيار رئيس الدولة بالنظر إلى مدرسته الفكرية التي ينتمي إليها، وهل هي تتطابق مع تصريحاته وخطته وأفكاره المعلنة منذ أن أصبح مرشحا؟ وإلى الخلفية ولا نقصد بها المقعدة أو العجيزة التي كان يتمتع بها حسني مبارك، ولا نقصد بها من يسيرون في الركاب أو الخلف مثل أعضاء برلمانات مبارك ولجنة سياساته وأعضاء حزبه، وإنما نقصد بها: من هو المرشح ، تاريخه السياسي أو النضالي ، إنجازاته وإخفاقاته؟ ماذا حقق في حياته؟ هل هو على اتصال جيد بالقوى السياسية في البلاد، وعلى استعداد أن تتعامل معه بشكل حقيقي وفعال؟ نحن نريد شخصا ناجحا في حياته، وله تاريخ نحترمه أو نتقبله وكذلك بالنظر إلى السؤال: لماذا رشح نفسه؟ هل هو من الساعين وراء المنصب بقوة حتى وإن كان يعلم أن أمه أمريكية بما يخالف قانون الترشيح؟ هل استغل الدين واللحية والخطاب الديني والحديث في الحلال والحرام في استمالة الجماهير المتدينة والتغرير بهم؟ أم أتى ترشحه بناءً على ضغط جماهيري؟ و ما هي مواصفات منصب رئيس الجمهورية ومهامه؟: هل هو شرفي أم ذو صلاحيات حقيقية؟ لو كان شرفياً، يمكننا التساهل في أشياء عديدة ليس من ضمنها القصور الرئاسية ومتاحف مصر وآثارها بالطبع، ولكن نقصد سن المرشح وصحته، ولكن لو هو منصب ذو صلاحيات حقيقية، فلابد أن نأخذ الأمور بحرص و بصورة أكثر تدقيقا بحيث نضمن ألا يتحول الرئيس إلى فرعون غبي يوماً ما. وكذلك النظر إلى الخطوات والخطط التي قام بإعدادها لحل المشاكل التي تواجه البلاد و للاهتمام بمطالب التنمية؟ ما هي خططه وأفكاره للنهضة الاقتصادية ولمحاربة الفقر، وللتعليم، وللرعاية الصحية، وللأمن المحلي، وللأمن القومي، وللعلاقات الدولية وللسياسة الخارجية، وللإصلاح السياسي، وللإصلاح القانوني، وللثروة الغذائية، ولموارد الطاقة، ولإصلاح سياسة الدعم، ولغيرهم من المواضيع والقضايا؟ :- هل توجد أعمال جديدة ؟ وما هى ؟ أجهز مجموعة روايات قصيرة تتناول الأسباب التي أدت إلى الثورة وصورة المجتمع المصري في ظل أحداث ما بعد الثورة . :- وأخيرا ما هي كلمتك لمصر وشباب مصر في ظل هذه الأحداث؟ ما أتوجه به إلى الشباب هو ما أتوجه به إلى الجميع: لا ديمقراطية حقيقة بدون اقتصاد قوى، ولذلك علينا جميعا والشباب أولا واجب قومي هو النهوض بالاقتصاد والإخلاص في مجال العمل والإنتاج. قد أكون صادماً عندما أقول: إن مطلب الديموقراطية قد يكون مطلباً باهتاً مع تدني الوعي ، وتعاظم الفقر والتبعية . وقد أكون صادما عندما أقول إن الديمقراطية الحقيقية ومهما تكن حلماً لن نطولها ما دمنا نجهل اشتراطاتها ، ولعل أول هذه الاشتراطات هو التفلُّت من تبعيتنا للغرب والدخول إلى العصر ببرامج وطنية حقيقية تركز على الاقتصاد، و على الانفتاح على العالم دون تبعية، فالتحرر الحقيقي هو التحرر من التبعية، والحرية الحقيقية لن تتأتي بدون استقلال اقتصادي، فقد أوصلتنا التبعية لوضعية طُلاَّب منح، وكانت أعظم مِنح الغرب لنا هي حسني مبارك وقروض البنك الدولي. ولعل ثاني الاشتراطات هو التركيز على الوعي باعتباره ركيزة لنهضة الشعوب وحمايتها من الاستلاب. وختاما لهذا الحوار الممتع الشيق :- الأستاذ الفاضل والروائى المتمكن والناقد المثقف ، حقاً أمتعتنا بهذا الحوار الذى غاص فى أعماق الصعيد فأخرج لنا جوهرة ثمينة ودرة من الدرر النادرة ، شخصية مثقفة ، واعية ، مواكبة لأحداث العصر ، شخصية خلقت إبداعا من انعدام لهذا الإبداع ، وأنا أعى ما أقول فالصعيد بلد العملاقة ، ولكن ليس به أية مقومات لصنع هؤلاء العملاقة ، هم من يبدعون وحدهم ، ويجازفون وحدهم ، ويكدحون وحدهم ، ولا يجدوا من يقدم لهم أدنى مساندة حقيقة ، لأنه كما قلت أستاذى الفاضل لا توجد دار نشر واحدة ولا مكتبات مؤهلة للنهل من منابعها أو دور ثقافة ، كل أهالى الصعيد يواجهون ما لا يواجهه غيرهم من السفر والمشقة للحصول على كتاب أو لمتابعة معارض الكتاب ، أو الندوات الثقافية . أستاذ عبد الجواد خفاجى كل الشكر والتقدير لشخصك الرائع المثقف المتواضع ، الصعيدى الأريب ، المناضل الأدبى ، والروائى الحصيف ، والناقد البناء . ( كل عام وحضرتك بمزيد من هذا الإبداع الراقى والفكر المستنير ).