الكتاب من منشورات مطبعة المسارة، الطبعة الأولى 2011 باسبانيا، و هو يتكون من تقديم ثم مدخل ، و ثلاث مباحث هي : 1- التاريخ 2- المفاهيم 3- النظرية الموسيقية. ويأتيك الغلاف مضمخا بعبق التاريخ من خلال لوني العنبر و المسك، ناضحا بروح أنغام أندلسية ، و جدلية انسياباتها ،في بوتقة التراكم الحضاري. من خلال مربعين متداخلين ، يكونان شجرة الطبوع الأندلسية ، وهو مخطوط مأخوذ من كناش " الحايك" ، نسخة الأستاذ المرحوم داوود، و الموجود بخزانته. و لعل من الايحاءات الأخرى المثيرة، التي تباغتك عند بداية الكتاب، ذلك الاهداء الرزين ، الذي يسلمك ميثاق الشرف بالوفاء ، و الوعد بالالتزام بالحقائق التاريخية و العلمية. يدعم هذه الحمولة الدلالية للاهداء، تلك الدقة في وضع التعابير المناسبة بما يليق بمقامات أصحابها، و وضع العلمي منها في سياقها الخاص، و توظيف الوجداني الذوقي في موضعها النظمي بمفهوم القاضي الجرجاني رحمة الله عليه . و هو بهذا الملمح الراقي، يمنح الحقيقة العلمية صمام أمانها، و يعترف بدور " الانسان" بكل فسيفساء حمولاته الفكرية و العقدية التي تصنع الحضارة. انه الذكاء و الرقة في كيفية تقديم الكاتب لشخصيته المثقفة في غير ما مباهاة. هذا و ياخذ التقديم الذي خصه به البروفسور امحمد بنعبود، وهو عمدة في تاريخ حضارة الغرب الاسلامي، بعدوتيه المغرب و الأندلس، الكتاب الى مصاف المراجع الجادة، التي يمكن الاعتماد عليها في اغناء خزانة الموسيقى الأندلسية المغربية. يعرف الكاتب موسيقى الآلة :" موسيقى الآلة هي موسيقى راقية أندلسية المنشأ مغربية الموطن"، ولعله انطلاقا من هذا التعريف، نحت منهجه الدراسي لموضوع كتابه، فاتخذ من محوري النشأة في الأندلس، و طور النزوح الى المغرب ، سياقا عاما لدراسته. لكن الرحلة في العنوان تفتح لنا أفق أبعاد أخرى للدراسة، تمتح من الفكر، وتستنطق الانسان وهو يرفل في بيئة ثقافية غنية بالتنوع، يتاح له فيها الاطلاع على معارف و علوم و فنون الأمم السابقة ، و تفتح له أبواب الرحلات العلمية ، و تستقطب له وافدين محملين بأرصدتهم من الملكات الفنية و العلمية، فيغتني الفكر الانساني ، و يتبلور الانجاز الحضاري ، و هو ما يعرف عند الدارسين بالأنتروبولوجية الثقافية. يقدم الكتاب الموسيقى الأندلسية كمنتوج حضاري بامتياز، ترعرع و ازدهر في بلاطات السلاطين، وعند أهل الذوق و الثراء، تفجرت له بحور الشعر ، و اخترعت له الموشحات ، و زانته الأزجال. زخر بالحس الانساني الصرف في كل تجلياته من فرح و حبور و عشق ووصال و نفور و صد و هجران ، و لقاء روحي مع ربه ، و تماه مع الطبيعة و غيره. بهذا الاستقراء لكينونة "الانسان" من خلال الموسيقى الأندلسية ، نجد أن الكاتب أفرزله دور حجر الزاوية في الكتاب، و جعل من " الانسان" في كافة مستوياته الاجتماعية منتجا للحضارة ، حاملا لفكرة " روح العصر " كما يسميها كل من هيجل و سارتر، و ان اختلفت رؤيتيهما لدور الانسان فيها. أقام الكاتب دراسته على عدد من المصادر و المراجع العربية و الأجنبية الاسبانية منها على وجه الخصوص، لأسباب موضوعية ، تبناها المؤلف كمطلب علمي، يتأسس على الدراسة التاريخية و التحليلية، ثم الاطلاع على الآثار الموسيقية، و صيرورتها الوظيفية و البنائية ، الى أن تبلور هذا الانجاز الانساني/ الحضاري مجسدا في " الموسيقى الأندلسية"، دون أن يغفل دور البيئة الأندلسية في النشأة و التكوين ، بمكونها المحلي المرتكز على التفاعل العربي مع نصارى الأندلس و ترسبات الحضارات التي سبق لها أن استوطنت شبه الجزيرة الايبيرية، و تأثيرها الفعلي عند هؤلاء سواء في موسيقى كنائسهم أو غنائهم في أعيادهم وحفلات مناسباتهم الاجتماعية ، و هو مكون تجاهله العديد من الدارسين العرب بناء على مبررات عقدية/ سياسية ، نتيجة الأعمال الوحشية لنصارى الشمال الذين خاضوا مع المسلمين حروبا شرسة، استردوا بها المراكز التي كانت تحت الحكم العربي الاسلامي بالأندلس ، و هجروا المسلمين عنها . بالاضافة الى محور الثقافة و الروافد المشرقية الوافدة على الأندلس. مؤمنا أن التجربة التي راكمها الانسان في مجال الموسيقى، هي التي فجرت طاقته الابداعية في الأندلس ، خصوصا بعد الازدهار السياسي و الحضاري العربيين اللذين عرفتهما الأندلس، و الارث الذي على أساسه اكتمل بناء الموسيقى الأندلسية المغربية.ان البنية الفنية لهذه الموسيقى هي تجل لفلسفة التفاعل الاجتماعي بين السكان الاصليين في كل من الأندلس و بلاد المغرب. فقرة من قراءة نقدية حول الكتاب أعدته الزهرة حمودان [email protected] [Share/Bookmark]