بقلم مصطفى الغزاوي تتصاعد التحديات التي تواجهها الثورة المصرية دونما توقف، فالقوى المضادة للثورة انتقلت من مرحلة الالتفاف والتمييع والسعي للإجهاض بالقتل والاعتقالات والإعلام المزيف إلى مرحلة التشريع لتقنين الانقلاب على الثورة وتؤكد الوقائع أن التحالف الظاهر للعيان للقوى المضادة للثورة يجمع كلا من الإخوان والسلفيين والداخلية والمجلس العسكري وجماعة الرأسماليين التي تشكلت في رحم النظام السابق وتحت مظلة الفساد بالإضافة إلى الجهاز الإداري للدولة الذي تمكن مع انحرافات النظام السابق أن يحقق مكاسب تهددها أي محاولة لمواجهة الفساد، ورغم اختلاف في مقاصد كل طرف منهم عن الآخرين إلا أنهم يجتمعون على ضرورة إخراج حركة شباب الثورة من ميزان القوى شهدت الأيام الماضية مواقف كاشفة للمدى الذي وصلت إليه المواجهة مع الثورة الموقف الأول دعوة خرجت من الحكومة للمصالحة مع عناصر النظام السابق والموجودة في سجن طره، ويبلغ الأمر أن المستشار أحمد مكي وهو من مجموعة استقلال القضاء والتي كان لها مواقفها الرائعة في عام 2005 أن يعلن أن المصالحة معهم ممكنة إن اعتبروا مستثمرين!، وكأن الفساد وتزاوج الثروة مع السلطة واستغلال النفوذ انتقل من تهم سياسية وجنائية إلى علاقة مع مستثمرين كانوا يستهدفون تنمية وبدلا من حسابهم على جرائمهم، نتجاوز عن حق المجتمع والشعب والموقف الثاني مشروع بقانون تقدم به نائب من السلفيين بالمجلس للعفو السياسي عن كافة القضايا التي حدثت حتى 12 فبراير 2012، وهو ما يمكن أن يحمل في طياته رغبة في العفو عن عناصر النظام السابق وزاد على ذلك قرار صدر عن المجلسين النيابيين بالاستحواذ على 50 عضوا من أعضاء لحنة المائة لوضع الدستور يتم اختيارهم من أعضاء المجلسين، وهو أمر مناقض للأعراف، كما أن مجلس الشعب معروض أمره على المحكمة الدستورية بعد حكم من المحكمة الإدارية العليا بعدم شرعية مرشحي الأحزاب على القوائم الفردية، مما يهدد شرعية لجنة المائة ذاتها إن قضي بعدم دستورية قانون انتخاب المجلس ومناخ التحدي في ذروته هذه جمعتني حوارات مع عناصر من الشباب تكررت منفصلة، غير أن المشتركات في الرؤية كانت تفصح عن أن هذا الجيل يملك وعيه الخاص ويقينه الذاتي بمصر والشعب والثورة ومعني الشهادة وان حق الشهداء هو تحقيق ما أرادوه، وتمثل ذلك فيما يلي : 1) أنهم يملكون تحليلا لتحالف القوى المضادة للثورة مع بعض الملاحظات حول الأدوار 2) أن زمن القائد الفرد والزعيم انتهى والآن زمن العمل المؤسسي 3) أن الثورة انتقلت من وقائع تجري على الأرض إلى يقين إرادي داخل الشباب وهو تأكيد على استمرارها 4) أن انتقال الثورة إلى يقين الشباب لا يعني الغياب عن الاحتشاد بل إن الحفاظ على الاحتشاد الواعي ضرورة لاستمرار الثورة وغاياتها 5) أن تنظيم جهد الشباب في بناء مؤسسي هو هدف المرحلة، للوصول بعد أربع سنوات إلى القدرة على التأثير على صندوق الانتخاب 6) أن القبول بالشهادة ليس ادعاء ولكنه عقيدة تجمعهم 7) أن الديمقراطية ليست مجرد صندوق، ولكن يجب توفير الخبر والوعي أولا للشعب 8) أن السعي لتحقيق هدف التغيير قد بدأ ولن يتوقف إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية 9) أن انتخابات الرئاسية القادمة أمر لا يجب تركه للصدفة، بل يجب التأثير إيجابيا بها وبمواقف محددة وتحمل مسئولياتها هذه خلاصات لما تكرر في الأحاديث مع الشباب، ومن علاقات مختلفة ودون لقاء بينهم، الأمر الذي يبعث على الثقة بهذا الجيل ومنهج تقكيره ووسط هذا كله تبدو مهام عديدة ملحة قبل وضع الدستور غائبة دون الاقتراب الموضوعي منها، كالعلاقة بين الدولة والمؤسسة العسكرية، والنظام الاقتصادي، التنمية والعدالة الاجتماعية، وإعادة بناء جهاز الشرطة وعلاقته بالمجتمع والإسهام في اللحظة في أي من هذه القضايا هو أمر واجب، ولأهمية العلاقة بين المؤسسة العسكرية والدولة خاصة في العالم الثالث ونحن نحاول بناء نظاما ديمقراطيا تبدوا أكثر إلحاحا، حيث المؤسسة العسكرية هي القوة الوحيدة التي تملك القوة المسلحة، والبناء التنظيمي المنضبط، مما يدعها إما أن تكون النواة الصلبة للمجتمع، أو أن تكون أداة تخريب أي محاولة لبناء نظام ديمقراطي فالعلاقة بوجه عام بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية علاقة معقدة وبالغة الأهمية خاصة في البلاد النامية التي تحدث فيها التغييرات الداخلية عادة باستخدام القوات المسلحة والتي لا يتحدد فيها أسلوب نقل السلطة بطريقة تمنع الهزات والرجات. إن إخلال التوازن في العلاقة بين القيادتين يتسبب في مخاطر كثيرة تؤثر على الأمن القومي للبلاد مما يحتم معالجة الموضوع معالجة حاسمة وحكيمة وواضحة تشير دراسات متعددة إلى أن العلاقة بين القيادة السياسية للدولة والمؤسسة العسكرية ترتبط بمدي التوازن في القوة والسلطة بينهما وتلزم الدراسات القيادة السياسية بضرورة إدراك الكفاءة المهنية واستقلالية المؤسسة العسكرية وأن تدرك (القيادة السياسية) ضرورة الإقلال من تدخلها في الشؤون العسكرية وعدم وجود نظام جيد للمؤسسة العسكرية والتزامها بالانضباط، يؤدي إلى هدم الدولة وتخريبها والمبدأ الأساسي للعلاقة بينهما هو عدم الغموض أو اللبس في أن وضع السيطرة المطلقة على القرار بيد القيادة السياسيه لذلك يكون سؤال كيف نبني نظاما للعلاقة على أساس المسؤولية المشتركة سؤالا عادلا، خاصة أن هناك مهمة داخلية يراها الخبراء في العالم هي الدفاع عن النظام السياسي القائم ويبقي السؤال: ما إذا كانت ستتدخل؟ ومتى وكيف؟ مكملا لمنظومة العلاقة بينهما ويعرض الباحثون لمنظومة قرارات مركزية لإدارة المؤسسة العسكرية علي النحو التالي : قرارات استراتيجية تتعلق بحدود الدفاع ووسائله قرارات مؤسسية وتتعلق بالإمكانات الدفاعية وتحديد المسؤوليات الداخلية بالمؤسسة قرارات اجتماعية تتعلق بالعلاقة بين القوات المسلحة والمجتمع وقرارات عملياتية وهي تختص بتشكيلات القوات وانتشارها ويقول الجنرال كلاوزفتز، إن الحرب عبارة عن تطور السياسة المنتقاة من قبل بلد ما، يقرر اللجوء إليها عندما تعجز السياسة عن تحقيق الهدف الذي رسمه لنفسه. وكل حرب ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار السياسة التي كانت سبباً لها، كما ينبغي أن تتلاءم قيادتها وإدارتها مع السياسة التي يفترض أن تخدمها. ومعنى هذا أن السياسة هي التي تحدد أساسا إنشاء خطة الحرب التي تنبع منها إدارة العمليات. ويلح كلاوزفتز، علي انه لا ينبغي لإدارة الحرب في أي لحظة من اللحظات أن تصبح غريبة عن السياسة التي من الواجب أن تتطابق معها، إلا أن هذا لا ينبغي أن ينسينا أن إدارة العمليات تبقي مسؤولية من مسؤوليات المجال العسكري، وأن أي تدخل للسياسة علي هذا المستوي يشكل خطيئة حقيقية في المحاكمة والتفكير، وقد يؤدي إلى نتائج أليمة وهو يرى أن علي الحكومة أن تحدد خطة الحرب، كجهاز سياسي أعلى. وعلى القائد العام أن يعطي رأيه كي يكون الحكام على اطلاع بالنتائج العسكرية لقراراتهم، سوى أن دوره في هذا المستوى يبقي دوراً استشارياً. وعلى العكس ينبغي ألا يشاركه في سلطته أحد عندما يتعلق الموضوع بتحديد العمليات التي ينبغي الشروع بها، والخطة التي تدخل هذه العمليات ضمن إطارها. ومن هنا يستنتج أن على القائد العام أن يكون مزوداً بثقافة سياسية كافية ويقول أمين هويدي في كتاب "في السياسة والأمن " الأمن القومي، وهو عبارة عن الإجراءات الشاملة التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية من مسؤولية القيادة السياسية ومجاله الاستراتيجية العليا أو العظمي Grand Strategy ويصبح الأمن العسكري جزءا من الأمن القومي وهو من مسؤولية القيادة العسكرية وبنوجيه وتحت إشراف القيادة السياسية ومجاله الاستراتيجي إدارة المعارك لتحقيق الغرض من الحرب أو هي فن القيادة العسكرية أو باختصار فالقيادة العسكرية هي إحدى الوسائل الميسرة لدى القيادة السياسية لتحقيق أهداف الدولة تأتمر بأوامرها وتنفذ المهام التي تكلف بالقيام بها وفي حدود ذلك تحدد العلاقة بين القيادتين في الآتي • إعلان الحرب وانتهاؤها وإيقاف القتال أو استئنافه من أعمال القيادة السياسية • للقيادة السياسية الحق في تحديد أغراض ذات أهميه استراتيجية خاصة ومن الواجب علي القيادة العسكرية وضع ذلك في الاعتبار عند وضع الخطط وتوزيع القوات المشكلة بها في العمليات إذ قد ترى القيادة السياسية في ذلك فائدة سياسية أو يمكن اعتبارها ورقة رابحة في أي مفاوضات تالية • للقيادة السياسية حق التعيين والعزل للقيادة العسكرية وهذا أمر طبيعي في كل وقت ومكان.لأن القيادة العسكرية إذا حاولت تغيير القيادة السياسية فإن هذا يعتبر خيانة عظمي في حالة فشل المحاولة وقد يعتبر ثورة أو انقلابا في حالة نجاح المحاولة • للقيادة العسكرية أن تعترض علي كل المهام التي تكلف بها، او على بعضها. فإذا أصرت القيادة السياسية علي المهمة مع استمرار عدم اقتناع القيادة العسكرية عليها أي علي القيادة العسكرية أن تترك موقعها لمن يقبل تنفيذ المهمة. ولكن إذا قبلت القيادة العسكرية القيام بالمهمة فإنها تصبح مسئولة عن نتائجها • وزير الحربية مسؤول مسؤولية كاملة عما يجري في القوات المسلحة وهو ممثل للقيادة السياسية في قمة الجهاز العسكري وعليه أن يقود جهازه ولا يسمح بحدوث العكس. ولذلك فان الجمع بين منصبي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة إجراء خاطئ وشاذ إذ يسقط رقابة الدولة الواجبة على وحداتها العسكرية ويجعل وزير الحربية ذو القبعتين دون رقابة على أعماله في واقع الحال، والجمع بين المنصبين فيه خطورة أكيدة من "خروج" المؤسسة العسكرية عن إطارها المفروض أن تعمل فيه • القيادة العسكرية خاضعة لرقابة الدولة من خلال مناقشة سياستها في المجالس المتخصصة أو في مجلس الوزراء وفي المجالس النيابية بل وفي الصحافة. كما يجب أن تخضع مصروفاتها لرقابة الأجهزة المختصة في الدولة شأنها في ذلك شأن الأجهزة الأخرى بغض النظر عن السرية حتى تتأكد الدولة من الإنفاق السليم الصحيح للموارد المتاحة، مع تفرغ القوات المسلحة لواجباتها دون أن يناط بها واجبات أخرى • توفر القيادة السياسية المناخ السياسي الملائم لعمل قواتها المسلحة كما توفر لها الإمكانات المالية اللازمة لتوفير المعدات الملائمة وعليه ألا تتدخل في كيفية قيام القوات المسلحة بتنفيذ المهام الملقاة علي عاتقها ولكن لا يمنع هذا من إبداء النصح وإعطاء المشورة • تتم التعيينات في المناصب العسكرية الكبرى بتصديق وموافقة القيادة السياسية إذ يتوقف الأمن القومي للبلاد علي حسن اختيار هؤلاء الأفراد. هذه محاولة أولية للاقتراب من فرائض غائبة، وملحه لعل حوارا موضوعيا ينشأ من حولها بين كافة المتخصصين، فالدستور ليس مجرد خطب أو تعبير عن صراع بل هو عقد اجتماعي متكامل، والحديث عن الثورة ليس مجرد مشاركة في الصراع، فالحاجة إلى لبنات للبناء باتت ضرورة ملحة .