بقلم : رانيا مسعود القاهرة - 23 -2-2012 الساعة الواحدة وسبع وخمسون دقيقة ظهرًا رأيتُ فيما أرى النساء في القرى يركبن صباحًا البِغالَ والحميرَ ويذهبنَ إلى الحقل إما لمساعدة آبائهن أو لمعاونة أزواجهن. و منظر الفلاحة أو الصعيدية وهي تركبُ الحمار وتهبطُ من فوقه لتقومَ بأعمالها العادية لم يلفت النظرَ إليها بحيثُ قالوا لها: كيف تركبين حمارًا وأنتِ في هذه السن؟ أو مثلًا قالوا لها: كيف تركبين حمارًا فالحمارُ للرجال فقط من دون النساء؟ وعليه فقد سرحتُ في الماضي أيامَ النساء الأوائل حينما امتطين الجواد وبارزن في ساحات الحروب وكنَّ يؤدين أدوارهن باقتدار، ولم يستنكر عليهنَّ الرجال هذا. ثم قررتُ أن أفعلها، ولِمَ لا؟ فالزمان غير الزمان، لكنَّ الفلاحة ما عادت تمكثُ في المنزل ولا تذهب إلى حقلها (بالصندوق الذي يسير على أربع كاوتشات). اشتريتها بالفعل وقررتُ أن أنزلَ بها. لم أحصل على ثمنها من أبي، ولا من أمي؛ فأنا أُدركُ كم ربياني على ألَّا أجورَ عليهما في كبرهما وأكلفهما ما لا طاقةَ لهما بسداده، حتى ولو كانا يستطيعان الوفاء به. في البداية سمعتُ انتقادات كثيرة، وحتى الآن لم تتوقف الانتقادات، فمن الصعب على من ركب سيارة بمبلغ يكفي لإنشاء مصنع صغير أو للتجارة البسيطة أن يركب دراجة يرى أنها أقل بكثير من وجاهته الاجتماعية التي يتشرنق فيها ويدفع من أجلها الآلاف. لقد باتَ المصريون في انتفاخٍ على غيرِ العادة من مقتنياتٍ تكلفهم ما لا طاقة لأنفسهم بها، وظلوا حتى الآن يتباهون بما ليسَ لهم. فمن العيب أن يركب الشيخ في المسجد دراجة، فهي إهانةٌ لمكانته، بينما يركب السيارة التي يقودها له آخرون أو يقودها بنفسه، في حين لا يكشف زجاجها القاتم اللون مناظر الباعة الجائلين، والمتسولين، والمشردين في الشوارع؛ ولا تشم أنفه رائحة البخور الجميلة التي تتسول بها امرأة ليس لها عائل، ولا تشم أنفه كذلك رائحة القمامة التي تملأ الشوارع والميادين المزدحمة، فقد صنعت له سيارته الفارهة جوًّا من الدعة والراحة والبهاء والجمال ما أعمت بهِ قلبه عن رؤية المساكين والبسطاء ومخالطتهم، بل ومن فرط العمى إنه يُطالبهم أن يتبرعوا من مالهم لإنقاذ البلاد. هذا عن الشيخ، فكيف بالداعي إلى الحرية والتقدم والمحافظة على أخلاق الشارع وسلوكه القويم بحكم ما يدعي من مبادئ قويمة تربى عليها في البيئة المنفتحة؟ إننا هنا في مصر، أي أن هذا المدعي كغيره يدرك تمامًا حجم البطالة والمعاناة والفقر الذي يصيبُ أبناء بلاده، لكن بقاءه قويًّا وسط الضعفاء يُزيده قوةً على قوته، فلا يحتاج إلى تطبيق ما يدعو إليه. هو السيدُ ولا منازع، وهو القائل والواعظ والحكيم، وعلى الجميع الإصغاء، والإنصات ولا حاجةَ له من كلامه. وأعودُ إلى دراجتي الصغيرة، فأنا أهيم فخرًا وإعجابًا بها رغم ما قد يقوله بعضُ المغرضين، فأنا لا أرى مبررًا لبلدٍ نصف سكانها من الفقراء أن تمتلئ عن آخرها بسيارات قد تعمر أثمانها بيوت فقرائها. أما عن الشيخ مريض العينين فلا أراهُ من المحسنين حين يركب سيارة وغيره من الفقراء يسرق ليطعم أهله ويُزج به في السجن. وهنا يحضرني موقف السيدة التي ادخرت من مالها لتأكل حلوى اشتهتها وعندما أتمت ثمنها تصدقت به للفقراء لأنها تريدُ متعةَ الآخرة التي هي أبقى من طعم حلوى الدنيا. وعن الواعظ أقول: إذا أتعبتَ نفسكَ وطبقت وعظك عليها فلسوف تعيش آمنًا بكلماتك وحامدًا شاكرًا لنعمائه عليك، وحسن تربيتك وتعليمك. وإلى كل مَن يرميني بكلامٍ جارح وأنا في طريقي لأداء خدمة أو عمل مهم استلزم خروجي وركوبي للدراجة أقول: لقد أتعبتَ لسانك وتفكيرك لتُخرج كلمةً تقذفُ بكَ في قاع جهنم، في حين وقفتَ تنتظر مجيء الحافلة أو ما يُقلك إلى منزلك، بينما ذهبتُ لأقضي حاجة وعدتُ منها، ومازِلْتَ أنتَ تقف في مكانك. أما عن هذا الذي يضايقني بسيارته، فأقول: لقد نسيتَ نفسك حين ضيقت عليَّ المرور، وظننتَ أن سيرك في المنطقة الضيقة من الشارع، التي تستوعب دراجتي بالكاد، ربما يفوت عليَّ فرصة المرور ويُزيدها لك. وأتمنى من الله أن يوفِّق كل راكبي السيارات إلى وقتٍ لا يضيعُ في انتظار الوقود أو في انتظار الإشارة.