بقلم د. رفيق حاج الانطباع الاولي هو الخطوة الاولى في رحلتنا "لتسويق انفسنا, لكن الصورة النهائية التي يكوّنها الآخرون عنّا تتعلّق بمجمل الانطباعات التي نترُكها خلال اللقاء الثاني والثالث والعاشر..واذا لم ننجح بالحفاظ على منهجية معينة بتصرفاتنا وسلوكياتنا فسرعان ما "ينفضح امرنا" ونخسر ما عملنا جاهدين للحصول عليه الانطباع الاولي هو الصورة الاوليه التي نحفظها في اذهاننا حول شخصٍ ما بعدما التقينا به لاول مره. قد يكون هذا اللقاء بغرض التعارف, او بخصوص القبول للعمل, او لقاء عاطفي (بلاينديت) او لقاء لابرام صفقه او اي لقاء عادي يحصل في المناسبات الاجتماعيه الكثيرة التي نشارك بها. تثبت الابحاث بأن للانطباع الاولي الاثر الاكبر على الانطباع العام والشامل الذي نكوّنه لاحقا على الشخص الذي التقينا به. بعبارة اخرى, ان تقييمنا للشخص الذي نقابله او المكان الذي نزوره او الحدث الذي نشارك به يعتمد على الانطباع الاولي الذي اتخذناه في الدقائق الاولى من اللقاء, وهنالك من يقول في العشرالثواني الاولى. وتثبت التجارب ايضا ان اغلبية الناس التي اخذت موقفا معينا تجاه آخرين عقب الانطباع الاول لم تستطِع تغييره في وقت لاحق مهما جرت من محاولات لتغيير ذلك الانطباع ومهما قُدّمت لها من ادلة وبراهين مُعاكسة. على ما يبدو انه بعد ان أخذنا موقفا من الانطباع الاول نحاول تعزيزه ودعمه ويصعب علينا بعد ذلك التنازل عنه, بل نروح نبحث باصرار عن ادلة اخرى لنؤكّد لانفسنا باننا اتخذنا الانطباع الصائب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, اذا كانت اهمية الانطباع الاولي بالغة الى ذلك الحد فلماذا لا نعمل لتحسين فرصه عندما نلتقي لاول مرة بمن يهمّنا امرهم؟او بمن نحن بحاجة للحصول على موافقتهم وتاييدهم؟ قد يجيب البعض على هذا السؤال بأنه لا حاجة للقيام بذلك لانه في نهاية الامر ستكتشف الناس حقيقتنا وتُزيل "القناع" الذي وضعناه على وجوهنا, ولذا فلا حاجة لصرف اي جهد في تحسين الانطباع الاول. المشكله هي انه لا توجد فرصة ثانية للانطباع الاولي, ولكي نغيّر الانطباع الاولي فنحن بحاجة الى بذل جهد يعادل عشرة اضعاف الجهد الذي كان علينا ان نبذله في اللقاء الاوّل, وخاصة اذا كان موقف الطرف الآخر او قراره يهمّنا, كأن نُقبل الى وظيفة َحلِمنا بها منذ سنين او عريس تطابقت مزاياه مع اوصاف فارس احلامنا او الفوز بصفقة رابحة بامكانها ان تدر علينا دخلاً عظيما. هل يُعقل ان نأتي الى لقاء قبول للعمل متأخرين؟ او نجيب على محادثة هاتفية خلال المقابلة؟ او ان نبدي عدم رغبة في مباشرة العمل؟ او ان نُدلي بعبارات امام مشغّلينا باننا اخترنا هذه الوظيفة لعدم توفّر غيرها او لانها الوظيفة الوحيده القريبة من مكان سكنانا؟ هل يُعقل ان نقوم خلال مقابلتنا الاولى لشاب ابدينا اعجابنا به وطمحنا بعلاقة عاطفية معه بارسال رسائل صوتيه SMS للاخرين في حضرته او البوح له بقصص حب خائبة كانت لنا مع آخرين او القيام بالغزل المبطّن مع نادل المطعم امامه؟ وهل يُعقل ان نذهب لاقناع رجل اعمال كبير بابرام صفقة معنا دون ان نهيّء انفسنا لهذه المهمة ونبدي الماما بتفاصيل الصفقه؟ اذا كانت الاجابة على هذه الاسئلة بالنفي, فبامكاننا مواصلة مسيرتنا من حيث توقفنا ولا حاجه لاشغال انفسنا برأي الآخرين بنا وليستاء من يستاء وليرضى من يرضى, لكن اذا كانت الاجابة ايجابيه علينا ان نعمل جاهدين لتحسين فرصنا في ترك الانطباع الاولي الافضل لِيسهُل لنا من بعدها التقدم نحو الهدف المرجو. ان الاهتمام بترك انطباع اولي جيد لدى الآخرين لا يعني بالمرة ان نتظاهر بما نحن بعيدون عنه, او ننقل صورة مزيّفة حولنا للطرف الآخر او نتقمّص شخصية اخرى بغرض نيل اعجاب الآخرين, او ان نخرج من طورنا لاثبات قدراتنا واظهار "مفاتننا", وانما علينا تجنّب ابراز امور قد يفسّرها الطرف الآخر بشكل مخطوء فيعود ذلك علينا بالضرر او الخسارة او تفويت الفرصة. ينبغي الاّ ننسى بأن الانطباع الاولي غير كاف لوحده ليتسنى لللآخرين بلورة فكرة ايجابية متكاملة حولنا. الانطباع الاولي الايجابي هو تأشيرة دخول فقط الى فضاء الاختيارات الواقفة امام الشخص الذي نلتقي به, وعلينا ان نثبت لاحقا اننا نملك نفس المزايا والقدرات التي اظهرناها في لقائنا الاول. الانطباع الاولي هو الخطوة الاولى في رحلة "تسويق انفسنا" لدى من نبغي الحصول على موافقتهم او تأييدهم لكن الصورة النهائية التي يبلورها الآخرون عنّا تتعلّق بمجمل الانطباعات التي نتركها خلال اللقاء الثاني والثالث والعاشر..واذا لم ننجح بالحفاظ على منهجية معينة بتصرفاتنا وسلوكياتنا فسرعان ما "ينفضح" امرنا ونخسر ما عملنا جاهدين للحصول عليه, فقد ننجح في الحصول على الوظيفة المرموقة لكن سرعان ما يتبين لمشغّلينا بأن قدراتنا الادارية او القيادية اقل بكثير من تلك التي ابرزناها في مقابلة القبول للعمل, وأنّ الفتاة التي قابلناها لاول مرة وطِرنا فرحا من حسنها وجمالها وتألقها ودماثة خلقها ليست تلك الفتاة التي قابلناها في المرة الثانية او الثالثة..لذا فالانطباع الاولي لم ولن يكون بديلا للانطباع العام. واذا تطرّقنا للامر من الجانب الآخر, علينا ان نولي الانطباع الاول قيمة محدودة وليست مطلقه, وان نراعي الا نكون مجحفين او متسرعين عندما نأخذ موقفا واضحا من الآخرين استنادا على الانطباع الاول, وعلينا اعطاؤهم فرص اخرى دون التمسّك والانحياز للصورة الاولية التي رسمناها. وهنا اريد ان اطلع قرائي الكرام على انطباع يسبق الانطباع الاولي وهو الانطباع الذي نكوّنه حول اشخاص لم نلتقِ بهم بالمرّه ولكننا نعرفهم لكونهم ابناء حارتنا او بلدتنا او شعبنا, وقد يكون ذلك "كافيا" لبعضنا للقيام بتقييمهم وتصنيفهم واتخاذ موقف جارف بصددهم واحيانا لا نتوانى عن اتهامهم بشتى التهم الوهمية دون ان نكون قد التقينا بهم ولو لمرة واحده. فهذا ننعته بالتكبّر وذلك بالفساد وآخر بالعمالة وآخر بالعنف دون ان يسبق ذلك اي احتكاك او تعارف معهم. باختصار, علينا من ناحيه ان نعي جيدا اهمية الانطباع الاولي الذي نتركه على موقف الناس تجاهنا والقرارات التي يأخذونها بصددنا, لكن من الناحية الاخرى علينا ان نكون عادلين ومتفهّمين وان نعطي الآخرين فرص عديده قبل ان نبلور موقفا متكاملا حولهم من لقاء واحد!