لا شك أننا نشعر بالفخر عندما نتحدث عن أنفسنا فى كثير من المناسبات بأننا أصحاب حضارة السبعة آلاف عام. بالطبع لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، ولكن علينا أن نجيب بكل صدق وشجاعة عن السؤال الآتى: إلى أى مدى تعكس سلوكياتنا فى المرحلة الحالية انتماءنا إلى تلك الحضارة العظيمة.؟ والإجابة عن هذا السؤال سوف تأخذنا إلى مشاعر أخرى بالطبع لن تكون الفخر فى هذه المرة. فإذا كانت الحضارة هى ثمرة أى مجهود يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته على وجه الأرض ماديًّا أو معنويًّا. إذن فمقياس الحضارة لا يقتصر فقط على المنجزات المادية، بل يتقدم عليها جوانب السلوك ورقى التفاعل بين الناس وشيوع روح التعاون والمحبة والاحترام المتبادل ومراعاة حرية الآخر والبعد عن الأنانية والتحايل...إلخ. هذه هى أهم علامات الحضارة ، فأين نحن الآن من كل ذلك، وما معنى كل هذا التعصب والعنف الذى يطفو على سطح المجتمع، وما معنى أن يصل الأمر أياً كانت الأسباب، إلى قتل العشرات وإصابة المئات فى مباراة رياضية والتى من المفترض أن تكون مجالاً للتسرية عن النفس وتبادل عبارات التهنئة بين الفريقين المتنافسين وأنصارهما، ليتحول هذا الملتقى الرياضى إلى مشهد مأساوى يعكس واقعًا مفزعا فرضه التعصب الأعمى والعنف الذى يحول دون الفكر المستنير والسلوك المتحضر. كما أنه ليس من المعقول أن الشعب الذى قام بثورة عظيمة كانت محل اهتمام العالم بأسره أن يسمح بأية سلوكيات من شأنها تشويه تلك الصورة الناصعة التى رسمها لنفسه فى عقل ووجدان الشرق والغرب، لذا فنحن بلا شك بحاجة ماسة إلى وقفة مع النفس نحاول فيها أن نستعيد توازننا وأن نبرأ من الآفات التى تسربت إلى نفوسنا وأن ندعم أواصر المشاركة الوجدانية الصادقة وأن ننمى النزعة الإيجابية حيال جميع شئون حياتنا، وأن نثق فى أن القوة الحقيقية للفرد تنبع من قوة المجتمع بأكمله، وأن نعلم أنه لا مفر من خيار النهضة المعنوية إذا أردنا أن نكون حقًّا شعبًا متحضرًا، ولتكن ثورة أخرى على كل أشكال العنف الذى لا يتوقف عن حصد الأرواح والنيل من أمن المواطنين وإشاعة الفزع بينهم. ولعل هذه المرحلة الفاصلة فى تاريخ مصر تجعل الجميع بلا استثناء أمام مسئولية تاريخية للعبور بهذا الوطن إلى بر الأمان.