بقلم : محمد مصطفى الهلالي ..لم يعد يلتف صوب بيتها .يكرهها .يتناسى جاهدا آثار جروحه .يوهم قدمه انلامكان يدله عليها فيسير مسرعا متجاوزا عتباتها .علي أطراف مدينته مكان للخلوة .النهر وشجر الصفصاف .يجلس ملقيا رأسه إلي كتفه شاردايري مسيرته يشكو لنفسه هذا الخوف .لماذا يرتعد كلما مر ببيتها .يحس أن عينها بقميصه الأزرق ملتصقة. يدفع يده لفض تعلقها به ويضحك لو انتبه انه كرر الفعلة عشرات المرات . ..عندما التحق بكلية دار العلوم كانت فرحه أبوه عارمة .وكان حزنه باديا للجميع لايحبها .كانت اللوحات الزيتية وفرشاه الألوان ملقاة علي ارض حجرته دوما. توهيه أمه بقايا الطعام دوما.كان نفورها باديا من غبار حجرته وبقايا أدواته ولوحاته الخشبية وقماشها وتهتم به أخته الطبيبة كثيرا. كان ملمح بؤسه باديا مع ثراء أهله لكنه لم يعد يهتم بتصفيف شعره او حلاقته .يوفر مبلغ المال الذي منحه له أبوه للحلاقة ويدسه بيد بائع السجائر الفرط ممسكا بالثماني سجائر ملفوفة بورقه باهته .يذهب الي عتلم صديقه .. احلق لي ياض ...فيجهز صبغه الاحذيه ومشط قديم ومقص تالف ويظل ينحت في شعره إلي أن يصل الأصدقاء ليشاهد الجمع حسام وهو يضحك . نشاز التجربة وسمر الليلة يستمر حتى أخر ضربه مقص. ينهمك أثناء الحلاقة في إلقاء النكات الساخنة ضاحكا ومقهقها بهستيريه .وهو يمتص رحيق السجائر منتشيا بالنصر علي الكأبه التي تحيط ببيوت أصدقاءه. ..تطارده في أحلامه بوجهها اليابس ويشفق علي زوجها من غلظتها .كان يكره ويحب وتمتزج كراهية مايفعل في فرشاته الجافة..يري وجهها العابس مطلا من شباك يواجه حجرته, يلحظ أنها تراقبه فبصب عليها غضب فرشاته وألوانه .تبدو بوجه غراب في كل لوحاته .عندما رأيت لوحه مبهجه الألوان بحجرته. نظرت مليا لعلبه الدواء ذات الحبوب المقسمة أرباع بشكل الصليب.بلونها البرتقالي فعلمت انه بدأ يتناول علاجه بانتظام. رسم وجهي وأنا امسك الشيشة .مازلت احتفظ بها وصفحات من أشعاره بخط يده قليلا من ذكريات هو مابقي .ابتهج عائدا لمنزله بعد ان تزين للذهاب للجامعة عندما أخبرته مازحا ان اليوم أجازه عيدا لفلاح.وعندما تقابلنا ليلا ظل ممسكا بقميصي وهو يضحك .حرام عليك كان عندي امتحان لم أكن اعلم ان فكاهة ستغير مجري اليوم . في المستشفي كنا نجلس جميعا صامتين كل من أبهجهم يبكون فراقه أختفي أيام وعندما خرج من منزله توجه الي الرياح التوفيقي ليجلس صامتا زهاء ساعة وأكثر .ثم يقف ويرتد للخلف يندفع للنهر . ملقيا جسده المتهالك الي مياه النهر التي لاتقوي علي حمل همومه فيغوص بعيدا.. التف جمهور كثير جول المكان تباطأ الغواصون وهم يبحثون عن جثته . صعد جسده طافيا خاليا من كل الهموم ...