بقلم مصطفى سعيد ياقوت أولا و قبل أى شئ, أحب أن أؤكد على أن مصر دوله إسلامية الهويه دينها الاسلام و هوية مصر ليست بحاجه لتعريفها أو الخروج فى مليونيات للتأكيد عليها فالبلد التى لم تعرف طعم الاستقلال إلا فى السبعينات من القرن الماضى لم تبدل فى يوم هويتها أو تتخلى عن تعاليم دينها و لغة قرآنها بالرغم من القوى الاستعماريه التى مرت عليها و لنا فى دول المغرب العربى عبره فمصرنا و الحمد لله لديها القدره على هضم جميع الثقافات جيدا و لا تأخذ منها الا ما يتناسب معها. إذن فهوية مصر ليست فى حاجه إلى مزايدات لن تقدم و لن تؤخر لأن الذى يتحدث عن العبث بهوية مصر يجب أن يتحدث عن ما إذا كان مسلمى مصر سيغيرون دينهم إلى دين آخر فتتبدل الهويه تماما أو أنهم سيبدلون القيم المجتمعيه و الغرس الاسلامى الذى تعلموه و تشربوه طوال العقود الماضيه. لذا فنحن أمام جبل الهويه الراسخ الشامخ و ليست مجرد كثبان رمليه. نأتى بعد ذلك للجدال حول اقامة الدوله الدينيه أو الاسلاميه.فإذا بدأنا بتعريف الدوله الدينيه سنجد أن هذه الدوله لم يكن لها وجود إلا فى القرون الوسطى فى أوروبا حيث الولاء للكنيسه والسلطه التى تكاد تكون مطلقه لرجال الدين . إذا فمسمى الدوله الدينيه (حسب تعريفها) مرفوض من الاسلاميين قبل العلمانيين لأننا كلنا لن نرتضى أن يحكم مصر رجل دين هو بالفعل متفقه فى العلوم الشرعيه و لكنه يفتقر بالتأكيد للخبره السياسيه التى تتطلبها إدارة بلد مثل مصر فرجل الدين من الممكن أن يكون الرجل الثانى أو الثالث أو حتى ضمن مجموعة مستشارين للرئيس و لكنه لن يقبل أن يكون على رأس الحكم . و هنا أحب أن أؤكد أن الدين الاسلامى لا يعرف الكهنوتيه فكلنا كمسلمين يجب أن نكون رجال دين لكن يمن الله على بعضنا فيفقهه فى الدين لذلك أنا أتمنى شخصيا أن يكون رئيس الدوله سياسي متفقه فى الدين و ليس رجل دين يعمل بالعمل السياسى و هنا تحضرنى مقولة الشيخ الشعراوى ( أتمنى أن يصل الدين لأهل السياسه لا أن تصل السياسه إلى أهل الدين). أما الدوله الاسلاميه فهى التى يتم الحكم فيها بالشريعه الاسلاميه بما تتضمن من تنظيم للمعاملات الاقتصاديه و الاجتماعيه و ما إلى ذلك من مبادئ الشريعه الاسلاميه التى تشمل كافة مناحى الحياه. و هنا يرى أنصار الدوله الاسلاميه أن الشريعة تركت للعقل الإنساني مساحات واسعة للاجتهاد "أنتم أعلم بأمور دنياكم" ومنها "منطقة العفو"، أخذاً بالحديث النبوي "ما أحل الله، فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفو " بالاضافه الى آراء العلماء بأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، كما أن الله أودع فى شريعته عنصرى الثبات والخلود، وعنصر المرونة والتطور معاً. الإشكاليه هنا أن الدوله الاسلاميه التى يطالب بها الاسلاميين لا تعترف بغير الاسلاميين أنفسهم و لا ترى أى وجود لفئات أخرى تختلف معهم فى العقيده أو الفكر مثل المسيحيين أو الليبراليين أو الاشتراكيين و لا حتى الصوفيين فمن هذه الفئات من يكفره الاسلاميين و منهم من يأخذون عليهم مآخذ كثيره مثل الصوفيه و طرقها و منهم من يعتبرونه مرتد و يجب أن يقتل مثل البهائيين الذين كانوا مسلمين فى الأصل. لكن نحن الآن فى بلد بها مسلمين بتيارات مختلفه و فيها مسيحيين و تيارات فكريه و عقائديه كثيره جدا مثل الليبراليين و العلمانيين و الاشتراكيين و كل هؤلاء مصريين ولدوا على أرض مصر و لم يعرفوا غيرها و بعد الثوره أصبحت مصر مثل التورته التى يريد أن يسيطر عليها الاسلاميين تاره و العلمانيين تاره بالاضافه الى المسيحيين الذين لا يعرفون لهم بلدا غير مصر. هنا المعضله و هنا الجدال لأن المسلمين و المسيحيين و العلمانيين كلهم شركاء الوطن لا ينبغى أن نقصى أحدا و لا ينبغى أن نقول لأحد أنا سأقيم الدوله بطريقتى لأن الشعب معى و أنت إن أردت اذهب أينما شئت لذا أطالب الاسلاميين إن أرادوا أن يقيموا الدوله الاسلامييه على أرض مصر أن يبحثوا أولا عن وثيقه توافقيه ترضى جميع الفئات و الكيانات التى تعيش على أرض هذه البلدعلى أن تشمل هذه الوثيقه ضمانات للآخر بتقبله كما هو دون أن نكفره أو نرفضه أو نقول له المطار يفوت جمل و كيف ستكون آلية الدوله فى كل المجالات و ما هو الاساس الذى ستتحرك على أساسه هذه الدوله و ما هى آلية الاختلاف لديهم هل هى التكفير مثلما يفعلون الآن أم ستكون آليه أخرى تضمن لكافة التيارات السياسيه المشاركه فى صنع مستقبل هذا الوطن. و فى النهايه تبقى كلمه: لدينا عقائد شتى و لكن لدينا وطن واحد فلتكن لك عقيدتك و ليكن الوطن لنا جميعا.