بقلم د. عادل عامر شهدت مصر خلالالفترة الماضية وجود ترسانة من التشريعات الاقتصادية التي تشجع علي مساهمة القطاعالخاص، ومساهمته في النشاطين الاقتصادي والتنموي، ولكن المردود من هذه الإصلاحاتكان ضعيفًا، وينبغي أن تركز سياسات الاستثمار مستقبلا علي قطاعي الصناعة والزراعة،واستعادة ما فقدته هذه القطاعات خلال الفترة الماضية، وأن تكون مشاركة القطاعالخاص قائمة علي أسس صحيحة. كما افتقدت مصر سياسة صحيحة تجاه الاستثمار الأجنبيالمباشر، فلم تكن هناك أجندة وطنية، تحدد احتياجاتها ودور هذا الاستثمار، فتوجهمعظمه نحو قطاع البترول والاستحواذ علي الشركات الوطنية، وكذلك نشاطي العقاراتوالسياحة. العوامل المؤثرة على تسيير الموارد البشرية العاقلون في هذا الوطن يعرفونجيدا أن تغيير السياسات أهم من تغيير الأشخاص،ولا حديث للرأي العام في مصر خلالهذه الأيام إلا عن تغيير السياسات التي دمرت حياة المصريين وجعلت حياتهم غيرآدمية، ان كوارث السياسات السابقة حتى نستطيع معالجتها وعدم تكرارها. علي المستويالاقتصادي تسببت سياسات الحكومات السابقة في عجز الموازنة العامة الذي بلغ حدود9%، والدين العام الذي وصل إلي أكثر من تسعمائة مليار جنيه مصري في شقه المحلي،ونحو 32 مليار دولار في شقه الخارجي،وكبدت هذه الديون الموازنة العامة للدولة نحو173 مليار جنيه، عبارة عن أقساط وفوائد، وهو مبلغ ضخم، يفوق مخصصات التعليموالصحة، كما يبلغ قرابة ضعف مخصصات الأجور التي تقترب من تسعين مليار جنيه. وتأتيالبطالة لتمثل واحدة من كوارث الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسبالمنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10% و15%، ويرجع الجزء الأكبر منها لنظامالتعليم الذي لا تربطه بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنهمطالب بما بين سبعمائة ألف و750 ألف وظيفة سنويا. وخلال الفترة السابقة وعن طريقالسياسات التي يجب تغييرها أيضا تم وضع القانون جانبا في حياة المصريين خلال عهدمبارك ووجدت الآلاف من الأحكام القضائية التي لا يستطيع أصحابها تنفيذها للحصولعلي حقوقهم، مما أوجد نوعا من فقدان الثقة في النشاط الاقتصادي ومجتمع الأعمال. وقدكانت حكومات مبارك النبراس الذي اهتدي به الفاسدون لتنحية القانون وعدم تنفيذالأحكام القضائية، وأصبحت هناك قوانين أخري غير مدونة في منظومة القانون المصري،ولكنها تحكم النشاط الاقتصادي، من خلال العلاقات بين رجال الأعمال والسلطة،ومن هنالابد أن تكون هناك عملية فصل حقيقية بين السلطات، وعدم وجود أي تأثير سلبي عليالسلطتين التشريعية والقضائية، حتى تعود الثقة إلي الحياة الاقتصادية والاجتماعية ،والمطلوب بعد ثورة يناير أن تأتي هذه الاستثمارات وفق احتياجات التنمية، وأن تعطيمن المزايا بقدر مساهمتها في جلب التكنولوجيا والصادرات وإتاحة فرص العمل، وعدممزاحمة للصناعة الوطنية. كما ان هناك مشكلات كبيرة في تخصيص موارد الموازنة العامةللدولة، ينبغي أن يعاد فيها النظر ليكون التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، مجالاتذات أهمية خاصة، وأن يعاد النظر في المخصصات التي كانت تنفق علي الأمن بغرض تأمينالنظام الدكتاتوري، وأن تقتصر علي ما يعد أمنا حقيقيا للوطن. وخلال الأوضاعالسياسية هذه تعرضت مصر للسرقة والنهب من حاشية مبارك ووزراء حكوماته المتعاقبة،ما كان له الأثر الكبير في التدهوريين الاقتصادي والاجتماعيبالإضافة إلي التراجع الملحوظ في مستوي التعليم وارتفاع معدلات البطالة وانتشارالجرائم. إن مصر في حاجة إلى طي مرحلةالانتقال التي امتدت سنوات طويلة وولوج عهد الديمقراطية، وفق قواعدها الجوهرية،ومقوماتها الأساسية المتعارف عليها، ومن أهمها فصل السلطة واستقلال ونزاهة السلطةالقضائية، واحترام سيادة القانون كما أودعت. دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشارحمدي ياسين نائب رئيس مجلس الدولة حيثياتها في الحكم الصادر يوم الأربعاء الماضيبإلغاء قرارات خصخصة شركات مصر شبين الكوم للغزل والنسيج وطنطا للكتان والزيوتوالنصر للمراجل البخارية وأوعية الضغط. أكدت المحكمة في حيثياتها أن الخصخصة في ذاتها ليست شرا مستطيرايجب مقاومته كما أنها ليست خيرا مطلقا يتعين أن تذلل أمامه الطرق وتفتح الأبوابعلى مصرعيها فالخصخصة إنما تعنى في مفهومها الفني قيام الدولة بتحويل ملكيةالمؤسسات العامة أو المشروعات العامة جزئيا أو كليا على القطاع الخاص وتهدفالخصخصة إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية من خلال الاعتماد على آليات السوق والمنافسةوتخفيف الأعباء المالية عن الدول التي تعانى من الخسارة الكبيرة في شركات القطاعالعام وتوسيع حجم القطاع الخاص والاعتماد عليه أكثر في عملية النمو والتنميةويتضمن التحول أيضا في أساليب العمل حيث يتم إتباع أساليب عمل جديدة تهتم فيالمقام الأول بالمنافسة وتلبية احتياجات السوق وهو ما يؤدى إلى الارتقاء بكفاءةوإنتاجية المؤسسات كما أنه يتضمن إعطاء السوق الحر والقطاع الخاص الدور الأكبر فيالمجتمع. وأضافت المحكمة أن الشر المستطير الذي يصاحب الخصخصة المدمرة لاقتصادالوطن هو الخصخصة القائمة على الإذعان لبيع القطاع العام بشروط المؤسسات الدوليةلإعطاء القروض والتسهيلات الجديدة والسماح بإعادة الجدولة لبعض الديون الخارجيةسعيا نحو تصفية القطاع العام وهى الخصخصة التي بدأت الحكومة برنامجها في مصر فيعام 1991 بإعلان جمهوري في خطاب رئيس الجمهورية السابق محمد حسنى مبارك بمناسبةالاحتفال بعيد العمال في الأول من مايو قائلا فيه " الحكومة سوف تتبنىالخصخصة كسياسة رسمية بهدف خلق اقتصاد أكثر حرية " وعلى أثر ذلك تم إنشاءمكتب قطاع الأعمال العام في عام 1992 بموجب اتفاقية بين برنامج التنمية للأممالمتحدة والحكومة المصرية للإشراف على برنامج الخصخصة ومتابعة تنفيذه والتنسيقلضمان توفير بيئة تنظيمية ملائمة للخصخصة وتسهيل عملية الرقابة ورفع التقاريرللجهات العليا في الداخل والخارج والتنسيق بين الجهود التي تبذلها الأطرافالمتعددة من جانب الحكومة والشركات التابعة لها بما فيها الشركات القابضةوالمانحين ومستشاريهم من الدول الأجنبية ومن ثم اتضحت الإرادة الأجنبية في إخضاعالسيادة المصرية لسياسات الخصخصة في تقرير أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة فيعام 1991 دعت فيه مباشرة إلى التخلي عن الملكية العامة حيث ورد بالتقرير" إنانتشار نظام ملكية الدولة في القطاع الصناعي قد وضع عبئا ثقيلا على الاقتصاد القوميوعلى ميزانية الدولة بما خلقه من مشروعات عديدة تتسم بقلة الكفاءة وتضخم العمالةبلا مبرر ومن نظام الدعم والتحكم في تفاصيل النشاط الاقتصادي بهدف حماية القطاعالعام من المنافسة الأمر الذي شجع على تبديد الموارد وشوه مسارها وخلق الحافز علىزيادة الإنتاج. وكشفت حيثيات المحكمة أن الأصول المؤممة والأصول المنوع ملكيتهاللمنفعة العامة لا يجوز تغيير أغراضها وقرارات خصخصته وبيعها باطلة وإن كلا منالتأميم ونزع الملكية للمنفعة العامة يتم بهما نقل ملكية الأموال المملوكة ملكيةخاصة إلى ملكية الدولة وفقا لما يقررها قانون التأميم أو القرار الجمهوري بنزعالملكية للمنفعة العامة وذلك بتعويض تؤديه الدولة التي ألت إليها الملكية الخاصةإلى مالكي الأرض أو المشروع وتحتفظ تلك المشروعات بشخصيتها الاعتبارية السابقةوتستمر في مباشرة نشاطها ويظل نظامها القانوني وذمتها المالية مستقلين عن شخصيةالدولة وذمتها المالية. وجاء بالحيثيات أيضا أن حالات إنهاء تخصيص المال العامللمنفعة العامة المشار إليها في المادة "88 " من القانون المدني لاتنطبق إلا على الأموال العامة المملوكة للأشخاص العامة بهذا الوصف ابتداء دون تلك التينزعت ملكيتها من الأفراد لتحقيق غرض معين لنفع ذي نفع عام والتي لا تفقد صفتهاكأموال عامة إلا بانتهاء الغرض الذي خصصت من أجله تلك الأموال للمنفعة العامةوالقول بغير ذلك يشكل انتهاكا صارخا لأحكام نزع الملكية للمنفعة العامة التي لمتقرر إلا استثناء وفى حدود معينة مما يتعين معه الاقتصار على تلك الحدود وعدممجاوزتها. وأضافت المحكمة أن العيوب التي شابت قواعد التقييم التي قررتها اللجنةالوزارية للخصخصة لتقييم هذه الشركات وغيرها مما أطلق عليها أنها الشركات الخاسرةوقليلة الربحية خالفت المادة الأخيرة من المادة 10 من قانون قطاع الأعمال التي لاتجيز التصرف بالبيع في أصل من خطوط الإنتاج الرئيسية إلا بعد موافقة الجمعيةالعامة وطبقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية. بعد أن ثبت وجودشبهات فساد في بيعها للمستثمرين وأبرزها طنطا للكتان والمراجل البخارية وغزل شبينوعمر أفندي. أن عملية الاسترداد، تمثلتصحيح لأوضاع خاطئة شابت خصخصة هذه الشركات، إلا أن نحذر من وضع الحكومة في مأزق،مع لجوء المستثمرين إلى التحكيم الدولي، بما يكيدها غرامات كبيرة نظير فسخ عقودالبيع أن استرداد الشركات بقرارات سيادية هو ما يمكن وصفه "بالردة "،وهو ما لم يحدث خلال حالات الاسترداد التي تمت سواء قبل الثورة أو بعدها. إن إلغاء برنامج الخصخصة وعدم استكماله، لا يعنيبالضرورة تأميم الشركات أو استردادها بمنطق التأميم، لكن ما نشهده حاليا هو عبارةعن إجراءات قانونية لتنفيذ أحكام، فضلا عن تحقيقات تجرى حول خصخصة عدد من الشركاتنتيجة بلاغات من العمال أو مسئولين سابقين. حصيلة البيع بلغت منذ بداية البرنامج فيالتسعينات على يد الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق 320 مليار جنيه، منإجمالي بيع 413 شركة، وفقا لأحدث تقرير تم عرضه على الدكتور على السلمي نائب رئيسالوزراء للشؤون السياسية، عقب توليه ملف قطاع الأعمال العام. بالنسبة لعملياتالتصفية، فقد ت 52 شركة، بإجمالي عدد عاملين تم تسريحهم كمؤقتين وخروج على المعاشالمبكر بلغ 1.5 مليون بقطاع الأعمال العام، ولم يتبق منهم إلا 400 ألف عامل. هناك تقريرا، تم عرضه على الدكتور علي السلميوزير قطاع الأعمال، حول ملف الخصخصة الذي تحقق فيه نيابة الأموال العامة العلياحاليا، بموجب بلاغات مقدمة إليها عن بيع 185 شركة وفندقا خلال برنامج الخصخصة،فضلا عن تشكيل لجنة فنية من مجلس الوزراء للرد علي نيابة الأموال العامة حول جميعإجراءات بيع الشركات، بالإضافة إلى تقارير الرقابة الإدارية والجهاز المركزيللمحاسبات. أن جميع عقود بيع شركات قطاعالأعمال العام منذ بداية برنامج الخصخصة في التسعينيات "محل طعن"،وتواجه العديد من الدعاوى. أن هناك عددامن العقود مازالت بين يدي خبراء وزارة العدل لمراجعتها وفحصها، في حين انتهتالرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة من تقريرها، إلا أن النيابة العامة لم تصدرأيها النهائي حتى الآن. هناك العديد منالقضايا المنظورة حاليا منها "الأهلية للورق" و "الغازاتالصناعية". أن تنشأ عن هذا الحكمآلاف المنازعات القضائية. ، إن الأحكامالتي تصدر"مسيسة "ولم تراع الآثار السلبية على الاستثمارات أن مثل هذهالأحكام تحاسب المستثمر وليس الفاسد. وتكبدالدولة أموال طائلة حال لجوء أيا من المستثمرين إلى التحكيم الدولي. ، إن الحكومةستواجه مأزقا صعبا فيما يتعلق بسداد مستحقات المستثمرين، إذا ما عادت لها تلكالشركات وأيضا مطالبتها بضخ استثمارات جديدة فيها لتطويرها ومساعدتها على النهوض،وهو ما يفوق قدرة الحكومة حاليا. : قبل أن نبدي قلقنا على مناخ الاستثمار من سحبالشركات من المستثمرين يجب أولا إعادة تقييم هؤلاء المستثمرين أنفسهم. لأن أغلبالشركات التي تم خصصتها سواء عمر أفندي أو غيره لم تشهد طفرة بعد عملية الخصخصة،بل على العكس من ذلك أوضاعها ساءت في بعض الحالات". أن من بين صيغ الإدارةالناجحة، التي يمكن للحكومة إتباعها خلال الفترة المقبلة هو إعطاء حق الإدارةللقطاع الخاص مع وجود الدولة في هيكل الملكية، بما يضمن تطوير تلك الشركات والحفاظعلى حقوق العمالة بها، فضلا عن تعاون القطاع الخاص مع الحكومة في إعادة تطوير تلكالشركات بما يخدم مصلحة الطرفين. -- الدكتور عادل عامر خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية