بقلم خالد الشرابي قامت ثورة يناير بكسر أسوار الخوف من السلطان و إزالة الأكمام من الأفواه و النداء بأعلي الأصوات للمطالبة بحقوقنا بعد أن كان الهمس حديثنا و الأبواب المغلقة تجمعنا في أحاديثنا السياسية خشية السقوط في أيد نظام مارس جبروته و طغيانه ضد شعب من المفترض أنه المالك الحقيقي لهذا الوطن . هذا إلي جانب تحقيق مبدأ الشفافية في حكم البلاد و أن الشعب يريد أن يعلم كيف تُدار مصر و الآلية التي تُحكم بها البلاد و أن إرادته أصبحت فوق إرادة الحاكم .. و لكن بعدما مرّت بنا الأيام و الشهور بعد ثورة يناير هل شعرنا بذلك بالفعل ؟ كما بدأ مشهد يناير بمجموعة من المتظاهرين أختلف عليهم الشعب ما بين مؤيد و معارض لهم و منهم من نظر إليهم بنظرة الدهشة التي ينظرون بها الي شباب الثورة و من اتهامهم بالعمالة و الخيانة و أنهم أصحاب الأجندات و أن وجودهم خراباً علي البلاد .. فالمشهد يعيد نفسه من جديد في موقف شباب الثورة الذي أطلق شرارتها من فجر 25 يناير و أيضاً أخص بالذكر شباب 6 أبريل الذي لا ينكر فضله إلا الجاحد فهذه الحركة لا يحق أن ننكر موقفها في أحداث المحلة قبل عامين من الثورة و تواصل موقفها ضد النظام في قمة جبروته حتي قامت ثورة يناير و هذا لا يعني حصر الفضل في شباب 6 أبريل فقط فالثورة قامت بشباب نبيل صفيّ النية و لكن خبرات 6 أبريل في التظاهرات السلمية و كيفية مقاومة أساليب القمع من الشرطة كانت سبباً واضحاً في صمود الشباب و استمرارهم نحو هدفهم من الثورة حتي تحقّق بنجاح باهر و استمرت هذه الحركة في نضالها من أجل إكتمال نجاح هذه الثورة و صمودها من أجل تحقيق محاكمة مبارك و نجليه في مشهد تاريخي أظهر عظمة هذه الثورة و شبابها و لابد أن نعلم أن حركة أبريل و شباب الثورة وضعوا المجلس العسكري في موقف حرج للغاية إما المحاكمة العلنية لمبارك و نجليه أو إنتقاص دور المجلس و التيقن من تواطئه مع مبارك إن لم تتحقق هذه المحاكمة التاريخية . شعرت بعد تلك الأحداث بأنني ما زلت أعيش في أيام ما قبل التنحي من تضييق الخناق علي أفراد 6 ابريل و بعض النشطاء السياسيين من فض الإعتصام في أول أيام شهر رمضان و من إخلاء تام للميدان من الثوار و من إحالة البعض منهم الي القضاء العسكري و من ثمّ الي المحاكمات العسكرية للمدنيين !! في محاولات جادة لكبح جماح هؤلاء الشباب الذي لا يخشون في الحق لومة لائم و الذين يمثلون صداعاً في رأس المجلس العسكري و الذين يهيجون الرأي العام ضد العسكري عندما يطالبون بحقوق شرعية من حق أي مواطن أن يطالب بها ! عندما أشاهد تليفزيون بلدي و أري نفس التصرفات من نفس الأفراد في هذه المؤسسة من قطع المكالمات الجريئة و الصادقة و إختيار الهاديء منها ” مكالمات الإستقرار ” و إستضافة الشخصيات الحنونة التي لا يتعارض حديثها مع منهج التليفزيون المصري فذاكرتي تعود إلي أيام النظام البائد . هذا الإعلام التي أصبحت قياداته في مأزق كبير بعد إنتصار إرادة الشعب فانضم إلي صفوف الشعب مشاركاً له إحتفاله بثورته و لكن ما زال هذا الإعلام يمارس هوايته أيضاً بالإنسحاب من ميدان الإحتفال عندما يختلط بضجيج الثوار و تتعالي أصواتهم مطالبين بحقوقهم و لِمَ لا و هي نفس القيادات و إن أُستبدلت فالمنهج واحد فيتلقي التعليمات العليا بأن يذيع و ألا يذيع و أن ينشر و ألا ينشر!! عودة أصحاب الأقلام المنافقة و التغطية الغير حيادية و الموجَّهة من التليفزيون المصري لأحداث التحرير , و تراجع بعض المثقفين و الكُتّاب عن أدائهم الهجومي و الحماسي في كتاباتهم و آرائهم في نضالهم من أجل هذا الشعب مثلما كانوا بعد أيام التنحي وتناقل المصطلحات الواهمة و التي تنتشر بسرعة الرياح حتي أصبحت دارجة بيننا من ” أجندات , عجلة الإنتاج ( المتعطلة بسبب غياب الأمن و ليس بسبب شباب التحرير ) , بلطجية , البلد مستهدفة , الحدود و إسرائيل ” و غيرها من المصطلحات التي أتفق علي وجود البعض منها و لكني لا أتفق مع فكرة تعارضها مع مطالبة الشعب بحقه و نلجأ اليها للتخيير ما بين الإستقرار و مطالبة شعب بحقه . ظهور إعلاميو الحياد و الذين ينتظرون ما ستسفر عنه الأحداث ثم يقرروا بعدها للإنضمام للأغلبية كما فعلوا أوقات الثورة و أصبحوا بعدها من أشد المتحمسين لشباب الثورة ما بين عشية و ضحاها , و الذين لم يدركوا أن الوقوف في منطقة الحياد عند مطالبة شعب بحقه خيانة لهذا الشعب و للوطن و هو ما يلجأ إليه كثير من الإعلاميين و الصحفيين و غيرهم ممن يسيطروا علي إعلام أساس عمله هو النفاق و الخداع و إنتظار الأوامر العليا الذي لا نتعجب كثيراً من تواجدهم في أماكنهم حتي الآن فهم جزء من نظام غير مكتمل الخَلع !! . و لكن بعد موقف المجلس العسكري من حركة 6 ابريل و مواقفه الحازمة ضد الإعتصامات و التظاهرات و اخلاء ميدان التحرير فقد عاد الهمس إلي حديثنا و أُغلِقت الأبواب من جديد , عاد الإعلام الموجَّه ليمارس دوره في التعتيم , عادت جماهير هواة المشاهدة لا الممارسة لتنتظر الفريق الفائز لتصفق له و تتسلق علي إنجازه و كأننا لم نتعلم شيئاً من ثورة شباب يناير العظيمة ! فالثورة تُسحَب من بين أيدينا و تُقاد إلي طريق مليء بالغموض و أننا نعود لنقطة البداية من جديد و كأن لم يتغير أي شيء سوي أننا استبدلنا مبارك بالمجلس العسكري الذي نأمل منه أن يحمي هذه الثورة و أن ينقذها بتحقيق إرادة هذا الشعب لا ما يريده مبارك و نظامه