بقلم : د. ايمن احمد هذا السؤال يطرح نفسه هذه الأيام بقوة خاصة بعد الجمعة الماضية التى تجمعت فيها جميع التيارات السلفية فى ميدان التحرير رافعة أعلام السعودية . و الحقيقة أن الأعداد التى تجمعت فى ميدان التحرير هى أعداد وهمية لا تعبر عن الشعب المصرى الذى لا ينتمى إلى أى فصيل سياسى . بل إننى إزددت تفاؤلاً بما حدث فعندما يأتى السلفيون من كل ربوع مصر بزوجاتهم و أولادهم و لا تتعدى أعدادهم بعد هذا الحشد مليون فهذا يدل على حجم هذا التيار الحقيقى فى الشارع المصرى الذى لا يتعدى 2% من الشعب المصرى. و تأثير وصول السلفيين إلى الحكم فى مصر سيحدث تغييرات كبيرة فى ثلاثة زوايا هامة للغاية هى تغييرات سياسية و تغييرات اجتماعية و أخيراً تغييرات اقتصادية . أولا: التغييرات السياسية : السلفيون لا يؤمنون بالديموقراطية لأن الديموقراطية من وجهة نظرهم حرام فالديموقراطية بالنسبة للسلفيين هى عبارة عن تذكرة قطار ذهاب بلا عودة أو الذهاب إلى صناديق الاقتراع لمرة واحدة فقط . و لذلك فهم سينقلبون على الديموقراطية التى أوصلتهم للحكم و سيطبقون ما يسمى بنظام "الامامة" الذى يحكم فيه الإمام مدى الحياة و من يختار الإمام لجنة تُسمى "لجنة أهل الحل و العقد" تلك اللجنة مكونة من كبار شيوخ السلفية الذين يعرفون الشرع و سيختارون بالتأكيد الصالح للبلاد من وجهة نظرهم فلا يُترك حق الاختيار للعامة و فى أحسن الظروف سيتم طرح اسمين للعامة يختار هذين الاسمين لجنة أهل الحل و العقد ليختار العامة واحد منهما . و السلفيون لا يعترفون بالأحزاب فالأحزاب من وجهة نظرهم حرام لأنها تبث الفرقة بين المسلمين و لذلك سيتم إلغاء الأحزاب . و هذا هو السيناريوا المتوقع حدوثة سياسياً فى حال وصول السلفيون للحكم . و هذه التغييرات السياسية لن ترضى حوالى 25% من الشعب المصرى الذى يبحث عن الحرية و يتوق إلى الديموقراطية . ثانياً : التغييرات الإجتماعية : سيتم إلغاء دور المرأة نهائياً فى المجتمع من خلال فرض النقاب و منع المرأة من العمل و منعها من قيادة السيارات مما سيقضى على دور المرأة نهائيافى مجتمع يتعدى فيه عدد الأسر التى تعولها المرأة أكثر من 50% من عدد الأسر المصرية . إغلاق دور السينما و الأندية و غيرها من أماكن الترفيه . سيتم فصل الشباب و الشابات فى الجامعات . ظهور هيئة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر على غرار السعودية . سيهاجر الكثير من المصريين من أصحاب العقول الواعدة و العلماء إلى الخارج لأن العلم لا يعرف الإبداع إلا بالحرية فالعلم و الحرية وجهان لعملة واحدة . ستنتشر البطالة للأسباب التى سأوضحها لاحقاً فى التغييرات الاقتصادية مما سيؤدى إلى زديادة نسبة المتخلفين عن سن الزواج . سيفرض على المسيحيين دفع الجذية و سيحرموا من تولى أي مناصب حتى و لو كانت صغيرة أو رمزية لأنه حسب عقيدتهم لا ولاية لغير المسلم على المسلم . ثالثاً : التغييرات الاقتصادية : و هى الأهم فى كل ما سيطرأ على مصر من تغييرات نظراً للظروف الإقتصادية التى يمر بها المجتمع المصرى. فالمجتمع المصرى الذى يقبع أكثر من 50% منه تحت مستوى خط الفقر و 20% عند مستوى خط الفقر لا يهمه سوى الوضع الإقتصادى فالعامل الإقتصادى هو الأهم فى مصر حالياً. و السلفيون لا يملكون رؤية إقتصادية واضحة أو أى برنامج إقتصادى و كل ما يروجوه فى برنامجهم هو تطبيق شرع الله على حد قولهم و رغم احترامى للشريعة فمصر تطبق الشريعة و لكن من وجهة نظرهم لا تطبقها لأنهم يتعاملون مع الشريعة و النصوص الإسلامية على أنها نصوص جامدة و هذا ليس موضوعنا الاَن . و لأن السلفيون لا يملكون أى رؤية إقتصادية فهم يسوقون لأنفسهم دينياً عن طريق إصلاحات دينية كما يقولون و أن هذه الإصلاحات الدينية ستهبط علينا بخيرات السماء و هذا كلام غير واقعى و غير منطقى . فالمشروع السعودى الذى يتبناه السلفيون غير قابل للتطبيق فى مصر لعدة أسباب أهمها : 1- عدم وجود أبار النفط فى مصر فمصر لا تمتلك ثروات طبيعية فثروة مصر فى أبنائها و ليس فى أبار النفط . 2- الشعب المصرى الاَن يقترب من 90 مليون بينما الشعب السعودى 22 مليون فقط . 3- طبيعة البيئة الرطبة فى مصر و الجافة بسبب حياة البدو فى السعودية، و الفارق الحضارى الشاسع بين البلدين . و هذا سيخلق كبتاً فى مصر مما سيزيد من انتشار الجرائم و الأمراض النفسية فنظراً لطبيعة المجتمع السعودى الجافة و الرواج الاقتصادى فالمواطن السعودى يخرج خارج السعودية مرة على الأقل سنوياً يخرج فيها ما بداخله من كبت . و نظراً لأن السلفيون يحرمون البنوك فإنهم سيتخذون قرارات إقتصادية خاطئة ستؤدى إلى هروب رؤوس الأموال من مصر كإلغاء البنوك فى وقت نحتاج فيه إلى أزدياد الاستثمارات الأجنبية حتى تزيد الصادرات و يتم تقليص الفارق فى الميزان التجارى بين الصادرات و الواردات . و بإلغاء البنوك ستخرج مصر من السوق العالمى و بالتالى لا صادرات مما سيؤدى إلى خسارة العملة الصعبة فلا صادرات و لا واردات فى وقت نستورد فيه أغلب احتياجاتنا من الطعام و الشراب من الخارج مما سيؤدى إلى عواقب وخيمة . كما أنهم سيقومون باتخاذ قرارات خاطئة فى مجال السياحة مما سيؤدى إلى تدمير صناعة السياحة فى مصر و بالتالى خسارة أخرى للعملة الصعبة التى تأتى من الخارج و التى تحتاجها مصر لتعويض الفارق الفادح فى الميزان التجارى . و هذا سيؤدى إلى انهيار مخذون النقد الأجنبى فى عدة شهور فقط . و ستؤدى هذه القرارات الإقتصادية الخاطئة إلى نتائج فادحةعلى مصر من مجاعة و انتشار للبطالة و بالتالى ازدياد لمعدلات الجريمة و انهيار الأمن و الاستقرار . و هذا سيؤثر بالسلب على حوالى 70% من الشعب المصرى. و ستكون نتيجة ذلك حدوث ما يُسمى ب"ثورة الجياع" و انهيار تام لنموذج الدولة الدينية فى مصر إلى الأبد . و بالتالى سيصبح عندنا أكثر من 95% من الشعب المصرى قد تأثروا سلباً بوصول السلفيين للحكم . و السؤال الذى يطرح نفسه هو هل سيستطيع السلفيون التخلى عن تزمتهم و أفكارهم البالية التى لم تعد تناسب العصر خاصة فى المجال الإقتصادى ؟ هل سيستطيعون مجاراة الإقتصاد العالمى و الدخول فى عجلة الاقتصاد العالمى التى تخالف مبادئهم فى اعتمادها على البنوك و اقتصاد اَليات السوق ؟ أم أن المصريون سيتحولون على أيديهم إلى عمالة رخيصة أرخص من الهنود فى دول الخليج و السعودية ؟! و هل ستعيش مصر على معونات دول الخليج و السعودية اللاتى تدعمهم الاَن ؟! هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة . أسأل الله العلى العظيم أن يحفظ هذا الوطن من كل شر و أن ينعم عليه بكل خير...