في ندوةٍ حضرتها للدكتور الجليل عمر عبد الكافي ذكر فيها موقفًا كنتُ لتوي قد سمعته من صديقةٍ لي أتمت حفظ القرآن كتفسيرٍ لما يحدث. قال الدكتور إن ما نحن فيه هو أشبهُ بالتيه الذي حكم الله به على بني إسرائيل، و نحن لسنا فقط في تيه بلغت مدته في القرآن أربعين سنةً بل نحنُ في تيهٍ و نصف أي ما يقارب الستين عامًا. و كثيرًا ما أتأمل هذه الكلمات لأقف على تعليق الصديقة التي كان يسترعيها هذا الرقم بالذات: أربعون عامًا. لماذا أربعون عامًا فيها يتيهون؟ قالت الصديقة إن أحد التفاسير كان يفسر ذلك بأن الجيل لكي ينمو يحتاجُ إلى أربعين سنةً لتتغير قيمه و موروثاته التي تأثر فيها بما شاب الفترة السابقة من قيم سلبية. و نعودُ إلى الربط بين محاضرة الشيخ العلامة و كلام الصديقة، إننا حقًّا في صحراء التيه في سيناء منذ ستين عامًا، نتشرب بقيمٍ و عاداتٍ غريبة تنأى بنا عن قيمٍ أرادها الله لنا. و لا عجب أن ما يحدث لنا منذ قيام الثورة في الخامس و العشرين من يناير حتى يومنا هذا هو استمرارٌ في التيه. أما عن الخروج منه و هو ما يهمني كثيرًا فأنا واثقةٌ أنه سيأتي بالعودة إلى مطالبنا المشروعة التي لا يؤخرها إلا التيه التي تفتعله الحكومة لمزيدٍ من الإقصاء عن الأغراض الحقيقية مما نفعل. و أسباب التيه الأصلية لبني إسرائيل لا تختلف عن أسبابها لدينا و التي تسربت منهم إلينا تيهًا بعد تيه. و نحن على مشارف رمضان نتذكر غضب الله الذي حل بقوم موسى بسبب مَن كان يعصى الله بالخطيئة، فإذا به يتوب عنها فقط لأن نبي الله أنذرهم بالاستمرار في الغضب نتيجة لخطيئته. إننا نستقبلُ هذا الشهر بالكثير من الموبقات التي تجعلنا نتقربُ إلى شياطيننا أكثر من ربنا، و بقدر اجتهادنا في الابتعاد عن المعاصي و الذنوب في هذا الشهر الفضيل حتمًا سنجدُ لأنفسنا مخرجًا من كل تيه ..