بقلم مصطفى الغزاوي طالب الشهادة تمنح له الحياة.. والموت لن يحني رأس الشعب أبدا الشعب يقاوم.. هو العنوان الرئيسي للفترة الانتقالية بعد 11 فبراير 2011 . رغم المهام العديدة التي حلت فور خلع الرئيس، غير أن الشعب المصري تجمعت عليه كل صنوف العدوان والحرب ماديا ونفسيا، في محاولة لإجهاض ثورته، وكأن ثورة الشعب يمكن لقوي الظلام والفساد أن تجهضها وتحيلها إلى فعل ماض، ناسين أن الدوافع الرئيسية لثورته لم تنقض بعد، أيا كانت محاولات الانحراف بإرادته أو تفريغها من مضمونها، أو محاولات قنص شبابه الذي مازال وقود الثورة، ومازالت تضحياته تتوالي . لا أتصور أن في مصر الآن جنرالات مقاه، أولئك الذين عانت الأمة من ادعائهم المعرفة والخوض فيما لا يعلمون. ولكن ألم المعاناة فجَّر كل إمكانات الذكاء الشعبي، وتحول الشعب إلى ضوء كشاف ساطع يرصد كل الانحرافات، وبدأ في الحديث من جديد عن معاني الثورة، والحديث عن الأنا المحركة للنخبة والجماعات والتكتلات، وصار تقاعس الأمن سؤالا مريبا، وصار أمله في دور للمجلس العسكري محل شك يردده ويقول به، وتبين لكل ذي بصيرة أن الشعب أسقط كل الخطوط الحمراء غير خط واحد "حقه في الحياة ". نعم هناك غيامة ألم شديد، ترفض الاستسلام، ورغم اتباع منهج أن الوقت هو جنرال النسيان لدي الشعوب، إلا أن استمرار إمساك الشعب بقضية "الحق في الحياة"، أدي إلى تحويل بذور اليأس إلى غابة مقاومة، ونكاد نري هزيمة الحرب النفسية، وهزيمة سياسات التفتيت لجبهة الشعب الثائر والتي تجلت خلال الأيام الثمانية عشر الأولى من الثورة . متابعة أحاديث النخبة ترصد التشتت ومحاولة اجتزاء الثورة إلى مكاسب ذاتيه، بل يراها الشعب ممالأة لسلطة مؤقتة، يسألونها الوجود، والمنح، ذات منهجهم مع النظام السابق، وبقايا النظام السابق الحاكمة الآن تتبع ذات منهج "ثلاثية القرد: لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم". وترصد عجز وزارة بنى عليها البعض آمالا بينما لا تملك الوزارة ما يؤهلها لأداء مهام الفترة الانتقالية. وتخرج أحاديث النخبة كل يوم بمتناقض جديد، لا تقبض علي مهام المرحلة الانتقالية وتسعي إليها، ولكنها تتنازل تدريجيا عن مضمونها حتى تكاد العناوين تفقد معناها ومضمونها، أيضا قصة القرد الذي يقوم بقسمة قطعة الجبن علي الميزان إلى نصفين، وكلما وجد فرقا في الميزان أكل قطعة من الجبن لتتساوي الكفتين، إلى أن أكل الجبن كلها، وفرغ الميزان من دورة . عندما أعلنت الثورة شعارها "الخبز الكرامة العدالة الاجتماعية"، كانت تضع استراتيجية للقادم من أداء وعمل، ولكن موجودات النظام السابق الذي جرت الثورة علية علي كلا جانبي النظام ومن سجونه أيضا، كونت ائتلافا مضادا البعض منه يهاجم ماديا بكل الأسلحة في يده وحاول زرع الخوف وإرهاب الشعب، وحاول تسويف المطالب التي أعلن أنه معها، وانضمت إليه نخبة وجماعات وأحزاب لا وجود لها الا في غياب الشعب، وحاولت تحجيم استراتيجية الشعب في حدود وعيها القاصر، وسرقة الزمن لصالحها . الجميع في مركب القراصنة، ولا أستثني منهم أحدا . وحولوا استراتيجية الثورة إلى "الأنا تعديلات دستورية انتخابات"، وألبسوا ادعاءاتهم أردية الدين وأطلقوا لها لحية، علهم يزيفون وعي الشعب . ألم المعاناة أصبح السلاح الرئيسي لمواجهة التزييف والتسويف وصار وقود الثورة . شعار الثورة "الخبز الكرامة العدالة الاجتماعية" كان محددا وقاطعا، وكانت الاستجابة أليه تتمثل في تحويله إلى مهام بديلا عن مهمة مزيفة كان عنوانها "نقل السلطة من العسكريين إلى مدنيين"، نقل يمثل ترجمة حرفية لما أطلقة الغرب وأمريكا، وكأنهم يقولون إن العسكر ليسوا من المصريين أو أن السلطة المدنية المطلوب أن ننتقل إليها محددة الانتماء إلى الشعب وليست بقايا النظام السابق، فبقايا النظام السابق ليس من يحلوا لهم إطلاق مسمى "الفلول" عليهم بلا معني، ولكن هناك فلولا أخرى هم من عايشوا النظام السابق وواكبوه تحت مسمي "المعارضة"، فسقوط النظام وسلطته كان يعني ضمنيا سقوط المعارضة التي عاصرته فهي جزء من نظام الفساد، وعناد الحقيقة ومحاولة اكتساب مبرر وجود بعد الثورة هو ضد الثورة ومقتضياتها، بل هو نوع من تزييف إرادة الشعب وتحميلها بأعباء غير مبررة . وبدلا من تحمل مسؤولية شعار الثورة ومهامه انتقلنا إلى صراعات السلطة، وحتى يكتمل مشهد القرصنة وكان العداء المستعر من الكل لمعنى الدستور، ويجرى اختزاله كل يوم إلى محددات لا تقترب من قضايا المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، أيضا القرد وميزان الجبن . هكذا جرى فرز المجتمع، الشعب بمعاناته وضع أماله في شعار ثورته "خبز كرامة عدالة اجتماعية" وهو يملك عقيدة الصبر والمقاومة وسلاحه أبنائه الشباب الذين تراكم وعي الكرامة داخلهم، ولم يعد لأحد إمكانية الانقضاض عليهم، ذاقوا طعم الشهادة في أعز رفاقهم، فصاروا ينشدونها وكأنها سبيل الحياة، ونجحوا في تجاوز كل محاولات الاستقطاب الذاتي أو الخارج عنهم، وبقيت كتلتهم الأكبر خارج صور الاستقطاب، حرة لا يطولها سم الكاميرات أو الجلوس على مقاعد وثيرة . وعلى الجانب الآخر النظام السابق بأكمله، من مكونات السلطة والمعارضة، الجميع تم استقطابهم إلى حنين للعودة للماضي، بمظنة أن الماضي يبرر بقاءهم، وخرجوا من خندق الثورة عندما فقدوا التوافق مع استراتيجيتها، واستعاضوا عنها ببديل عاجز جسده سعي غير حر وبلا كرامة للشعب إلى سلطة ستكون نهايتهم . ليلة 28/29 يونيو الماضية كانت قمة الوضوح في فرز المجتمع، وأي متابع لما جرى يخلص إلى نتيجة حاسمة بأن "مؤامرة وأد الثورة مستمرة"، وأن الثورة خارج السلطة، وإذا كان يوم 28 يناير هو يوم سقوط النظام ووزارة داخليته، فقد كان يوم 28 يونيو هو يوم سقوط وزارة تسيير الأعمال ووزارة داخليتها. وما يزيد الأمر ريبة أن الجيش يتحرك فقط لحماية المنشآت بادعاء أنها رمز للدولة، ولا يتحرك لحماية الشعب الذي هو الدولة ومبرر وجود الجيش ذاته . وما يثير الاستغراب ويدفع إلى التعجب، أنك تسمع من الجيش ملاحظات حادة على أداء الداخلية منذ سقوط النظام حتى اللحظة، وأنهم بعد هزيمتهم أمام ثورة الشعب واستمراء قتل المتظاهرين، خرجوا إلى تنفيذ مخطط الفوضى داخل المجتمع، وأن ضباط الشرطة كانوا هم من يطلقون الرصاص على الأهالي ليلا، في مخطط وصفوه أنه كان معد سلفا حال وقوع أي خلل في عملية التوريث من المخلوع إلى ابنه، ورغم هذا لا تري من تحركات الجيش إلا مصاحبة مجموعات الشرطة في مهام تنفيذ الأحكام، ولم نجد من الجيش موقفا في مواجهة الضباط الذين قادوا عملية الفوضى وهم يعلمونهم بالاسم . وبلغت الصلافة والتبجح بأحد أفراد الشرطة أن يقف في مواجهة المتظاهرين يرقص بأحد "السنج" أو السيوف مشيرا بيديه بإشارات بذيئة، بينما مكبرات الصوت من فوق مدرعات الشرطة تتوعد الشعب وتسبه بأقذع الألفاظ، وتتوعده وتتوعد الثورة، حديث إفك يديره العيسوي والغافل أبداً رئيس الوزراء . روايات الحضور في ميدان التحرير أن ثلاثة تشكيلات من الأمن كانت تواجه المتظاهرين على ثلاثة منافذ للميدان، تشكيلان منهما كانا في مواجهة قاتلة مع المتظاهرين، وأن التشكيل الثالث كان خارج الاشتباك بل وانصاع لأوامر الانسحاب والآخران كانا يمارسان كل العنف بلا مبرر في مواجهة الجماهير التي احتشدت دفاعا عن أهالي الشهداء الذين تعرضوا للإهانات المتوالية، وكان آخرها إعلان إنشاء صندوق لرعاية أسر الشهداء والمصابين بعد ستة أشهر من الثورة . وحاولت أبواق سلطة ما بعد الثورة وصم اسر الشهداء ومن تداعى حولهم من الشعب لحمايتهم من بطش مجهول المصدر، حاولت هذه الأبواق والإعلام والبيانات وصفهم بالبلطجية، وأقطع باليقين أنه لو كان الحضور بالتحرير من البلطجية، لما تحركت ضدهم جموع الشرطة، فالبلطجية والشرطة يد واحدة في مواجهة الشعب بل نجح البلطجية أن يغيروا من أسلحة الشرطة لتستخدم أسلحة التخلف المجتمعي "السنجة والسيف ". وعلى قناة تليفزيونية يخرج شاب وفتاة وإخوة لشهداء مع ريم ماجد المذيعة التي أضافت للإعلام المصري صورة مشرفة جديد لمعني الإعلامية التي تحترم عقل المشاهد، وتحترم نفسها، وتنتمي لمجتمعها. كان مع ريم "علاء وجيهان" شابان من شباب الثورة، أن استمعت إليهما أدركت وجوب أن تأخذ الثورة السلطة، وأنهم قادرون بالصدق، نعم أهم وأعظم ما تكتشف فيهم الحماس والوعي والثقة والصدق، حديثهم لا كذب فيه، ويراجعان بعضهما البعض، مقاتلان ببساطة الإنسان وبراءته يدركان أن ما يحققانه لا يأتي بالادعاء ولا الكذب ولكن له ثمن يجب دفعه، هكذا هي مصر، وسط ظلام المؤامرة تضيء شعلة جديدة للثورة ألا تكذب فهذا حقنا والجرائم السوداء تكشف نفسها . سقطت وزارة تسويف الأعمال، وأسقط مجرمو الداخلية جهاز الشرطة، كلاهما يستوجب الحل . شرف يجب أن يذهب فهو ابن للنظام السابق ويجهل معني الثورة وأهدافها وكيف السبيل إليها . والداخلية أصبح واجبا حلها وتسريح رتبها العليا، الشريف مع غيره، ثم إعادة بناء جهاز الشرطة، ولن نمل من تكرار مثال إعادة بناء القوات المسلحة بعد يونيو 67، وكيف تجاوزنا حالة الفوضى. نذكر محاولات المشير وجماعته للعودة إلى القوات المسلحة والتي انتهت بانتحاره، وهي ذات محاولات الداخلية للعودة بالبلاد إلى حالة ما قبل يناير، والفارق بين الحالتين أن عام 67 كان هناك من يستطيع أن يتخذ قرارا ومن حوله رجال ينفذون القرار، وبين اليوم حيث حالة "اللا قرار" التي تسيطر على البلاد المسروقة تحت شرعية استفتاء طلبته لجنة معادية للشعب هي لجنة البشري، وصادرت به الشرعية الثورية . الجريمة الاقتصادية مستمرة ويقودها وزير مالية تسويف الأعمال الذي رفض له المجلس العسكري أن يستدين من البنك الدولي، ويعيد إليه الميزانية فيقوم بتجميد المعاشات، ولأن الثورة طالبت بالعدل الاجتماعي فقد ترجموه في زيادات أهدروها، والخروج الجديد للشعب سوف يكون لمطلب العدل الاجتماعي، تراجع وزير مالية شرف والذي كان مستشار يوسف بطرس غالي الهارب من العدالة، تراجع عن فرض ضرائب جديدة تطول المتعاملين بالبورصة، وتراجع عن زيادة الأجور والمعاشات، فأي وزارة للثورة هذه، تحرم الفقير وتضيف لأثرياء زمن الفساد . هل سيكون يوم 8 يوليو الموعود فيه بمليونية شعبية جديدة للعدالة الاجتماعية، أم أنكم تذهبون بالبلاد وشعبها إلى دم جديد، والشعب وشبابه يستعدون له بل ويطلبون الشهادة، وطالب الشهادة تمنح له الحياة التي يستحقها، والموت لن يحني رأس الشعب أبدا