لقد كان محمد – صلى الله عليه وسلم- ملكا دانت له اوطانه بالطاعه ومع ذلك كان متواضع في نفسه يرى انه لا يملك من الامر شيئاً وان الامر كله بيد ربه. ونراه في غنى عظيم تأتيه الاموال بالخزائن إلى عاصمه ملكه ويبقى مع ذلك محتاجا ولا توقد في بيته نار لطهي الطعام ولمدة ايام , وكثيرا ما يطوى على الجوع. ونراه قائدا عظيما يقود الجند القليل العدد فيقاتل بهم ألوفا من الجند المدجج بالسلاح ويهزمهم شر هزيمه. ونشاهده بطلا شجاعا يصمد وحده لآلاف من أعدائه غير مكترث بهم,وهو مع ذلك رقيق القلب متعفف عن اراقه قطرة دم, ونراه مشغولا بجزيرة العرب كلها, بينما لا يفوته أمر من أمور بيته وأزواجه وأولاده ,ولا أمر من أمور فقراء المسلمين ومساكينهم.لقد كان انسانا يهمه امر العالم كله وهو مع ذلك متبتل الى الله منقطع عن الدنيا فهو في الدنيا وليس فيها لأن قلبه لا يتعلق الا بالله وبما يرضي الله ,لم ينتقم من أحد قط لذات نفسه ,وكان يدعو لعدوه بالخير. ونراه رسولا حصيفا ونبيا معصوما في الساعه التي تتصوره فيها فاتحا للبلاد ظافرا بالأمم وانه ليضطجع على حصير له من خوص, وينام على وساده حشوها ليف ويعيش أهل بيته في فاقه في الوقت الذي تتجمع فيه الغنائم العظيمه في فناء مسجده- فيفرقها على الفقراء والمحتاجين ولا ينال أحد من أهله أو اهل بيته نصف درهم. ولو نظرنا الي نشأة الاسلام نجدها مثالا يحتذى به في دقه التخطيط وحسن الادارة , نجد ان الخليه الاولى التي بني عليها المجتمع المسلم مكونه من رجل "صديقٌ حميم" وهو سيدنا ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – وسيده" زوجةٌ مخلصه وفيةٌ" وهي السيدة خديجه – رضي الله عنها- وصبي " هو قريب وربيب" وهو على ابن ابي طالب- رضي الله عنه- فكل منهم يمثل فئه من فئات المجتمع . يعقب ذلك الاسلوب المتبع في نشر هذه الرساله العظيمه , بدايه سريه وذلك بعرضها على المقربين اولى الثقه ومن قبائل القريش المختلفه وليست حصرا على غني دون فقير او سيدا دون عبد بل الكل عند الله سواء أخوة في عقيده واحده تؤلف بينهم وتوحدهم على كلمه لآ الاه الا الله محمدا رسول الله , وبعد ان استقر الايمان في قلوبهم تبدأ مرحله جديده وهي مرحله الجهر بالدعوى كل ذلك وغيره من التفاصيل الدقيقه يؤكد أن التخطيط السليم للدعوة كان مصاحبا لها من أول يوم بل من اول ساعه . وسياق الاحداث بعد ذلك يوضح كيف ان الرسول- صلى الله عليه وسلم – كان يعد العده لكل شئ و يهتم حتى بادق التفاصيل , تجلى ذلك واضحا في الهجرة النبويه الشريفه وكيف رسم عليه الصلاة والسلام دورا دقيقا مما ادى بفضل الله الى انجاح اصعب المهام في وقتها وهي خروج الرسول –صلى الله عليه وسلم – من مكه الي المدينه مهد الدوله الاسلاميه . على ان ابلغ رد على العلمانيين , القائلين بعلمانيه الاسلام, والذين يزعمون ان محمدا –صلى الله عليه وسلم –لم يؤسس دوله ولم يقم حكومة ولم يكن قائدا سياسيا للمجتمع المدني الذي عاش فيه بعد هجرته (1ه 622م) إن ابلغ رد على هؤلاء هو الاشارة إلى معالم هذه الدوله التي اسسها الرسول وصحبه وهي المعالم التي تواترت أخبارها في امهات مصادر التاريخ و الحديث. فقبل شهور من هجرة الرسول –صلى الله عليه وسلم –من مكة إلى المدينه تم عقد تأسيس هذه الدوله بينه الرسول وبين قادة الأوس والخزرج وممثليهم, اللذين التقو به في موسم الحج من ذلك العام فكانت "بيعه العقبه" هذه عقدا سياسيا وعسكريا واجتماعيا - حقيقيا لا مفترضا- لتاسيس الدوله الاسلاميه العربيه الاولى في التاريخ. وبالطبع فإن القرآن(ذلك الكتاب اللذي لا ريب فيه ) لما كان كتاب الرساله الخاتمه, فإنه وقف عند المنهاج والمقاصد والغايات والفلسفات في كل ما يتصل بالامور التي هي محل وموضع للتغير والتطور , الذي هو قانون طبيعي وسنه من سنن الله في الكون الذي ابدعه ويرعاه ومن هذه الامور اقامه الدوله وقياده الامه , وسياسه المجتمعات. فالقرآن الكريم الذي لم يفرض على المسلمين اقامه الدوله قد فرض عليهم من الواجبات الدينيه ما يستحيل عليهم القيام به والوفاء بحقوقه إذاهم لم يقيمو دوله الاسلام مثل : جمع الزكاه من مصادرها ووضعها في مصارفها. ولا ننسى بالذكر انه على كتاب الله وسنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قامت اول مدرسه عسكريه في تاريخ الاسلام , تعالج امور الحرب باعتبارها ظاهرة إجتماعيه وتضع المبادئ لكل ما يتصل بها من حيث اهدافها وقوانينها وادابها. وكان الرسول –صلى الله عليه وسلم – قائد هذه المدرسه ومعلمها الاول وهو المثل الكامل والقدوة المثلى كما يقول الله سبحانه وتعالى"لقد كان لكم فيرسول الله اسوة حسنه " ( الاحزاب 21) وهو القائد الذي اصطفاه الله ليبلغ أعظم رساله وجعله تحت حراسته ورعايته حتى كان افضل قومه , واستوفى من مكارم الاخلاق من كل مكرمه لم ينلها إنسان قبله ولا بعده حتى خاطبه الله بقوله " و انك لعلى خلق عظيم " (القلم 4). وإذا كان القاده يتعلمون فنون القيادة والحرب على يد غيرهم من القاده و المعلمين في المعاهد العسكريه فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ من غيره وإنما أخذ عن الله عز وجل شأنه فلا عجب اذنأن يظهر عليه الصلاة والسلام في امور الحرب وغيرها من امور الدنيا ما لا يتسامى إليه قاده الدول الكبرى وقادة الحروب الذين يعلموا فنونها , واتخذوها صناعه , من عبقريه فذه في القياده والتخطيط و إدارة المعارك الحربيه.