عشرون حزب سياسي مصرح لهم قانوناً بممارسة العمل السياسي، أربعة أحزاب قانونية مجمد نشاطها، أحد عشر حزباً وقوة سياسية غير معترف بها من قبل الدولة، كل هذا بخلاف مجموعات أخرى كالجبهة الوطنية للتغير، وشباب ستة أبريل، وكفاية، وغيرهم من الحركات أو التجمعات التي تحاول أن تكون أو تحاول أن تعطي الإنطباع أنها قوى تغيير... لا أعتقد أننا قد نرى تلك الأعداد لأحزاب سياسية وقوى "تغيير" في أكثر الدول تقدماً أو أكثرها تخلفاً في العالم، فلماذا لدينا كل تلك الحركات والأحزاب السياسية الرسمية والغير رسمية والجميع يتحدث عن "التغيير" ولا يتحقق من فعل "التغيير" سوى الحديث عنه؟ أرى أن الهدف أصبح بيع فكرة "التغيير" في حد ذاتها وليس "تغير ماذا إلى ماذا" لا أعتقد بأن رؤساء تلك الأحزاب بما فيهم الحزب الوطني الذي أيضا يتحدث عن "التغيير" وفي حقيقة الأمر لا يجب أن يتحدث الحزب الحاكم عن "التغيير" فهو من يملك آليات إحداثه وما لا يملكه ربما هو "تغيير" الشعب وأقصد سلالته وليس سلوكياته، أعود لرؤساء الأحزاب والقوى المتواجدة في الساحة لا أعتقد بأنهم لا يعرفون معنى "التغيير" أو آلياته أو شروط فعله أو طرق قياس أهدافه، فلمن إذن رسالة "التغيير". الجمعية الوطنية للتغير وضعت مجموعة من الأهداف تستهدف تغييرها، وربما كانت الوحيدة التي وضعت أهداف محددة، وجميع الأهداف الموضوعة لا ترتقي لتكون أهداف نهائية، فبنظرة متفحصة نراها مجموعة من الأهداف المرحلية، مما قد يدفعني أو يدفعنا للتساؤل عن الأهداف النهائية لحملة الجمعية الوطنية للتغير... أعتقد أيضا أن حديثي اليوم ليس لقادة الأحزاب وحركات التغيير وأكاد أجزم أنه ينصب على إدراك رجل الشارع بإختلاف توجهاته وخلفياته فهو الوحدة البنائية للحشد وهو متبني الفكرة وهو من سيوقع على وثيقة المليون توقيع... التغير هو ببساطة الإنتقال من وضع آني لوضع مستقبلي وفقا لمنهجية محددة وبآليات محددة لتحقيق أهداف متفق عليها وقابلة للقياس والمتابعة بقيادة مجموعة تسمى "قادة التغيير"... وفي كل تلك الأحزاب والقوى والحركات نسأل دائماً عمن يملك "القدرة" على التغيير ومن يملك "الإرادة" للتغيير مجتمعين أو منفردين وهنا تكمن القضية فعادة في الدول التي يحكمها الجيش لفترات طويلة لا يملك "القدرة" غير الجيش في الظروف العادية وإيجاد قوة سياسية أو شعبية يمكن أن يقال أنها توازن "قدرة" الجيش يحتاج لمجموعة من الخبرات التراكمية للتجربة السياسية للأفراد والمجموعات لتصل بالوعي السياسي والوطني لحد إمتلاك "القدرة" والغريب أن تعريف "القدرة" فيزيائيا:- القدرة هي مقدار "الشغل" المبذول في وحدة الزمن أو في الثانية مثلا والشغل هو حاصل ضرب القوة في الإزاحة أو المسافة مثلا أي ببساطة القدرة يمكن القول بأنها القوة القادرة على التحريك لمسافة ما في وقت محدد لو أعدنا النظر مرارا وتكرارا للتعريف الفيزيائي لفهمنا صعوبة إمتلاك القدرة في مناخ سياسي مشابه... في الوقت نفسه ولو هتف الجميع بما فيهم الحزب الحاكم برغبته في التغيير فمن يملك الإرادة للتغير؟ والإرادة هي "مجموع الرغبة في المراد" هي العصب الناقل لأمر التغيير ولا تكفي إرادة فردية في تحقيق هدف جماعي والإرادة تطلب الإيمان بالهدف المراد والإيمان بأخلاقية تحقيقه والإيمان بالقدرة على تحقيقه... ولا يتطلب الإيمان بالقدرة وجود القدرة نفسها فالإرادة باعث لحشد القوة المحركة لمسافة ما في زمن ما لكن القدرة لا تصنع الإرادة قط... قادة اتغيير هم من يتولى قيادة التغيير يملكون الرؤية والقدرة على نقلها للحشود يملكون الأهداف الكلية والمرحلية ويملكون الخطة أو المنهجية للتغيير ويملكون أدوات قياس تحقيق الأهداف ويملكون آليات إدارة ما بعد التغيير ومعنى ذلك أن قادة التغيير هم من يحثون ويحشدون "القوة" ويوجهون "إزاحتها" في إتجاه التغيير في وقت محدد لتحقيق أهداف قابلة للقياس. أنتقل للقوى السياسية المتواجدة مرة أخرى وأبدأ بجماعة الإخوان المسلمين... الهدف العام "الإسلام هو الحل" هذا هو الهدف والشعار ووسيلة الحشد أيضاً وهو هدف مشروع أخلاقياً لجموع الحشود ولا يمكن إنكار قدرة تلك الجماعة الحشدية ولكن من الشعار والهدف نجد إنحراف الآليات عن مضمون الشعار تماماً كمن يحاول أن يقنع مرتادي الخمارات بتوقف عن الخمر عن طريق أن يجالسهم في الخمارة ويشرب معهم ويتحدث. النقطة الأخرى وهي القدرة على التغيير لا على الحشد هل تملك جماعة الإخوان المسلمين القدرة على إحداث تغيير سياسي في مصر؟ أترك الإجابة على هذا السؤال لمقال آخر، وأنتقل للتوغل الشعبي للسلفيين كأحد القوى المؤثرة في الشارع الآن والتي قامت بمصاهرتين الأولى مع النظام بنهاية القرن الماضي تماما كإتفاق الدرعية في السعودية فالسلفيين يحرمون الإنقلاب على الحكام بعكس الإخوان والمصاهرة الثانية كانت مع الإخوان أنفسهم ولم تظهر نتائجها بعد، لكن تأثير السلفيين في الواقع ظهر في قرارين لمجلس الدولة الأول فيما يخص دخول الطالبات المنتقبات الجامعات بالنقاب والثاني في حسم قضية عمل المرأة قاضية بمجلس الدولة فشكل ثقل السلفيين وهو الإسم الحديث للوهابيين في تلك القرارات جليا وواضحا كهيمنة عرفية على السلطة أو كسلطة عرفية موازية للسلطة النظامية.... في ناحية أخرى أجد الجمعية الوطنية للتغيير وهي تشبه إلى حد كبير قاطرة للتحرك ولكني لا أرى محطتها الأخيرة وكلما حاولت فهم تكوين قيادتها ومعرفة الأهداف الرئيسية لا أصل لشيء ملموس محدد قابل للقياس على عكس أهدافها التي أراها مرحلية فهي قابلة للقياس وصعوبة الحصول على مليون توقيع لا تكمن في عدم إقتناع مليون شخص ولكن تكمن في عدم ثقة ملايين الأشخاص في قدرة الجمعية على التغيير الفعلي... فالجميع يعرف أن القدرة يملكها الجيش والنظام يملك الجيش... النموذج الآخر هو الحزب الوطني ذاته، ورأيت حملة يقودها السيد جمال مبارك للقضاء على الفساد !!!!!!! ولو تكفي الصفحات لوضعت ملايين علامات التعجب... فحملة الحزب الوطني غير مبررة وغير مفهومة رغم كل ما يملكه الحزب من أدوات وآليات إلا أنه يفقد أهم نقطة وهي المصداقية فمن يريد الحزب أن يغيره؟ ولو نتحدث عن تغيير سياسي فلما لا يحدثه بدون حملات؟ ولو تغيير ثقافي فأعتقد أنه أخطأ الوسيلة، وأرى بوضوح أن حملة الحزب هي عملية إسقاط ومجاراة لحالة الشارع المتناقلة فكرة وجوب التغيير وأعتقد أنه تكتيك ضعيف أو لو أمكن القول تكتيك "بلدي" جدا هؤلاء النماذج الثلاثة هم إنعكاس واقعي للحالة العامة قربت أو بعدت بقية الأعداد للقوى والأحزاب المذكرة في الإستهلال منهم لكنها لن تتحرك في فلك يبعد كثيرا عن أيا من الثلاثة... ملاحظات عامة تثير العبوس: - التداول السلمي للسطة عبارة ساذجة مادامت لم تخرج من ذوي القوة فالأعزل لا يمن على أحد بعدم إستخدام القوة مثلا - لا للتوريث عبارة أكثر سذاجة وتدل على الرضوخ وليس الرفض ففكرة التوريث ستتم بمنهجية دستورية سليمة وليست بفرض القوة - المطالبة بتغيير الدستور وإلغاء قانون الطواريء... - المطالبة بحقوق المرأة - المطالبة بحرية الإعلام - المطالبة بفك حراسات النقابات المهنية - المطالبة بالكادر والمعاش - المطالبة .... المطالبة.... المطالبة.... !!!!!! يجب أن نعي جيدا أن القوة هي النفوذ أو السلطة وأن الإقتصاد هو عماد القرار وسيد حريته والبداية ليست في كون التغيير يجب أن يكون سلمي أو غير سلمي وليست في قبول او رفض التوريث البداية يجب أن تكون في إمتلاك القوة المحركة وشغلها لإحداث القدرة الفعلية على التغيير.... الإقتصاد هو المحرك الوحيد الذي يوازي سياسيا قدرة الجيش هذا عند الحديث السلمي والحديث السلمي عن التغيير يحصر آليات وقدرات التغيير ويبتر ثقافته وهناك نماذج متعدده لتغيير شعبي لم يحصر بدائله في كونها بيضاء أو حمراء ولكن فاقت رغبته مقاومة التغيير... البقية الأسبوع القادم